أوضح البروفيسور الدكتور تيسير عبد الجبار الآلوسي، أمين عام التجمع العربي لنصرة القضية الكردية، أن القانون الدولي حازم وحاسم في تعريف الأسلحة وتحريمها وحظرها كلياً ونهائياً، ولكن المشكلة ليست في القانون الدولي ومعاهداته المعروفة، إنما فيما يحكم العلاقات الدولية وتنفيذ بنود الاتفاقات والعهود والقوانين الدولية، وما يقيّد هذا التوجّه من اشتراطات (سياسية) نفعية قصيرة النظر!!
البروفيسور الدكتور تيسير عبد الجبار الآلوسي أوضح أن أردوغان الذي يتصرف وكأنه سلطان عثماني من زمن تلك الدولة التي تعفنت واندثرت، هو أعتى أعداء الفلسفة الأوروبية، سواء بمعاداته للديموقراطية أو بقمعه للحقوق والحريات، أو بجرائمه بحق الكرد في أرضهم التي يلحقها بتركيا بالإكراه.
تصريحات الدكتور تيسير عبد الجبار الآلوسي جاءت خلال حوار مع وكالتنا، حيث شدد على ضرورة إنشاء تحالف عربي- كردي، وتوجه بنداء إلى قوى التحرر العربي- الكردي، وإلى قادة الجامعة العربية والمؤسسات الإقليمية الشرق أوسطية ودعاهم للارتقاء إلى مستوى المسؤولية والنظر عميقاً في الموضوع ليس بمنظار التكتيكات والمصالح الآنية ومجاملات السياسة إقليمياً دولياً، بل بمنطق استراتيجي يقرأ الوقائع كما هي، بمخاطرها وتهديداتها، فيرسم ما أكدته مسيرة آلاف السنين من معاني التحالف الاستراتيجي عربياً كردياً.
وفيما يلي نص الحوار:
*منذ بداية القرن العشرين والكرد يتعرضون للقتل على يد الأنظمة التركية المتعاقبة، وسط صمت إقليمي ودولي، وبالمقابل يخوض الكرد نضالاً مريراً من أجل نيل حقوقهم التي تحفظها الشرائع وقوانين حقوق الإنسان. كيف تقيّمون نضال الكرد؟
من بين أبرز نضالات الشعوب من أجل الحرية والانعتاق، ومن أجل الدولة التي تحتضن وجودهم، كان نضال الكرد بكل شعوبهم وأقسام وجود الأمة، وبهذه الخلفية تحديداً جاءت وعود المؤتمرات والاتفاقات الدولية بشأن الاستجابة للمطلب الذي سرعان ما تبخر باتفاقات اللاحقة، مطلع القرن المنصرم، لحساب لعبة سياسية دولية وتضاغطاتها المعروفة!
لكن النضال القومي التحرري للكرد لم يربط حراكه الإنساني السامي بأي مواقف إقليمية أو دولية كانت لمجرد المناورة أو التخدير، وإنما بقي بطولياً في التمسك بحق تقرير المصير من جهة، وبمجمل الحقوق والحريات التي دعته للثورة على من استلب سلطته المستقلة.
من هنا، فإن وعي الكرد في تركيا وغيرها، بلغ من النضج ما استطاع أن يسجل عنوانات ثوراته بالخط العريض، ويحفر اسمه وجودياً في أرضه ما لم تستطع إفناءه كل حملات (الإبادة) الجماعية التي تعرض لها، وبرهن على الثبات والتحدي حتى يومنا، حيث سجل العالم للكرد، ليس فقط تضحياتهم البطولية في طريق الحرية، بل وحلقات مسيرة التشبث والتمسك بقيم الهوية التي تمتد في عمق التاريخ البشري.
إن حركة التحرر القومي الكردية تظل واحدة من أكثر حركات التحرر في عصرنا وضوحاً، في شخصيتها وفي مسيرة نضالها القائمة على تلبية المطالب الاستراتيجية الثابتة.
