شهدت المدن الرئيسة في شمال وشرق سوريا، على مدار السنوات الأخيرة، تزايدًا في الطلب على المنازل، نتيجة استقطابها أفواجًا من النازحين من الداخل السوري (حلب، وإدلب) ومن المناطق التي احتلتها تركيا (سري كانيه وكري سبي وعفرين)، ما أدى إلى ارتفاع إيجار المنازل، وسط صعوبة في إيجادها، الأمر الذي استغله أصحاب النفوس الضعيفة من المؤجّرين برفع الأجور دون التقيد بأية قوانين.
'مطلب المؤجرين لا يتوافق ودخلنا'
يقول المواطن كسرى وادي، (من أهالي بلدة هيمو التابعة لمدينة قامشلو)، إنه يتجول بين المكاتب العقارية في قامشلو، منذ أكثر من ثمانية أشهر، باحثًا عن منزل بالأجرة يأويه مع أطفاله، إلا أن كل محاولاته لإيجاد منزل يتفق مع دخله الشهري باءت بالفشل، ويضيف بقوله: "أصحاب البيوت يطلبون مني دفع 100 دولار شهريًّا إيجارًا للمنزل، وإمكاناتي المادية لا تسمح لي بدفع مبلغ كهذا".
ويحثّ كسرى وادي المؤجرين على ضرورة مراعاة ظروف غيرهم، والابتعاد عن الاستغلال والاستحكام، ويمضي قائلًا: "بعض الناس ظروفهم عصيبة ولا يستطيعون دفع مبالغ أكثر من طاقتهم".
ويطالب الحج إبراهيم أحمد (من أهالي مدينة كوباني) الجهات المعنية بضرورة وضع حد للمستغلين، ويؤكد: "استغلال المؤجر للمستأجر في ظل هذه الظروف الصعبة دلالة على أن ضميرهم معدوم".
'عقود غير رسمية'
ويقول صاحب إحدى المكاتب العقارية في مدينة قامشلو، كاميران مخصو، إن "الأسباب الكامنة وراء ارتفاع إيجارات البيوت، واستغلال المؤجر للمستأجر تعود إلى العقود غير الرسمية التي تعقد بين صاحب المنزل والمستأجر، دون وجود مكتب عقاري تابع لاتحاد العقارات في الوسط، وعدم التزام الفريقين الأول والثاني، بالسعر المحدد في العقد الموقع".
ويوضح في حديثه لوكالتنا: "في بعض الأحيان يتم العقد بين الفريقين الأول والثاني على سعر محدد وفق ما نصه الاتحاد العقاري، إلا أنه فعليًّا يؤخذ من المستأجر مبلغ أكثر ومغاير للسعر المحدد ضمن العقد".
ويؤكد مخصو أن "حل المشكلة يكمن في تشديد الرقابة على المكاتب التي لا تتبع العقود الرسمية، ومنع استئجار أي منزل دون تشكيل عقد نظامي".
ويبيّن الإداري في اتحاد المكاتب العقارية لمدينة قامشلو، عدنان مسوّر، لوكالتنا، أن الشكاوى التي تردهم من قبل المستأجرين (أي الفريق الثاني ضمن العقد) يتم حلها عن طريق التنسيق بين الاتحاد العقاري والكومينات ومجالس الناحية والمحكمة وقوات الأمن الداخلي، ويضيف: "لا داعي للخوف أثناء تقديم الشكاوى، فنحن في اتحاد العقارات لا نسمح بأن يسلب حق المستأجر بإخراجه من المنزل سواء كان قبل انتهاء مدة العقد أو بعده، ويعطى للمستأجر عند انتهاء مدة العقد مهلة زمنية حتى يجد منزلًا آخر".
ويشير مسور إلى ما يؤثر بشكل سلبي في تنظيم آلية عمل الاتحاد العقاري، وإتاحة المجال للمؤجر باستغلال المستأجرين، فيقول: "وجود بعض المكاتب العقارية التي لا تلتزم بالعقود الصادرة من اتحاد أصناف شمال وشرق سوريا"، ويلفت إلى أن هذه العقود "لا يمكن الوقوف عليها"، ويحث مسور الفريقين الأول والثاني "أن يعتمدوا على عقود تابعة لاتحاد العقارات، لنتمكن نحن بدورنا من الحد من الاستغلال".
وتتبع 80% من المكاتب العقارية لاتحاد المكاتب العقارية في شمال وشرق سوريا.
كما "اتخذ اتحاد الأصناف في شمال وشرق سوريا، قرارًا ينص على توكيل صاحب المكتب العقاري بإتمام كافة إجراءات العقد بنفسه دون تفويض المستأجر، بهدف تنظيم العمل على أكمل وجه" على ما يفيد مسور، الذي يدعو في حديثه الأهالي إلى "ضرورة التعاون، وتقديم شكاويهم في حال تعرضوا لأي ظلم من قبل صاحب المنزل، لنتمكن من حلها".
