ضجيج أردوغان يختفي تجاه ما يحدث في الأراضي الفلسطينية

تشهد مواقع التواصل الافتراضي حالة من الغضب حيال مواقف رئيس دولة الاحتلال التركي حيال الحرب بين إسرائيل وحماس.

ضجيج أردوغان يختفي تجاه ما يحدث في الأراضي الفلسطينية
25 تشرين الأول 2023   03:32
القاهرة
محسن المصري

مواقف أردوغان هذه التي يصفها أنصاره بالمتخاذلة قوبلت بترحاب شديد من الجانب الإسرائيلي الذي عبّر إعلامه ومتحدثيه عن رضاهم لتحوّل مواقف أردوغان إلى العالم الافتراضي والاكتفاء بالشجب والإدانة عبر تغريدة على منصات التواصل الافتراضي.

وكان الصحفي الإسرائيلي إيدي كوهين قد شارك تغريدة للرئيس التركي يتحدث فيها عن أحداث غزة، معلقاً عليها بقوله "أرتاح عندما أرى تغريدات كهذه، تغريدات فقط وليس أفعال".

وعلى مدار سنوات حكمه اعتاد أردوغان أن يحدث ضجيجاً قوياً تجاه أي عمليات عسكرية تشنها إسرائيل على قطاع غزة باعتباره حليفاً لحركة حماس الفلسطينية المحسوبة على جماعة الإخوان المسلمين.

ومنذ اللقاء الذي جمع بينه وبين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، تحوّل خطاب أردوغان تجاه إسرائيل وسياساتها في المنطقة.

وترتبط تركيا وإسرائيل بعلاقات سياسية واقتصادية كبيرة، حيث كانت تركيا أول دولة إسلامية تعترف بإسرائيل عام 1949 وعلى الرغم من الخلافات السياسية بين الطرفين خلال فترة حكم أردوغان بداية 2003 ظلت العلاقات التجارية والدبلوماسية والعسكرية متينة بين الدولتين.

واعتبر الرئيس التركي في تصريحات الأحد 22 تشرين الأول أن "الفلسطينيين والإسرائيليين معاً والمنطقة برمتها يدفعون فاتورة كل تأخير لتأسيس العدالة، كما عرض أردوغان مقترح أن تتولى تركيا جهود وساطة لوقف إطلاق النار، وهو ما تجاهلته إسرائيل كلياً، وحسب خبراء، فإن براغماتية أردوغان هي التي دفعته في وقت سابق لتبنّي مواقف داعمة لحماس وهي أيضاً التي أجبرته على التخلي عنها اليوم.

شخصية براغماتية

الباحث في الشؤون الإقليمية والدولية هاني الجمل يرى أن "أردوغان شخصية برغماتية تستطيع أن تحقق مكاسب على كافة الصعد مستغلة الظروف التي تنشئ من أي حراك سياسي يستطيع من خلاله إبراز شخصيته".

وقال لوكالتنا: "على الرغم من تصريحات أردوغان العنيفة والمتكررة بشكل مباشر ضد إسرائيل إلا أنه جرت مؤخراً مباحثات بين أنقرة وتل أبيب، خاصة في ظل تنامي التبادل التجاري بين البلدين وارتفاع الصادرات التركية إلى إسرائيل في السنوات الأخيرة وهذا ما ظهر بوضوح من مشهد توافد السلع الاستراتيجية التي قدمتها تركيا لإسرائيل خلال هجومها على قطاع غزة والتي تقدر بنحو 4500 طن من الخضار والفواكه لسد حاجة إسرائيل بسبب الأضرار التي لحقت بالعديد من المناطق الزراعية في الوقت الذى تمنع فيه إسرائيل دخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع بل واستهداف المدنيين من الأطفال والنساء".

وحسب الباحث "تبذل أنقرة جهداً كبيراً لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل ولكن جاء هذا "التصعيد والتوتر في القدس الشرقية في الوقت السيئ بالنسبة لتركيا فالحكومة التركية كانت ترمي إلى لعب دور وساطة بين إسرائيل والفلسطينيين وهو ما طرحته في خطابها أمام اجتماع وزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي الأخير".

وأشار إلى أن "أردوغان تقمّص دور الوسيط بين أطراف النزاع من خلال طرح صيغة على طرفين بشقين مختلفين الأول يتألف من دول تكون ضامنة للجانب الفلسطيني في المنطقة من بينها تركيا والآخر تمثله دول ضامنة لإسرائيل".

