PDK.. خط الخيانة في كردستان 1 – ديار غريب

أسّس بعض المثقفين والسياسيين في باشور كردستان عام 1929 حزب هيفا. وقد أدى هذا الحزب دوراً مهماً لـ 5-6 أعوام. إذ كانت له علاقات واسعة مع باقي الحركات في أجزاء كردستان الأخرى. وقبل هذا الحزب مرّ اسم عائلة البارزاني في بعض الحروب العشائرية. وانضمّت إلى هذا الحزب بعد تأسيسه بعدّة سنوات وأدت دوراً داخله. وكانت هذه هي المرة الأولى التي تنضم فيها عائلة البارزاني لحزب ما. إذ تحركت بصفتها القوة العسكرية لهذا التنظيم. وقد واجه هذا الحزب العديد من الصعوبات بعد هزيمة الحركة البارزانية. وقام العديد من أعضائه بزيارة مهاباد. إذ ذهب بعضهم إلى هناك للدراسة، وبعضهم للانخراط في المجال العسكري.

بعض هؤلاء الأشخاص عادوا إلى باشور كردستان في عهد جمهورية مهاباد، وسعوا إلى تأسيس الحزب الديمقراطي الكردستاني. لذا تأسّس الحزب الديمقراطي الكردستاني في روجهلات كردستان آنذاك، وسعوا إلى تأسيس حزب يحمل الاسم ذاته في باشور كردستان أيضاً. فأسسوا الحزب الديمقراطي الكردستاني (PDK) في باشور بتاريخ 16-08-1946. أي بعد عام واحد من تأسيسه في روجهلات. وقد حمل في البداية اسم الحزب الديمقراطي الكردي ثم تغير اسمه للحزب الديمقراطي الكردستاني.

عندما تأسس الحزب الديمقراطي الكردستاني؛ أراد بعض المثقفين تأسيس الأحزاب السياسية. وكان الأمراء هم الذين يقودون الحركات الكردية حتى عام 1850. ثم تأسست الحركات الكردية بقيادة الشخصيات الدينية (شيخ، ملا، سيدا). وبعد عام 1919 أراد جيل جديد القيادة. وخرج المثقفون في كل جزء من كردستان، وقاد أغلبهم الحركات السياسية الكردية، وكان هذا هو الحال في الأجزاء الأربعة.

ولكن المثقفين الكرد في روجهلات قالوا بعد أعوام 1946: "لا نستطيع فعل ذلك وحدنا" وذهبوا وجعلوا قاضي محمد قائداً لهم. وقالوا في باشور: "لا نستطيع تأسيس حزب وحدنا؛ ولكن يجب أن نجعل من بعض الشخصيات المعروفة والمؤثرة قادة لنا". تأسس الحزب الديمقراطي الكردستاني في البداية بهذا الشكل، ولم يكن هناك أي وجودٍ للبارزاني. فعندما تأسس الحزب كان البارزاني في مهاباد. ثم توجّه بعد ذلك إلى روسيا. 

أسس حمزة عبد الله ومجموعة أخرى من المثقفين الحزب الديمقراطي الكردستاني؛ ولكنهم ذهبوا إلى البارزاني وقالوا: "نريد تأسيس حزب ونرغب في جعلك زعيماً له". وقال البارزاني: "أنا جاهز". وأسسوا هيئة قيادية يتزعّمها البارزاني، وأصبح ابن الشيخ محمد مساعداً له، وجعلوا ضياء آغا كوي مساعداً ثانياً؛ وتأسست الهيئة القيادية بهذا الشكل. أي أنّ هؤلاء المثقفين أسسوا وحدةً بين المثقفين وزعماء القبائل بعقلهم. فقد كانوا يعتقدون أنهم إن جعلوا من زعماء العشائر زعماء للحزب، فسيتمكنون من استخدامهم وتأسيس مظلة والقيام بأعمالهم تحت هذه المظلة.

بهذا الشكل، أصبحوا الحزب السائد خلال فترة قصيرة. كان أسلوبهم أسلوباً مريحاً. وبطبيعة الحال، لو كان حمزة عبد الله هو من تزعّم الحزب، لكان عليه أولاً تعريف الناس بنفسه إذ أنهم لا يعرفونه. ولكن إن قاموا بجعل ملّا مصطفى زعيماً لهم، فإن له خلفية قتالية، كما أنّه ينحدر من عائلة شيوخ البارزاني. وكان معروفاً أنه قد أصبح آنذاك جنرالاً في جمهورية مهاباد. ومن جانب آخر، إن تزعّمت تلك الشخصيات الأحزاب فإنها شخصيات معروفة. ولكن لو قالوا: "لقد أسسنا حزباً جديداً يتزعّمه حمزة عبد الله" لقال الناس: "من هو حمزة عبد الله هذا؟ ما الذي يريده؟"؛ حينها ينبغي أن يعرّف بنفسه وأفكاره. وهذا عملٌ صعب. لذا لم يلجؤوا إليه واتّبعوا الطريق اليسير.