إن نجاح هذا النضال وتتويجه مستند إلى ضرورة الوحدة في المؤتمر القومي الكردي، وفي جبهة كفاحية واضحة البرامج لا تنزلق إلى أي محاولة من أعداء الكرد؛ لتمزيق قوته النضالية المكينة المتينة.. فالأعداء يستهدفون جميع فصائل الكفاح التحرري الكردي، وإن أبدت تلك القوى الخبيثة تقربها من فصيل. فذلك لشق الصفوف وتسهيل محاولات الإبادة المفضوحة.
ونحن أنصار القضية الكردية العادلة متأكدون من انتصار القضية وحماتها وحاملي مشاعل التحرر فيها.
* استخدمت دولة الاحتلال التركي الأسلحة المحرمة دولياً والكيماوية ضد الكرد في كل من عفرين وتل أبيض وسري كانيه/رأس العين، والآن تستخدمها ضد مقاتلي قوات الدفاع الشعبي في جنوب كردستان، إلا أن المجتمع والمنظمات المعنية تلتزم الصمت، برأيكم لماذا هذا الصمت؟
إن القانون الدولي حازم وحاسم في تعريف تلك الأسلحة وتحريمها وحظرها كلياً ونهائياً، ولكن المشكلة ليست في القانون الدولي ومعاهداته المعروفة، إنما فيما يحكم العلاقات الدولية وتنفيذ بنود الاتفاقات والعهود والقوانين الدولية، وما يقيّد هذا التوجه من اشتراطات (سياسية) نفعية قصيرة النظر!!
ولابد هنا من الإشارة إلى حقيقة ما حاولت جهات دولية فرضه في خلفية محاولتها احتواء (النظام) التركي، وعلى رأسه (أردوغان)، الذي يتصرف وكأنه سلطان عثماني من زمن تلك الدولة التي تعفنت واندثرت، ويتطلع لاستعادتها على حساب حرية الأمم والشعوب.. بينما نرى صمتاً وسلبية تجاهه من أكثر من طرف دولي، متوهمين أنهم سيجذبونه لفلسفة (أوروبية)، وهو أعتى أعداء تلك الفلسفة، سواء بمعاداته للديموقراطية أو بقمعه للحقوق والحريات، أو بجرائمه بحق الكرد في أرضهم التي يلحقها بتركيا بالإكراه، وبتجاهل هوية ممثلي كردستان بكل معاني الإقصاء والإلغاء والقمع بما يصل إلى حجم جرائم الإبادة.
من هنا، على المجتمع الدولي وحامي الأمن والسلم الدوليين حصراً، مجلس الأمن والتشكيلات القانونية الملحقة من قبيل المحكمة الجنائية، الانتباه إلى خطر ولادة فاشية جديدة لن تقف عند حدود قمع الكرد ونضالاتهم باستخدامها تلك الأسلحة المحرمة المحظورة، بل وتهدد العالم؛ لأن من يصل إلى هذه المستويات الإجرامية لن يردعه كما هي التجارب البشرية سوى موقف أممي دولي حازم تحديداً تجاه الأسلحة التي حظرها القانون الدولي، لمعانيها في الإبادة وفي طعنها أمن المدنيين وسلامة وجودهم!
*طالبت منظومة المجتمع الكردستاني عدة مرات بضرورة إرسال لجنة لتقصي الحقائق والتحقيق حول استخدام تركيا للأسلحة الكيماوية، إلا أن المنظمات المعنية لم تحرك ساكناً حتى الآن، ألا يجعل منها هذا التخاذل شريكة في الجرائم التي ترتكبها تركيا؟
إن المسؤولية الدولية تتطلب وقف السلبية التي تغامر بمصير السلم والأمن، مثلما تقتضي سرعة التفاعل بإرسال لجان تحقيق أممية مسؤولة وعلى مستوى عالً يمكنه أن يفضح ما يجري، وهي قضية جلية لا تحتاج كثير عناء، بينما سيبقى غض الطرف أمر يشكل بؤرة خطر تهدد عالمنا وجودياً.
وقانونياً، أي تلكؤ في هذا هو مشاركة في الجريمة، سواء منها بآثارها المباشرة وجغرافياً وقوعها وارتكابها أم بمعانيها تجاه الوجود البشري ومستقبل السلام الذي يكفله القانون.
