تركيا ومصر.. مصالحة حقيقية أم خطة تكتيكية؟
يعيش العالم حالة من الترقب لنتائج التقارب بين مصر وتركيا، خاصة بعد إعلان أنقرة نيتها إرسال وفد رسمي رفيع المستوى يضم نائب وزير الخارجية إلى القاهرة، لإطلاق مفاوضات تهدف إلى تطبيع العلاقات بين البلدين.

وما بين مؤيد ومعارض يقف الجميع منتظرًا لنتائج هذه المفاوضات التي جاءت بعد نحو ثمانية أعوام من القطيعة التي سببها دعم تركيا لجماعة الإخوان المسلمين ومن تصفهم القاهرة بـ "العناصر الإرهابية"، بعد لجوء قياداتها إلى إسطنبول إثر الإطاحة بحكم الرئيس المعزول محمد مرسي عام 2013.
ويتساءل الجميع في مصر هل ستغلق تركيا القنوات الداعمة "للإرهابيين"، وتطرد العاملين فيها أم أنها سترحلهم أو تسلمهم لبلدهم كمصر الذي اشترط تسليم من تلوثت أيديهم بالدماء لاستكمال المصالحة.
وفي هذا السياق، قال الكاتب الصحفي أشرف أبوالهول، مدير تحرير جريدة الأهرام المصرية، إنه من المؤكد أن مصر لن تندفع لإعادة العلاقات مع تركيا إلا إذا استجابت أنقرة لكافة الشروط المصرية، مشيرًا إلى أن القاهرة كما أكدت في تصريحات كثيرة في السابق تنتظر أفعالًا وليس أقوالًا.
'تسليم الإرهابيين'
وأضاف "أبوالهول" في تصريح خاص لوكالتنا "أن ما يتردد بشأن أن تركيا عرضت على مصر تسليم مجموعة من شباب الإخوان هو أمر إن حدث مرفوض تمامًا، لأن القاهرة لديها إصرار واضح على تسليم كل من تلوثت أيديهم بالدم ومنهم يحيى موسى والسماحي، لأن هؤلاء شهد عليهم المجتمع الدولي بأكمله واعترف بممارستهم للإرهاب وقيادتهم لحركة حسم واشتراكهم في عمليات أودت بحياة الكثير من المصريين".
'إلحاح تركي'
وأشار مدير تحرير جريدة الأهرام المصرية إلى أن الولايات المتحدة الأميركية وضعت هؤلاء على لائحة الإرهاب وطالبت بتسليمهم، مشيرًا إلى أن الشروط المصرية بعودة العلاقات مع تركيا لم تأت بطلب من مصر، فالقاهرة لم تذهب إلى أنقرة وتطلب منها عودة العلاقات مقابل وضع شروط ولكنها جاءت بعد إلحاح تركي لعودة العلاقات لأن تركيا هي التي بدأت بمعاداة الدولة المصرية وإيواء أعدائها واحتواء وتمويل القنوات التي تشن حروبًا إعلامية ضد مصر.
وأكد "أبوالهول" أن الشروط واضحة وبسيطة أولها عدم التدخل في الشأن الداخلي المصري، وتسليم وإبعاد الأشخاص الملوثة أيديهم بالدماء، ووقف التدخلات التركية في الإقليم بما يضر بالأمن الإقليمي سواء في سوريا أو في العراق، وقبل كل ذلك ليبيا، والكل يعلم أن المرتزقة الذين جلبتهم تركيا إلى ليبيا لم يؤثروا سلبًا على الأوضاع في ليبيا فقط ولكن على الأوضاع في المنطقة ككل، من المؤكد أن مثل هؤلاء المرتزقة الذين تشتري سلاحهم بحفنة من الدولارات يمكن أن يتحولوا إلى نشر الفوضى والإرهاب على الحدود المصرية، وفي مناطق الصحراء الإفريقية وجزء منهم ليس بعيدًا عن ما يحدث في تشاد ومالي والنيجر وغيرها من الدول الإفريقية.