وتمكنوا بهذا الأسلوب اليسير من استخدام الطبقات الحاكمة لصالحهم. إذ قالوا: "البارزاني موجود في مهاباد، ويمكن ألا يأتي أبداً؛ وابن البرزنجي وزياد آغا شخصيتان فاعلتان، يمكننا استخدامهما". وقد صدق تفكيرهم بشأن ابن البرزنجي وزياد آغا. إذ لم ينخرطا في العمل بشكل كبير. واستخدموا اسميهما. ولكن هذا الأمر لم ينطبق على مسألة ملّا مصطفى.

عندما عاد ملّا مصطفى من روسيا قال: "بما أنّ الحزب باسمي، فأنا أقوده. من أنتم؟". وبالفعل طرد حمزة عبد الله من الحزب بعد مدّة. ولم يقل أحد آنذاك: "لماذا يُطرد حمزة عبد الله من الحزب". وقام بعد أربعة أعوام بطرد واستبعاد إبراهيم أحمد أيضاً. وانقلب ما خططوا له عليهم. ويقول القائد عن هذا: "لقد خرج مثقفون معدومو الإرادة والثقة بالنفس وسلّموا القيادة للطبقة الحاكمة مرةً أخرى".

أسّسوا أيضاً نموذجاً جيداً للطبقة الحاكمة، فقد كانت هذه الطبقة تعمل سابقاً بنظام الزعامة العشائرية وأصبحت بعد ذلك تعمل باسم الحزبية. وتأسست معظم الأحزاب بهذه الثقافة؛ إذ كانت أحزاباً بالاسم فقط وتحكمها العائلة. ويعلم الجميع الآن أنّ عائلة البارزاني هي من تحكم الحزب الديمقراطي الكردستاني في باشور كردستان وتتحكم به. ولكل عائلةٍ في روج آفاي كردستان حزب خاص بها. وانشق حزبا الديمقراطي وكومله على هذا الأساس. كان هذا خطأ سياسة تأسيس الحزب الديمقراطي الكردستاني.

تشهد كردستان بعد أعوام 1946 وإلى الآن تأسيس ثقافة سياسية جديدة مركزها باشور كردستان. ولن نستطيع تجاوز هذه السياسة ما لم نقم ببحثها جيداً. قدّم أهالي باشور والأجزاء الأخرى الكثير من التضحيات خلال الـ(69) عاماً هذه. ولكن لم يتمكن هذا الخط من ضمان حلٍ للقضية الكردية حتى الآن. الأمر الذي أرغب بالتوقف عنده، هو ما هي تلك الثقافة؟

قال القائد أوجلان مرات عديدة "يسود في كردستان خطّان سياسيان- فكريان. هناك خطان". وهذا لا يعني وجود حزبين فقط؛ بل وجود خطّين اثنين. إذ يوجد خطان للنضال. يمثل الخط الأول حزب العمال الكردستاني الذي يناضل وفقه الآن العديد من الأشخاص والأحزاب، فيما تأسس الخط الآخر بتأسيس الحزب الديمقراطي الكردستاني وتسير العديد من الأحزاب وفقاً لهذا الخط الآن. يمكن أن تختلف أسماؤها كأحزاب وأن يكون لها خلافات مع الحزب الديمقراطي الكردستاني؛ إلّا أنها مقرّبة من هذه الثقافة من الناحية السياسية وتسير وفقها. من المهم معرفة ذلك.

إلى حين تأسيس الحزب الديمقراطي الكردستاني، قالت بعض الأحزاب والتجمعات التي تأسست في كردستان بعد عام 1919: "نحن نعمل ونناضل من أجل كردستان". ولهذا يقول القائد: "وضع مشروع الحزب الديمقراطي الكردستاني في القاهرة". وهذا لا يعني أنّه تم تأسيسه في القاهرة ولكن مشروع تأسيسه وضع هناك. وتم في القاهرة مناقشة إلحاق الموصل بالعراق وكيف سيتم العمل على ذلك. كما تمت مناقشة كيفية تقسيم كردستان.

