يؤكد البروفيسور الدكتور تيسير عبد الجبار الآلوسي أمين عام التجمع العربي لنصرة القضية الكردية، أنّ واقع الصراع اليوم في المنطقة بات واضحاً بوجود قيادة تركية تتوهم إمكان اجترار أو إحياء العثمانية بوساطة الأذرع (الأخوانية) و الطورانية ونهج إقصاء من تستطيع مصادرته، كما فعلت تلك القوى بلعبة (الانقلاب) التي جعلتها منصة لمصادرة الحقوق والحريات داخلياً والإيغال بعدوانها وبجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ترتكبها.
تصريحات تيسير عبد الجبار الآلوسي جاءت خلال حوار مع وكالتنا حول أهمية التحالف الكردي- العربي، وقال إنّ أكثر الأمور المطلوبة لتطوير الوحدة هي اعتماد منطق احترام التعددية والتنوع ومبادئ المساواة والعدالة ما يمكّن جميع الأطراف من تجاوز بعض العثرات والاختلافات بشأن التفاصيل، وتغليب الاستراتيجي في معطيات التحالف أمام مقتضيات الراهن من واقع الأمور وتحدياتها.
وفيما يلي نص الحوار:
- كيف تقيّمون التحالف العربي- الكردي في شمال وشرق سوريا الذي أسس عقب اندلاع شرار الثورة في سوريا، والذي تكلل بتشكيل الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية التي حررت جغرافية المنطقة من داعش؟
أرحب بوكالة هاوار المتخصصة، آملاً لكم كل التوفيق في إدارة خطاب إعلامي يؤكد التمسك بوحدة الكرد وبتحالفهم الاستراتيجي مع العرب بما يفعِّل مبدأ التعايش السلمي بين مجموع الشعوب بتنوعات الانتماء القومي والوجود الإنساني.. ثقتي وطيدة بأن الخطاب الموضوعي هو الأصل في كل خطوة ناجحة باتجاه الانعتاق والتحرر وتلبية الحقوق وتمكين السلام وحركة التنمية والتقدم بديلاً لما تحاول فرضه قوى الحرب والخراب.
بالعودة إلى السؤال
للوهلة الأولى سترتسم أمام الأنظار كثير من تلك التعقيدات التي جابهت المشروعات التي تتخذ المسار التنفيذي ومن ثم لا يستطيع المرء الراصد للموقف العام أن يسجل تقييماً حقيقياً مناسباً، بينما الواقع يؤكد أن التحالف العربي الكردي قد تجذّر لا عبر وقائع اليوم العادي راهناً بل وبالعمق التاريخي والجغرافي اللذان تعايش فيهما الشعبان.
لقد جسدت ولادة الإدارة الذاتية ومعها توالي ولادات لتحالفات عديدة بين الامتدادين القوميين العربي- الكردي ما يؤكد استراتيجية التحالف وثباته وما يعزز المسار المتنامي على الأرض لتشكيلات قوات عربية كردية استطاعت بوضوح التصدي لعبث الإنكشارية العثمانية الجديدة ووحشية تدخلاتها وعدوانها.. وبهذا تعمّدت العلاقات وأساس تحالفها بالدم الذي تحدى منظومات الهمجية العدوانية لقوات أردوغان وأوهامها.
ومع تجدد الحراك في المنطقة باتت ولادات أشكال تشكيلات للتحالف العربي الكردي بجانب قوات سوريا الديمقراطية، كما بالتحالف العربي السوري وحصراً بالقوى العلمانية الديمقراطية، وبمدها العلاقة باتجاه قوى دولية استثماراً لوجودها بالاتجاه الصائب الصحيح؛ أقول باتت أعمق تجسيداً للتحالف الاستراتيجي وأقوى دربة وفعلاً في الطريق لتحقيق الانعتاق والتحرر.
إنني أقيّم عالياً روعة التحالف العربي الكردي، وما يتجسد فيه من تشكيلات ذات نهج قادر على الانتصار للسلام والتنمية والتقدم بما يحمي كل القوى الموجودة على أساس المساواة والتحرر ومنظومة احترام التنوع والتعددية بأسس إنسانية الاشتغال والفعل.. وهي بهذا تستطيع الدفاع عن انتصار التحالف ضد كل اشكال الإرهاب والتعرض لأبناء المنطقة وحماية التعايش السلمي وتمكينه من بناء الحياة والتقدم بها.