'اقتراحات تحدّ من الاستغلال'
ويعزي الإداري في اتحاد الأصناف في شمال وشرق سوريا، دوران عنز، في حديث لوكالتنا، "السبب الرئيس لارتفاع إيجار المنازل ورهنها وحتى بيعها وشرائها، يعود إلى موجات النزوح الواسعة من المناطق التي احتلتها تركيا ومرتزقتها، إلى المناطق والمدن الأكثر أمانًا، الأمر الذي ولّد أزمة سكن وزيادة طلب على منازل الأجرة، يضاف إليه جشع بعض المؤجرين".
ويؤكد عنز أنهم "اقترحوا بعض القوانين استنادًا إلى تقرير لجنة الأمر الإداري رقم/56/ القاضي بتشكيل لجنة مهمتها إيجاد ضوابط للإيجارات، تتناسب مع دخل الفرد والواقع المعاش، للحد من الاستغلال".
واتحاد الأصناف: مؤسسة تعنى بتنظيم عمل السوق، وكافة الأعمال المتعلقة بالتجارة الداخلية، من محال تجارية ومكاتب عقارية، وتنص الاقتراحات التي توصلت إليها لجنة اتحاد الأصناف على منع مالك العقار إيجار عقاره من تلقاء نفسه، ومالك العقار ملزم بتسجيل العقار ضمن المكاتب العقارية، ليقوم المكتب العقاري الموكل بدوره بتنظيم عقد الإيجار والاستئجار بشرط موافقة المؤجر، ويشترط أن يكون العقد وفق النموذج المعتمد لدى اتحاد المكاتب العقارية، وتصديقها لدى الجهات المعنية، وعلى ألا تتجاوز مدة العقد سنة واحدة، وأن تتولى الكومينات مهمة تسجيل كافة المعلومات عن العقار المؤجر، وتحديثها كلما طرأ عليها تغيير إلى جانب مراقبة عملية التأجير.
ويبيّن عنز أن العقود الصادرة منذ شهر آب/ أغسطس عام 2020، يتم التوقيع عليها من قبل جهات عديدة منها البلدية والكومينات ومكتب الشؤون العقاري التابع لقوى الأمن الداخلي، بهدف التأكد من الإجراءات الأمنية قبل تأجير العقار، وأنه العقد الوحيد المعتمد عليه دون غيره، يقول: "هذه العقود مفعلة في كافة مناطق شمال وشرق سوريا، وكل المكاتب العقارية التابعة لاتحاد العقارات ملزمة بالتقيد به، وستفعّل هذه العقود في الأيام القادمة في كافة المكاتب العقارية ضمن شمال وشرق سوريا".
وتتضمن الاقتراحات أيضًا تحديد مبالغ معينة للإيجار الشهري للمنازل، مع الأخذ بعين الاعتبار مواصفات المنزل المعروض للإيجار، فالتجهيز بالمواصفات العادية يشترط أن يراوح مقدار الإيجار الشهري بين 25 ألفًا إلى 50 ألف ل.س، والتجهيز بمواصفات متوسطة يجب أن يراوح مقداره بين 50 ألفًا إلى 75 ألف ل.س، والتجهيز بمواصفات ممتازة يراوح مقداره بين 75 ألفًا إلى 100 ألف ل.س، أما مواصفات السوبر ديلوكس فيشترط أن يراوح المبلغ بين 125 ألفًا إلى 150 ألف ل.س.
ويشدد عنز على أن الإجراءات التي اقترحوها ستعود بالنفع على الأهالي والمكاتب العقارية، من ناحية تنظيم عمل المكاتب العقارية والحد من الاستغلال، للحفاظ على حقوق المستأجر والمؤجر.
ويخلص في حديثه إلى أنه "في حال ورود أي شكوى من قبل المستأجر، عند تعرضه لأي استغلال من قبل صاحب المنزل فسيتم معاقبة المؤجر بغرامة مالية، ضعف التي طلبها من المستأجر، وفي حال كرر المؤجر المخالفة يتم سجنه، وهي أحد البنود التي اقترحها اتحاد الأصناف".
ويختتم الإداري في اتحاد الأصناف لشمال وشرق سوريا دوران عنز، قائلًا: "سنحاول قدر الإمكان حل مشكلة الارتفاع المستمر للإيجار، وندعو الملاكين إلى التعاون معنا والابتعاد عن الاستغلال في ظل الظروف الصعبة التي يعاني منها أبناء شمال وشرق سوريا، وبشكل خاص النازحون".
(س ر)
ANHA