مضيفاً "أردوغان بدأ مباحثات مع حركة حماس للإفراج عن رهائن إسرائيليين احتجزتهم خلال عمليتها المباغتة فمنذ هجوم حماس استخدمت وزارة الخارجية التركية لهجة محايدة بينما لم توجه أصابع الاتهام إلى إسرائيل حتى لا يفقد حليفه الاستراتيجي في المنطقة والذي يساهم بقدر كبير في دعم تركيا في مهاجمة الكرد والدولة السورية".

تواطؤ إسرائيلي - تركي ضد الكرد

وأكد الجمل أن هجمات دولة الاحتلال التركي على جنوب كردستان وشمال وشرق سوريا، هي بدراية إسرائيلية، وبتنسيق مسبق "بمعرفة إسرائيل والتنسيق معها من أجل خدمة مصالحهم المشتركة في هذه الأزمة والعمل على إطالة زمن المشكلة والمضي قدماً من أجل احتلال الأراضي السورية كما فعلت إسرائيل في الجولان وهنا نجد أن أردوغان قد خفّض صوته أمام حرب الإبادة التي تشنها ضد الفلسطينيين واكتفى كعادته بالتغريد عبر المنصات الإلكترونية دون الانخراط الفعلي للتدخّل لدى إسرائيل من أجل حقن دماء الأبرياء من الفلسطينيين".

معتبراً أن "هذا ليس غريباً على شخصية أردوغان والذي قامت قواته بهجمات عنيفة استهدفت 200 موقعاً ومنشأة في شمال وشرق سوريا تسببت في إخراج منشآت النفط والغاز والكهرباء والمرافق الحيوية عن الخدمة وخلقت وضعاً كارثياً حيال حياة 5 مليون نسمة من السكان في هذه المنطقة فضلاً عن استخدام الفوسفور الأبيض في مهاجمة مواقع حزب العمال الكردستاني والعديد من المدن الكردية في عفرين والحسكة وغيرها من المناطق المأهولة بالسيدات والأطفال".

استغلال الأزمة

من جانبه، يرى الباحث في شؤون الشرق الأوسط الدكتور طه علي أن "الرئيس التركي يعتبر ما يحدث في غزة فرصة كبيرة لتحقيق عدداً من المكاسب السياسية".

وقال لوكالتنا "كثافة الانشغال الدولي والتركيز العالمي على ما يحدث في غزة يصرف الأنظار بعيداً عما يقوم به الاحتلال التركي في الشمال السوري ويستغل أردوغان ذلك لتحقيق أهدافه وتنفيذ جرائمه في سوريا".

وأشار إلى أن "الحرب في غزة تمثل ورقة سياسية لتركيا من أجل لعب دور إقليمي أكبر في قضية محورية من قضايا العالم، خاصة بعد تراجع الدور التركي في القضية الفلسطينية بعد تقاربها مع إسرائيل".

ولفت إلى أن "أردوغان في السنوات الأخيرة تجاهل دعمه المزعوم للقضية الفلسطينية لصالح تسريع وتيرة التطبيع والتقارب مع إسرائيل خاصة أن تاريخ العلاقات التركية الإسرائيلية يمتد لبنية الدولة الحديثة حيث كانت تركيا أول الدول الإسلامية التي اعترفت بإسرائيل عام 1949".

ورقة سياسية

ويعتقد الباحث المصري أن "الحرب يمكن أن تكون ورقة يستغلها أردوغان لرفع مستوى علاقاته مع إسرائيل بشكل عام"، لافتاً في الوقت نفسه إلى أن "أردوغان قد يضطر لتبنّي مواقف إنسانية وليست سياسية تجاه ما يحدث في غزة بسبب المشاعر المتنامية بين الأتراك كمسلمين تجاه ما يحدث في الأراضي الفلسطينية، وتقاعس أردوغان في الانخراط نحو دعم غزة قد يؤثر عليه داخلياً ومن ثم سيقوم أردوغان باستغلال الحرب من الناحية الإنسانية لحشد التأييد الداخلي، ولكنه لن ينخرط في دعم حركة حماس لأن هذا قد يثير حفيظة الغرب".

وختم الباحث في الشرق الأوسط حديثه بالتأكيد على أن "تركيا لا يتوقع منها أن تسلك نهجاً مخالفاً للسياسة الإسرائيلية في المنطقة خاصة بعد التقارب الأخير بين تل أبيب وأنقرة، وأردوغان المعروف بالبراغماتية السياسية لن يضحي بهذا التقدم في العلاقات مع إسرائيل من أجل حماس التي كان يدعمها في وقت سابق لحسابات ومصالح سياسية ويتركها الآن لنفس السبب".

(ي ح)

ANHA