ولكن قالت جميع الأحزاب والتجمعات التي تأسست في كردستان حتى عام 1946: "نحن نعمل من أجل الكردايتية وكردستان". أي أنها كانت تعتبر كردستان كياناً واحداً، وتتناول القضية الكردية كقضية واحدة. وقالت: "نريد أن تكون كردستان واحدة". ولكن على أي أساس تأسّس باشور كردستان؟ قال قادة الحزب الديمقراطي الكردستاني: "لقد تغيّرت المرحلة، تم تأسيس دول في كردستان؛ وينبغي تأسيس الأحزاب وفقاً لكل جزء وأن يناضل كل منهم على حدة. ويتحرك كل جزءٍ منها لصالحه. نستطيع مساعدة بعضنا البعض، ولكن ينبغي ألّا يتدخل أي جزء من هذه الأجزاء بالجزء الآخر". ما الذي أدّى إليه هذا؟ لقد تم قبول تقسيم كردستان.

إلى ذلك الوقت كان قد تم تقسيم كردستان، ولكن هذا التقسيم لم يكن مقبولاً لا سياسياً ولا لدى المجتمع الكردي. لقد تم تطويره بتأسيس الحزب الديمقراطي الكردستاني. ولأن هذا الحزب كان مهيمناً فقد سارت الأحزاب الأخرى المؤسسة أيضاً على هذا النهج. أو بمعنى آخر فقد قبلت تقسيم كردستان فكرياً وقالت: "ذلك صحيح، ينبغي أن نتعامل وفقاً لذلك. فلم نعد نستطيع التحرك كشعبٍ واحد ومجتمعٍ واحد". والأهم أنها لم تتناول القضية الكردية كقضيةٍ واحدة وقالت: "إنّ القضية الكردية ليست قضية واحدة، بل أربعة قضايا". من المهم معرفة ذلك. فإن القضية الكردية في الواقع هي قضيةٌ واحدة. لقد تأسست في معاهدة لوزان وأدرجت في معاهدتي بروكسل وأنقرة. وتأسس النظام العالمي وفقاً لهذا. 

وكما يقول إسماعيل باشيكجي: "كردستان، مستعمرة شبه عالمية، وليست مستعمرة دولية". ولهذا فإن القضية الكردية واحدة وإن لم تُحل ككل فإن فرص حلّها في دولةٍ واحدة معدومة. والأمثلة على ذلك بسيطةٌ للغاية؛ اعترف عبد الكريم قاسم بحقوق الكرد وهويتهم عام 1958. لكنه أصبح ضحية هذا الأمر إذ قاموا بقتله. وقام حزب البعث عام 1970 بالسماح للكرد بالحكم الذاتي، لكن العرب جميعاً وقفوا في وجهه. وقد وقفت بريطانيا وإيران وتركيا ضده. وهذا أثبت عدم قدرة دولة واحدة على اتخاذ القرار بشأن القضية الكردية. إذ أنّها قضية دوليّة. ولكن الثقافة التي أسسها الحزب الديمقراطي الكردستاني قبلت بأنّ القضية الكردية، هي عبارةٌ عن أربعة قضايا.

موضوع آخر، لأنّ الثقافة التي ينتهجها الحزب الديمقراطي الكردستاني ترى القضية الكردية مقسمة فقد قالوا: "إن كنت تناضل ضد دولة في مكان ما؛ فإن تلك الدولة عدوة لك ولكن جميع الدول الأخرى هي صديقة لك، لذا فأنت قادر على إنشاء صداقة مع باقي الدول". أي أنهم يقولون: "لو كنت تحارب ضد تركيا؛ فإنّ العراق وإيران وسوريا هي دول صديقة لك. ولو ناضلت في العراق، فإنّ العراق هي عدوك الوحيد والباقي كلّهم أصدقاء لك". وهذه الأحزاب التي تأسست بناءً على ثقافة الحزب الديمقراطي الكردستاني تتعامل بهذا الشكل.

تقول بعض القوى الآن أمثال المجلس الوطني الكردي في روج آفا: "عارضوا الأسد، ابنوا العلاقات مع من تريدون، فهذه ليست مشكلة". لقد طوّروا تلك الثقافة الناقصة والخاطئة، لا يمكن خوض النضال على هذا الأساس. وقد وجدوا لهذا الأمر فلسفة وقالوا: "عدو عدوك صديقك". وهذه فلسفة خاطئة. لقد انخدعنا بهذا الشكل مرات عديدة. فمن الممكن أن يكون عدو عدوك صديقك أحياناً، ولكن ليس شرطاً أن يكون صديقك على الدوام. تم تطوير هذا الأمر بعد أعوام 1946 أثناء قيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني وأصبحت الآن عبارة عن ثقافة يتعلّمها الأطفال الكرد. ترعرع الكثير من الأطفال الكرد على هذه الثقافة، لذا فإن هذه الثقافة تنتهج منذ 70 عاماً.

