تركيا تحتل جنوب كردستان وسط صمت محكم -هيفيدار خالد

تركيا تحتل جنوب كردستان وسط صمت محكم -هيفيدار خالد
12 تموز 2024   04:15

شهد جنوب كردستان خلال الأسابيع الأخيرة، توغلاً تركياً كبيراً في العديد من القرى والمدن بمحافظة دهوك، ما يُعدّ تطوراً خطيراً وانتهاكاً صارخاً لسيادة العراق، كما أنه يأتي في إطار استكمال المشروع العثماني الذي تقوده الدولة التركية في المنطقة، ليس في العراق وسوريا فحسب، بل في العديد من الدول العربية مثل اليمن والسودان وليبيا والصومال.. لتحقيق حلمها في السيطرة والهيمنة على العالم.

من جهة أخرى، يواصل رئيس النظام التركي الذي تراوده أحلام عودة العثمانية، محاولاته في قضم أراضٍ من الجارتين سوريا والعراق، آخرها كان في محافظة دهوك في جنوب كردستان، كما أعلن الجيش التركي المحتل ضم مدينة آمدية ومنطقة برواري بالا في جنوب كردستان رسمياً إلى الأراضي التركية، وأفادت تقارير محلية بأن جيش الاحتلال التركي علّق لافتات مكتوب عليها "ممنوع الدخول إلى الأراضي التركية" باللغة العربية في قرى منطقة برواري بالا، ما أثار استياء وغضب السكان المحليين.

جيش النظام التركي أقام كذلك قواعد عسكرية جديدة ونصب حواجز أمنية ونقاط تفتيش، ومنع الأهالي من المرور، في تلك المناطق، لإنشاء ممرٍّ أمني على الحدود العراقية التركية والتوسع على حساب دول الجوار، مستغلاً تواطؤ بعض الأطراف الإقليمية التي تقدم لها كل أنواع الدعم كالحزب الديمقراطي الكردستاني، وصمت حكومة العراق حيال ما تتعرض له البلاد من انتهاكات بحق سكانها الذين استبيحت دماؤهم وأجبروا على الهجرة والنزوح من أراضيهم، بالإضافة إلى ما يتعرض له الشعب الكردي من انتهاكات في إطار الإبادة المتواصلة ضده منذ سنوات طويلة

نعم، لم تخرج الحكومة العراقية حتى الآن ببيان استنكار أو تنديد أو شجب حيال ما يتعرض له سكان جنوب كردستان، حتى على المستوى الإعلامي، ليس هناك أي موقف يذكر من المسؤولين العراقيين، إزاء جنود الاحتلال التركي الذين يصولون ويجولون في أراضي جنوب كردستان بكل حرية دون أن يحرك أحد ساكناً.

ولكن بطبيعة الحال وكما هو معروف، فإنه لا يمكن لأي دولة أن تدخل أراضي دولة أخرى، ما لم تكن هناك اتفاقات وتفاهمات سواء كانت علنية أو سرية. وهو ما حصل في العراق حقيقة، لا سيما خلال الفترة القصيرة الماضية، ليستغله رئيس النظام التركي باحتلال المزيد من الأراضي العراقية أمام أنظار الجميع.

من المهم هنا العودة إلى الاتفاقية التي أُبرمت بين أنقرة وبغداد عام 1984، ووُقِّعَت من قبل كل من وزير الخارجية العراقي طارق عزيز ووزير الخارجية التركي آنذاك، والتي سمحت لتركيا بدخول 5 كيلومترات في أراضي إقليم كردستان ولمدة عام واحد فقط. وكذلك الأمر بالنسبة للاتفاقية التي وُقِّعت بين دمشق وأنقرة عام 1998 إبان حكم الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد لسوريا، والتي عُرفت باتفاقية أضنة ونصّت على السماح لتركيا بالتوغل في الأراضي السورية، مسافة 5 كيلومترات بزعم تعقّب كوادر حزب العمال الكردستاني، إلا أنها حقيقةً، تكمن في إطار مساعي تركيا الاحتلالية في المنطقة وحلم استعادة الإمبراطورية العثمانية التي يغفل عن خطرها معظم زعماء وقادة الدول العربية، وسط غياب الأمن القومي العربي وعدم وجود أي رؤيةٍ واضحة لما يعصف بها من حروبٍ وأزمات.

نعم أينما وُجدت الفوضى تجد أردوغان ماثلاً يزيدها تعقيداً للخروج منها بمكتسبات تمكّنه من البقاء في السلطة لأطول فترةٍ ممكنة، بعد أن خسر العديد من الأوراق التي كان يلعب بها مع أطرافٍ إقليميةٍ ودولية؛ واليوم نجده يعمل على إنشاء مناطقَ أمنيةٍ في جنوب كردستان ومدينة دهوك التي باتت تحت السيطرة التركية، ويطبق المخطط والسيناريو الذي نفّذه في شمال سوريا من خلال تجنيد السوريين لتحقيق أهدافه، مستغلاً فرقة البيت العراقي التي فاقمت الوضع تدهوراً وتعقيداً.

الاتفاقات المبرمة بين النظام التركي من جهة، وكلٍّ من الحكومة العراقية وحكومة الإقليم من جهة أخرى، زادت خلال الفترة الأخيرة، وإن كانت على حساب الشعب العراقي، حيث يشير مختصون في هذا الشأن إلى أن حجم التعامل الاقتصادي بين العراق وتركيا بلغ عشرين مليار دولار، فيما بلغ 14 مليار في إقليم كردستان، ذلك غير الاتفاقيات السرية المبرمة بين الجانبين بعيداً عن مصلحة العراق وشعبه وإن كانت قريبة من الساسة هناك؛ إذ أن تركيا هي الوحيدة المستفيدة في الوقت الحالي، بينما يخسر العراق الكثير في هذا الجانب أمام تحقيق المصالح الأردوغانية في المنطقة.

 ومن الاتفاقات المبرمة مع تركيا، الإطلاقات المائية التي كانت قد وعدت بها العراق الذي يعاني من شح غير مسبوق في منسوب المياه، ولكن المماطلة واللعب على هذا الوتر هو ديدن النظام التركي منذ سيطرة حزب العدالة والتنمية على البلاد مطلع 2003، ولا أظن الأمر خفيّاً على الساسة العراقيين، ولكن كما يقال "ليس باليد حيلة" في ظل ما تعيشه الحكومة العراقية من أزمات وخلافات حزبية كان لها أثر بالغ في تدهور الأوضاع في الوقت الحالي.

لذلك لم يعد أمام العراق، حكومةً وشعباً، بعد أن انتُهكت حقوقه وسُلبت إرادته إلا الوقوف صفاً واحداً أمام الأطماع التركية الأردوغانية، وعدم الرضوخ لمحاولات الأخير الهادفة لجره إلى حربٍ ضد حزب العمال الكردستاني الذي طالما كان السد المنيع أمام محاولات أنقرة السيطرةَ على العراق واحتلال أراضيه.