- كيف يمكن حماية التحالف العربي- الكردي في مناطق شمال وشرق سوريا، والذي يعد خميرة لإنشاء تحالف استراتيجي في عموم سوريا؟
إنّ ولادة تشكيلات العمل التي تجسد هذا التحالف لا تفي بمهمة حمايته وتطويره وتعزيزه، ولكن فتح الحوارات المعمقة والتمسك بكونها المسار الطبيعي الوحيد لحل ما قد يُختلق من عثرات بوجه التحالف سيكون أول وسائل حمايته، وطبعاً مزيد التوعية بمعطيات التجارب التاريخية، وكيف كان التفكك سبيلاً للطعن بكلا الشعبين والأمتين وكيف جاء الرد قوياً مكيناً عندما كان العمل المشترك جوهراً فعلياً للانتصار، إن تلك الخطابات ودرجة التمسك بها هي عامل جوهري ليس لتعايش عابر بل لتعميد التحالف وجعله أكثر مكنة وقوة في مجابهة كل ما يعترض المسيرة.
كما أن مزيد التشارك بالعمل الميداني وبتقرير مساراته بعد الإغناء المتأتي من الاعتراف بالآخر واحترام التعددية والتنوع هو سبيل وطيد لإعلاء فرص التحالف وتعميده. وتلكم من القضايا التي تحتفظ برائع المنجزات، لكن أيضاً سيكون الاستفادة من دعم القوى الدولية بهذا الميدان فرصة أخرى للمساعدة على تحقيق حماية حقيقية بعيدة المدى، بخاصة تلك التي تستثمر وسائل كشف اللعبة العبثية للحروب الأردوغانية الأخوانية التي لا تقف عند شعوب المنطقة بل تمتد بآثارها إلى تهديد السلم والأمن الدوليين، ما يؤكد أهمية استثمار العلاقات المحيطة بدعم التحالف وحمايته من الاختراق وتعريضه للهزات.
- ما المطلوب من القوى السياسية الكردية والعربية من أجل تطوير الوحدة بين الكرد والعرب في كل من العراق وسوريا؟
إنّ أكثر الأمور المطلوبة لتطوير الوحدة هي اعتماد منطق احترام التعددية والتنوع ومبادئ المساواة والعدالة مما يمكّن جميع الأطراف من تجاوز بعض عثرات واختلافات بشأن التفاصيل، وتغليب الاستراتيجي في معطيات التحالف أمام مقتضيات الراهن من واقع الأمور وتحدياتها.
إننا بحاجة لشد أزر بعضنا البعض لا للتسابق بشأن هذه المفردة أو تلك وبحاجة لترك منطق الغنائم الذي يعمل به أعداء الشعبين والأمتين، والتيقّن من أن ما ينتصر به أي طرف هو انتصار للآخر وبخاصة مع عمق الوعي الإنساني والاشتراك بالوحدة الإنسانية القائمة على التعايش السلمي وإدراك تجارب التاريخ الممتد لآلاف السنوات والأعوام.
لابد هنا وحصراً في كل من العراق وسوريا من تذكر وحدة كردستان وعمقها القومي بالوجود التاريخي الكردي المعمد بنضالات بهية جسورة، وبامتداد تلك الوحدة إلى عمق إنساني أبعد بالانفتاح على الإقليم العربي وبالتأكيد بالتعددية القومية الأثنية والدينية وبالمحصلة بمخرجات التحالف بوصفها قوة لجميع الأطراف.
ولابد هنا من النظر عملياً فعلياً إلى أن جميع الصيغ ومنظومة البنى الرسمية للسلطات هي ممرات لتعميد الوحدة لا تفكيكها وهي بتعميدها البُعد الديمقراطي تدعم الوحدة كما ببناء الفيدراليات والكونفيدراليات، في إشارة أؤكد أهميتها وخطورتها وضرورة فتح الصدور والتفهم من جميع الأطراف لمثل هذا الخيار سبيلاً لتقوية الوحدة وتعميدها.
وسيكون بهذا الشأن أول وسائل الوصول للنموذج ينطلق من وجود التشكيلات السياسية والعسكرية للحركة النضالية المشتركة اليوم دعماً لثقافة التحالف ومنطقه ونهجه.