من هنا، ما عاد متاحاً التلاعب السياسي ومحاولات التعمية وتجاوز ما يُرتكب بأي خلفية، بخاصة مع تعقيد تركيبة الصراع بين نظام أردوغان الذي يقترب من ساعة صفر دولية لإعلان سلطنته مجدداً وطبعاً فلسفته الإخوانية الفاشية بهويتها، ومن ثم التي تتقصد استهداف العالم بحروب إبادة ودمار كلي! فهل يُعقل أن يستمر غض الطرف مناورة مع مثل هذا النظام!؟ أم يلزم المسارعة لاتخاذ القرار بخاصة مع دلالات استخدام الأسلحة المحظورة فعلياً!!؟
إن إيجاد وسائل إيصال الصوت إلى الجهات الدولية بات مسؤولية أخرى في النضال التحرري بتركيا، تبدأ بمطالب إلغاء توصيف (الإرهابي) للنضال التحرري ولا تقف عند تخوم إعادة تشخيص من هو الإرهابي في ضوء ما يُرتكب فعلياً من جرائم أشنع من إرهابية، أي جرائم الإبادة الجماعية الجينوسايد!!
*تستخدم تركيا الأسلحة الكيماوية ضد الكرد من جهة، وتهاجم أراضيهم وتحتلها وتهجرهم وتغيّر ديموغرافية مناطقهم من جهة، وتزج بالسياسيين الكرد في تركيا في المعتقلات، وتفرض الوصاية على البلديات التي فازوا بها في الانتخابات من جهة أخرى. ألا يعتبر هذا إرهاباً، هل الإرهاب يقتصر على داعش وجبهة النصرة فقط، أليس ما تفعله تركيا إرهاب دولة؟
بالضبط، كما ورد هنا في مضمون التساؤل الذي يفضح ما يُرتكب من جرائم وهي مفتوحة مشروع البوابات بين جرائم ضد الإنسانية بما فيها التقتيل والاغتيال وأو مصادرة الحقوق السياسية وإحداث التغيير الديموغرافي جهاراً نهاراً، وهو ما وثّقته شعوب المنطقة ونقلته بأكثر من واقعة إلى الجهات المعنية، ما يتطلب إصراراً ومتابعة حتى تستجيب تلك الجهات لصوت الشعب الكردي وشاركه نضاله من أجل إزاحة كلكل ظلام الأردوغانية وتوجهاتها التي تسجل (إرهاب دولة) بامتياز كما يشخصه القانون الإنساني الدولي وكل العهود والاتفاقات الدولية المعنية.. بما يتطلب موقفا قانونيا أمميا يلجم الوحشية لتلك الجرائم الإرهابية للدولة ومن يتحكم بها بالمخالفة مع كل الشرائع والقوانين المرعية.
*الكرد يناضلون من أجل نيل حقوقهم المشروعة وتركيا تدعم جبهة النصرة وداعش وغيرها من التنظيمات الإرهابية. أيهما يجب أن يوضع على لائحة الإرهاب تركيا أم حزب العمال الكردستاني؟
تلك هي مهزلة مواقف (بعض) القوى في غضها الطرف عما تفعله سلطات أردوغان الذي تحكمه قوانين الجنائية الدولية وتشخصه القوانين الدولية بمنطقه الإرهابي، إذا ما تمت قراءة الحقيقة كما تحدث، ومن هنا وجب تقديم المطالعات القانونية باستمرار وبلا توقف؛ كي لا يتم فضح الجريمة والمجرم، ويقف أمام المحكمة الدولية، كما حدث مع آخرين ارتكبوا ذات الجريمة بحق شعوبهم.
إن الموقف الدولي اليوم، يفرض موقفاً جدياً عالي الفعل والمسؤولية والأثر الواقعي في التشخيص على وفق ما وصلته البشرية من تجربة مع الإرهاب، ومن يرتكبه بخاصة التعريف الأممي لحركات التحرر وحق تقرير المصير، ومن يهدد فعلياً سلامة الشعوب وأمنها بجرائمه المشهودة.
*ما المطلوب من الكرد والعرب الآن من أجل ردع الهجمات التركية ضد المنطقة؟
الآن، تجمع قضية (وحدة نضالية) بجبهة أممية عريضة وكونفدرالية بين الشعبي والرسمي وتستند إلى تفعيل، لأن ترك الكرد في أيّ من أقاليم كوردستان الأربعة وحدهم إنما يهدد الجميع وبتسلسل حلقات الصراع!
