24 عاماً من المؤامرة الدولية -1

يُعتقل القائد عبدالله أوجلان في ظلّ عزلةٍ مشدّدة في سجن إمرالي منذ الـ 15 من شباط عام 1999 رغم المشاكل الصحيّة الخطيرة التي يعاني منها. وقد وصف القائد أوجلان خلال لقاءٍ له بمحاميه عام 2009 وضعه هناك بأنّ الأمر وكأنّه يُعدم لعشرات المرات يومياً. هذا ويزداد كلّ من وضعه الصحيّ وظروف السجن سوءاً يوماً بعد يوم. فيما لا ترد أي معلوماتٍ عن وضعه منذ الـ 25 من آذار عام 2021.
أُخرج القائد عبدالله أوجلان من سوريا يوم بدء المؤامرة الدولية في الـ 9 من تشرين الأول عام 1998. وقد اُختطف القائد أوجلان بتاريخ الـ 15 من شباط عام 1999 من قبل الدولة التركية المحتلة بمشاركة أكثر من خمسين دولة وتمّ اعتقاله. وهو يقاوم جميع الهجمات الجسديّة والنفسيّة التي تُشنّ عليه في ظلّ العزلة المشدّدة المفروضة عليه في "سجن إمرالي شديد الحراسة" منذ 24 عاماً. كما أنّه ممنوع من اللقاء بعائلته ومحاميه. فقد تمكّن من اللقاء بمحاميه في 2-22 أيار، 12-18 حزيران و7 آب عام 2019 وذلك بعد ثماني سنوات من الانقطاع. في حين كان آخر تواصل له مع عائلته في الـ 25 من آذار عام 2021 وذلك عبر مكالمة هاتفية استمرّت لـ 3-4 دقائق فقط ثمّ قُطع الاتصال. ولم ترد عنه أي معلومات منذ ذلك الحين وإلى الآن، كما أنّه تُمنع مقابلته.
وفي الـ 17 من تشرين الثاني عام 2009 نُقل القائد أوجلان من زنزانةٍ تبلغ مساحتها 3-4 متر مربّع إلى زنزانةٍ أخرى تبلغ مساحتها 6-7 متر مربع. وكان قد تحدّث خلال لقائه بمحاميه عن ظروف العزلة المشدّدة ووضعه الصحّي. في عام 2009 التقى المحامون بموكّلهم لـ 11 مرّةً فقط وذلك لمعرفة وضعه الصحّي والعزلة المشدّدة. وقد تبيّن أنّه تم بعد أيار 2010 إيقاف الفحوصات الطبيّة اليومية.
ازدادت حدّة العزلة المشدّدة المفروضة في سجن إمرالي والتي اعتبرها القائد الجزء الأهم لمؤامرة الغلاديو الكبرى يوماً بعد يوم. وهم يسعون بهذا النظام الذي ينتهجونه ضدّ القائد آبو منذ 24 عاماً؛ إلى التسبّب بموتٍ روحي يُعرف بالموت الصامت. وتُشدّد العزلة المطلقة من قبل سلطة حزبي العدالة والتنمية والحركة القومية في حين تتزايد الانتهاكات الحقوقيّة أيضاً.
وصف القائد عبدالله أوجلان خلال لقائه بمحاميه عام 2009 ظروف المعتقل ووضعه الصحّي.