'رفض سياسات أردوغان'
وأوضح الصحفي المصري أن مصر تريد من تركيا أن تتوقف عن محاولة فرض رؤيتها وهيمنتها على غاز شرق المتوسط، لأن تركيا تتمسك باتفاقية قديمة في حين أن العالم انتقل إلى العمل باتفاقية المياه الاقتصادية، لافتًا إلى أنه وبشكل عام مصر لا تعادي تركيا ولديها علاقات جيدة مع الشعب التركي ولكنها ترفض أساليب وسياسات نظام أردوغان وتدخلات حزب العدالة والتنمية.
'تصريحات تركية تنسف جهود إعادة العلاقات'
وتابع أبو الهول: "إذا كانت تركيا قد أبلغت مصر أنها أساءت فهم ثورة 30 يونيو واعترفت بها إلا أن وزير الخارجية التركي قال مؤخرًا أنه يعتبر أن الإخوان حركة سياسية وهذا قد يؤدي إلى نسف أي جهود لإعادة العلاقات إذا أصر الأتراك على هذا الأمر لأن الإخوان في مصر ليسوا حركة سياسية، الإخوان في المنطقة بعيدون عن السياسة تمامًا ومن لجأ إلى السلاح لا يمكن أن ينظر إليه على أنه حركة".
'مفاوضات تركية مع قبرص واليونان'
وأكد أن الدولة المصرية لن تندفع في إعادة العلاقات مع تركيا إلا إذا طبقت أنقرة مطالب القاهرة، إذا أرادت تركيا الانضمام إلى منظمة غاز شرق المتوسط عليها أن تسعى إلى الدخول في مفاوضات قانونية مع مصر وقبرص واليونان وليس إرسال سفن التنقيب دون إرضاء الجوار.
'انتصار للدبلوماسية المصرية'
فيما قال هاني سليمان، مدير المركز العربي للبحوث والدراسات، إن رغبة تركيا في عودة العلاقات مع مصر هو انتصار للدبلوماسية المصرية التي استطاعت طوال سنوات مختلفة مواجهة السلوك التركي والامتدادات الإخوانية الخاصة به، وهو ما يؤكد أن مصر استطاعت على أرض الواقع بسط رؤيتها وسياستها في أكثر من ملف، كما نجحت في تجريف قدرات الإخوان المسلمين والجماعات التي كانت تستخدمها تركيا ومحاربة الإرهاب، ومحاربة كافة الجماعات التي كانت على اتصال وتتلقى دعم من تركيا في وقت ما.
'فرض وجهة النظر المصرية'
وأشار "سليمان" في تصريح خاص لوكالتنا إلى أن مصر حققت نجاحات كبيرة في الملف الليبي، مشيرًا إلى أنه من خلال التصريحات والجولات السابقة الموجودة من الطرفين نستطيع أن نستشف أن مصر لديها القدرة على قيادة تلك المفاوضات وفرض وجهة نظرها.
وتابع قائلًا: "مصر تعتمد في تلك المفاوضات الثنائية على استقلالية كبيرة وهي رائدة في فرض وجهة نظرها وشروطها في هذا التقارب على اعتبار أن هناك طوال السنوات الماضية حالة هجوم شديد من الجانب التركي ودعم لبعض للأطراف المعادية والمناوئة لمصر، فمصر لديها كافة الحقوق والتحفظات لوضع مسار يحقق شروطها بشكل سليم وواضح لتضمن جدية الجانب التركي وليس أن يكون مجرد محاولة تركية تكتيكية غير جادة".
'اشتراطات مصرية لضمان الجدية'
ولفت مدير المركز العربي للبحوث والدراسات إلى أن جملة الاشتراطات التي تثبت جدية الجانب التركي ضمنتها مصر في هذا الموضوع من خلال تسليم بعض العناصر والأسماء الكبيرة والالتزام بالأسماء التي حددتها مصر وليس فقط مجموعة من شباب الإخوان، ووقف الهجمات الإعلامية العدائية من القنوات المدعومة من تركيا، ومحاولات فتح خط من السياسة الخارجية التركية الواضحة تجاه ثورة 30 يونيو، وهو ما استطاعت مصر بالفعل أن تنتزعه من تركيا بشكل ناجح خلال الفترة السابقة.