الموضوع الآخر الذي طوروه كثقافة، هو أنهم يقولون: "لتتمكن من خوض السياسة، ينبغي أن تدعمك الدول الكبيرة من الخارج، وينبغي أن تكون مستنداً على الخارج". هذا موضوع رئيس، وهم يعملون وفقاً لذلك. قالوا لحزب العمال الكردستاني بداية تأسيسه: "من الذي أسسكم؟". فرد عليه القائد: "لقد تأسسنا بأنفسنا". فقالوا: "لا، أنتم تريدون خداعنا. فلا أحد في كردستان قادر على التأسيس من تلقاء نفسه. أسستكم أطراف أخرى". لذا فإنهم يفكرون وفقاً لهذه الثقافة.

ينبغي أن يطرقوا أبواب بعض السفارات ويطلبوا الإذن منهم، ليقوموا بعمل شيء ما. أي أنهم لا يستندون على شعبهم، بل على الخارج. وعلى هذا الأساس تقوم القوى الخارجية باللعب بهم كيفما تشاء. فعندما يكون لها شأن بها تقول لهم: "ها لكم الطعام والمال، اعملوا بهما". وعندما لا يكون لها شأن بهم فإنها تقطع عنهم الطعام والمال، وهم بهذا يتعرضون للموت. لقد طوّروا بهذا الشكل ثقافة سياسية. وبالفعل يتم انتقاد حزب العمال الكردستاني على هذا، إذ يقولون: "إنّ حزب العمال الكردستاني لا يعرف السياسة. ولهذا فإنه لم يحصل على إذن خارجي".

هذه الثقافة موجودة إلى الآن، لهذه السياسة تأثير في كامل كردستان، إلّا أنّ تأثيرها في باشور وروجهلات أكبر. لاحظوا أنّه خارج الحزب الديمقراطي الكردستاني، فإن جميع الأحزاب في روج آفا قد تمنت وقوع هجوم خارجي على سوريا بأقرب وقت ممكن ليتمكّنوا من العمل في روج آفا. وهذا هو الحال في باكور وروجهلات. قال الحزب الديمقراطي الكردستاني عام 1992 لأحزاب روجهلات وحزب العمال الكردستاني: "تروّوا، فلنساعدكم، فإن تعرّضت تركيا وإيران للهجوم يوماً، فأنتم أيضاً تذهبون إلى هناك للحكم. اعملوا بهذا الشكل"، ولأن أحزاب روجهلات تلك كانت تعمل وفقاً لتلك الثقافة قالوا: "حسناً، فإن حكمتم اليوم بهذا الشكل، فسنحكم نحن أيضاً غداً". فيما قال حزب العمال الكردستاني: "أنا لن أتحرك على هذا الأساس".

ومن ناحيةٍ أخرى لا تتخذ ثقافة الحزب الديمقراطي الكردستاني المرأة والشبيبة والعمال والطبقات المضطهدة أساساً لها، إنها تستغلهم وتستفيد منهم وتجعلهم أداة سياسية. ولكنها لا تستند عليهم ولا تضعهم في المقدمة. وهذه إحدى الخصائص.

كما أنهم لم يطوّروا العمل الأيديولوجي، إذ يسير المجتمع تلقائياً. وتسير تلك المناطق التي تطوّرت فيها تلك الأحزاب المنتهجة لهذه الثقافة خلف المجتمع. إي أنهم ليسوا في المقدمة. وأدت هذه الخاصية إلى عدم انتهاج سياسة جيدة. في السياسة ينبغي أن يكون لك استراتيجية وتكتيك صحيح. كما ينبغي عليك في الوقت نفسه معرفة أصدقائك وأعدائك بشكل استراتيجي وتكتيكي. ينبغي عليك معرفة كيف تتعامل معهم. ولكن هذه السياسة لا تؤدي إلى معرفة الصديق والعدو. لا يريدون حصول ذلك. ليست هناك استراتيجيات وتكتيكات صحيحة، ولهذا تندلع الحروب والتضحيات التي تُقدّم لا تخدم الشعب الكردي.

المصدر: كتاب تاريخ كردستان للشهيد هلمت (ديار غريب).


إقرأ أيضاً