لدي الثقة التامة بانتصار هذا التوجه وتقدمه واكتسابه القوة بوعي الجماهير نفسها والتفافها حول المشروعات العاملة اليوم.
أما رسمياً فإن حل كثير من القضايا بصورة مشتركة مثل قضايا الحصص المائية بين البلدين والإقليم الكردستاني بامتداداته فيهما والتعاون التجاري والاقتصادي كما بموضوع الزراعة والطاقة فضلاً عن مشروعات كثيرة أخرى، أما كل هذه الشؤون الرسمية فإنها ليست متأتية من فراغ، بل لها امتداد وعمق تاريخي في العلاقات يحفظها التاريخ ويدركها المعنيون ممن لن يستمر إهمال بعضهم للتجارب والاستفادة منها ولن تقف العثرات وما يُختلق بوجه نهج موضوعي بالضرورة والحتم.
- صرح الرئيس المشترك لمنظومة المجتمع الكردستاني لصحيفة النهار أن التحالف العربي الكردي كفيل بإيقاف أحلام العثمانية الجديدة للدولة التركية، كيف تقيّمون هذا التصريح، وكيف يمكن إنشاء هذا التحالف؟
إنّ واقع الصراع اليوم، بات واضحاً بوجود قيادة تركية تتوهم إمكان اجترار أو إحياء العثمانية بوساطة الأذرع (الأخوانية) والطورانية ونهج إقصاء من تستطيع مصادرته كما فعلت تلك القوى بلعبة (الانقلاب) التي جعلتها منصة لمصادرة الحقوق والحريات داخلياً والإيغال بعدوانها وبجرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية التي ترتكبها.
من هنا وجد كل من العرب والكرد نفسيهما لا أمام مجرد تهديد وحالات ابتزاز بل أمام جرائم عدوان وانتهاك للسيادة ولحق العيش بأمن وسلام ما يجدد دافع التحالف الاستراتيجي معززاً أساس وجوده.
كيف يمكن تعزيز ولادة التحالف الموجود أصلاً؟ يتمثل بالمؤتمر القومي الكردي أولاً وتعزيز وحدة القوى الكردستانية ودراسة سبل تلبية كونفيديرالية شعبية تنفتح بمؤتمر شعوب الشرق الأوسط بتعدديتها وتنوعها لتشيد هيكلاً مؤسسياً للتحالف العربي الكردي، سواء بمستوياته السياسية وبعضها موجود ومتاح أم الميدانية المتعاملة مع مسارات البناء والتنمية والدفاع عن الوجود والاستقلال والسيادة، ما تمثل بعض تشكيلاته الموجودة نموذجاً أولياً لتطويره وتفعيله أكثر.
عند ذاك سيكون هذا الهيكل المؤسسي للتحالف جوهرة صد العدوان وتأمين السيادة وانتصار الحريات وحق تقرير المصير بعيداً عن أوهام القيادة التركية ونهجها، وما تبيّت له في الخفاء حتى وصول حاجز 2023 المعروف المقاصد!
في الختام أشكر لكم تسليط المزيد من الأضواء على هذه القضية وتعزيز صوت النداء لانعقاد المؤتمرات القومية والإنسانية التعددية لشعوب المنطقة بما يحقق التعايش وتشكيلات التحالف الاستراتيجي المنشود.
إنني شخصياً ومعي زميلاتي وزملائي في التجمع العربي لنصرة القضية الكردية على سبيل المثال بوصفه منظمة إقليمية كبرى لنحمل مشروعات عقد تلك المؤتمرات بوصفها أداة شجاعة للمناضلات والمناضلين من شعوبنا وأمّتينا في طريق الحرية والانتصار".
(الدكتور تيسير عبد الجبار الآلوسي أستاذ الأدب الحديث والنقد الأدبي والباحث الأكاديمي في العلوم السياسية في جامعة ابن رشد في هولندا، حاصل على دكتوراه فلسفة في الأدب العربي كلية الآداب - جامعة بغداد 1992. التخصص الدقيق الأدب العربي الحديث - أدب مسرحي. ويشغل الآن منصب أمين عام التجمع العربي لنصرة القضية الكردية).
(م)
ANHA