وأكد "سليمان" أن قدرة مصر على انتزاع اعتراف تركيا بثورة 30 يونيو علاوة على اعترافهم بانتهاكات حكم الإخوان، واستعداد الجانب التركي لتسليم بعض العناصر الهاربة لديهم ووقف الهجمات التحريضية ضد مصر هو انتصار كبير للدولة المصرية، ويستطيع أن يحقق الحد الأدنى من المصالح المصرية لبدء علاقات جديدة مع أنقرة شريطة أن يتم التوافق على باقي الملفات والأمور.
'تعليق وتجميد المفاوضات'
ولفت إلى أنه على مستوى الخطاب والتصريحات المصرية هناك لهجة قوية جدًّا من التصريحات المصرية والخطابات الموجهة تؤكد قدرة مصر وحقها في تعليق المفاوضات وتجميدها في أي وقت كما أنها أكدت أنها تقيم التصريحات الاستفزازية من آن لآخر، وبالتالي نستشف أن مصر تتعامل مع تركيا بمنطق فيه استعلاء مشروع وفي حالة استغناء تام إذا لم يكن هناك توافق وجدية تركية للاستجابة للمطالبات المصرية، وهو ما يزيد من قوة الموقف المصري بما يتناسب مع مكانة مصر وسياساتها.
'تقارب تكتيكي'
وتابع: "وعلى الرغم من أنه كان هناك بعض البوادر التي تقول إن التقارب التركي مع مصر هو تقارب تكتيكي نوعًا، ولكن جملة الاشتراطات المصرية والاستجابة التركية لها يشكل ضمانة معينة لمصر حول جدية والتزام النظام التركي"، مشيرًا إلى مستقبل العلاقات المصرية التركية يتحدد وفقًا لحالة من جس النبض المصري ومراقبة السلوك التركي وذلك بسبب وجود حالة ممتدة من فقدان الثقة بسبب المواقف التركية، والزمن كفيل أن يكشف عن مدى جدية الجانب التركي وهل ستترسخ العلاقات من جديد أو ينفي المبادرات التركية ويجعلها لا تعدو مواقف تكتيكية مؤقتة.
وأوضح مدير المركز العربي للبحوث والدراسات، أنه في حال كانت تركيا جادة في فتح صفحة جديدة مع مصر وانتهاج مواقف وسياسات جديدة تراعي فيها قوة الدولة المصرية ومصالحها سيكون هذا مفيد للطرفين، فمصر دولة محورية لها وزن سياسي واقتصادي واستراتيجي في المنطقة، ولها أدوار في كافة الالتزامات والأزمات واستطاعت أن تحقق وتفرض سياستها في العديد من الملفات الإقليمية على المستوى العالمي وهو ما يعطي مصر قوة نوعية ومن مصلحة تركيا أن يكون لها علاقات متزنة بالقاهرة.
'فقدان ثقة'
وفي كل الأحوال، فإن الحديث عن علاقات مصرية تركية قوية على مستوى تمثيل عال وقوي سيحتاج إلى وقت، فلا يمكن خلال الفترة القصيرة القادمة ترسيخ هذا التعاون ولكنه سيحتاج إلى بعض الوقت للكشف عن السياسة التركية الجديدة ومدى جديتها، نظرًا لحالة فقدان الثقة الممتدة.
ومن جهته قال محمد حامد، مدير منتدى شرق المتوسط للدراسات، إن تركيا جادة في المصالحة مع مصر وتقديم تنازلات حقيقية للتقارب مع القاهرة.
وتوقع "حامد" في تصريح خاص لوكالتنا أن الأيام القادمة ستشهد تبادلًا للسفراء مرة أخرى، وأشار إلى أن تركيا الآن ترى أن الخلاف مع مصر أصبح جزءًا من الماضي، وتركز على كيفية تطوير العلاقات الاقتصادية مع القاهرة، وهناك حديث إنشاء منطقة صناعية تركية في مصر، كل هذه الأمور تؤكد أن أنقرة عازمة بالفعل على إعادة علاقاتها بالقاهرة وخاصة أن لديها رغبة في ترسيم الحدود البحرية مع مصر.
(ح)
ANHA