إن بقاء الأمور بلا أولوية في العمل العربي الكردي يفتح المجال واسعاً للمزيد من التخريب من قبل أطراف إقليمية على رأسها كل من الدورين الإيراني والتركي الأردوغاني، والواقع يشهد أن ما أصاب سوريا والعراق يجري بدعم تركي همجي لوحوش الإرهاب الداعشي وغيره..
والقوات التركية تنشر عشرات القواعد غير المشروعة وتنتهك السيادة العراقية وكذلك سيادة سوريا، لكن في الجوهر هناك استهداف للكرد ولكردستان بأقسامها ولحركة التحرر الكردية!
إذن، من الواجب أن ينعقد مؤتمر استراتيجي الأهداف في بناء أسس التحالف الكردي العربي سريعاً، بلا تردد أو تأجيل، ويكون جوهره كونفدرالية تحمل آمال شعوب المنطقة ووسائل حماية سيادتها، لا المستهدفة فحسب، بل المنتهكة في المقدمة لإلغائها وجودياً.
فهل وصلت الرسالة!؟ ندائي إلى قوى التحرر العربي الكردي، وندائي إلى قادة الجامعة العربية والمؤسسات الإقليمية الشرق أوسطية أن ترتقي إلى مستوى المسؤولية وتنظر عميقاً إلى الموضوع، ليس بمنظار التكتيكات والمصالح الآنية ومجاملات السياسة إقليمياً ودولياً، بل بمنطق استراتيجي يقرأ الوقائع كما هي، مخاطرها وتهديداتها، فيرسم ما أكدته مسيرة آلاف السنين من معاني التحالف الاستراتيجي عربياً كردياً.
إننا في التجمع العربي لنصرة القضية الكردية نجدد التأكيد على مواقفنا الثابتة في التضامن وفي حمل مشاعل هذا التحالف الاستراتيجي الذي عنوانه التعايش السلمي بين الشعوب وضمان حق تقرير المصير وكفالة حماية شعوبنا جميعاً وتأمين السلام والأمن الإقليمي والدولي، بدءاً بفضح قوى الإرهاب ومن يدعمها ودحر مشروعاتها القائمة على تفكيك حركة النضال وتمزيق الشعوب، وهو ما لن نسمح به، ما يؤكد أن الشعوب هي المنتصرة للسلام والحرية والانعتاق.
دعني أؤكد أن بعض الصراعات الجارية إنما هي بفعل تدرج قوى معادية بفعاليتها، إذ تتستر خلف وقائع وأحداث مفتعلة لكنها تحاول أن تحصد من إثارة الشقاق، ولهذا علينا أن نتنبه إلى ما قد يكون من الأخطاء ولو الجزئية المتناثرة، هنا أو هناك، كي نمنع استغلال تلك المواقف المحتدمة لمآرب قوى، سواء تركية أردوغانية أم ميليشياوية إيرانية، وكلاهما اليوم تغذيان وحشيتهما بالسير قدماً في جرائمهما، ولكن وحدة الكرد أولاً وتحالفهم مع العرب هو طريق النظر الاستراتيجي.
أشكر لكم هذه التغطية، وسيركم في طريق تشخيص الجريمة وفضحها، وتقديم ذلك وثيقةً للجهات الدولية المعنية حرصاً على تطمين السلام وحق الشعوب في الانعتاق وممارسة الحياة الديموقراطية، ليس بالادعاءات والمناورات التي يصطنعها أردوغان وقواه الإنكشارية الإرهابية، بل فعلياً حيث استعادة الحقوق والحريات وأولها حق تقرير المصير المكفول في القوانين والعهود الدولية.
أحيي أصدقائي الكرد، وقد شرفت دوماً بأن أحمل وسام صداقة الشعب الكردي، وباسمي وباسم التجمع العربي لنصرة القضية الكردية أؤكد عميق التضامن مع أهلنا الكرد ونضالاتهم من أجل السلام والحرية ودحر الإرهاب ومجرميه ممن يرتكبون جرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة ويستخدمون الأسلحة المحظورة المحرمة أممياً ودولياً.
(م)
ANHA