"إنّ هذا المكان مشروعٌ للجنة مناهضة التعذيب والمحكمة الأوربية لحقوق الإنسان"
يوضّح القائد عبدالله أوجلان أنّ السجن الجديد الذي يُعتقل فيه تمّ اقتراحه من قبل لجنة مناهضة التعذيب والمحكمة الأوربية لحقوق الإنسان. ويقول القائد أيضاً إنّه من مسؤولية لجنة مناهضة التعذيب والمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان اعتقاله في هذه الظروف والشروط ويتابع: "إنّ هذا المكان مشروعهما. لقد قمت بإعداد تقريرٍ عن ظروفي هنا وأرسلته للجنة مناهضة التعذيب والمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان سابقاً. وأوضحت في هذا التقرير أنّه يجب تحسين ظروفي هنا. يجب التذكير بمسؤولياتهم، قلت لهما ’أنتم مسؤولون عن هذا الوضع، التزموا بمسؤولياتكم وحافظوا على حقوقكم التي تضمنونها‘ كما أنّه ومقابل كل هذه الانتهاكات؛ يجب على المدافعين عن حقوق الإنسان والأطراف الحساسة جميعها الدعوة لـ ’شرح وضع أوجلان‘. عليهم أن يتمكّنوا من قول ’ما الذي يجري هناك؟‘ عليهم المطالبة بالإدلاء بتصريحٍ واضحٍ للرأي العام. يجب مطالبة لجنة مناهضة التعذيب بالتراجع عن الخطأ الذي ارتكبته ومراجعة الظروف. عليهم المجيء لرؤية هذا المكان والقيام بالتحقيق هذا واجبهم. وكانت لجنة مناهضة التعذيب قد جاءت سابقاً وقامت بالتحقيق. وقد قالت بنفسها إنّه يجب نقلي لسجنٍ شديد الحراسة من نوع F وإنّه يجب تأسيس هذا النوع من السجن وإعداد ظروفه، وتقاريرهم تتضمّن هذا. إنّ لجنة مناهضة التعذيب هي التي طلبت كلّ هذا. قالوا لي إنّ ظروفي هنا ستكون أفضل من السابق، لكن لم يحصل شيء من هذا. بل ازدادت ظروفي سوءاً. عليهم المجيء إلى هنا ورؤية نتاجهم. لن يستطيعوا خداعنا وعليهم ألّا يحاولوا. لقد أحضروني إلى هنا في الـ 17 من تشرين الثاني. وهذا انقلاب. أنا أعتبر إحضاري إلى هنا انقلاباً. وأصفه بانقلاب 17 تشرين الثاني".
"أنا نصف حي ونصف فاقد للوعي"
ويشير القائد عبدالله أوجلان إلى مشاكله الصحيّة التي تتفاقم يوماً بعد يوم ويقول: "لا أستطيع التنفّس بسبب نظام التهوية الذي أُسس هنا. إنّ نفسي يضيق لأنّ غرفتي بلا تهوية. والنزيف في حلقي مستمر. في الأساس أعاني من التهاب الجيوب الأنفية، وأعاني من ألم وحكّةٍ في حلقي. وهذا الألم يزداد يوماً بعد يوم. لا أستطيع التنفّس. وأعاني صعوبةً كبيرةً عند التنفّس. إنّ وضعي يزداد سوءاً بسبب الظروف السائدة هنا. إنّ مشاكلي الصحيّة مرتبطة بالوضع هنا. لا أعلم ما الذي سيحدث بعد وكيف سيحدث. إنّ نقص الهواء يؤثّر في جميع وظائفي البدنية. نعلم أنّ الخلايا الدماغية التي ينقطع عنها الهواء تموت. وأنا أشعر أنّ خلايا دماغي تموت بسبب انعدام الهواء. مما يسبّب لي وجعاً في الرأس. وهذا يقضي على التركيز. إنّ هذه حالةٌ مزعجةٌ جدّاً وتؤثّر في وظيفة دماغي إنّه نصف ميت ونصف فاقد للوعي أنا أعيش هنا نصف ميّت ونصف فاقد للوعي. لا أعلم إلى متّى سأتحمّل هذا، وكم يمكن للمرء أنّ يعيش في مثل هذه الظروف".
"نَفَسي يضيق بسبب ظروف التهوية، أشعر أنّني سأختنق"
ويشرح القائد أوجلان تأثير العزلة على صحّته ونفسيّته قائلاً: "إنّي في مكانٍ ذي طابقٍ واحد، مساحته حوالي ستة أو ستة أمتار ونصف، وقد بنوا بجواره مرحاضاً لذا هما داخل بعضهما. لديّ سرير بجانب الحائط. إنّه ملتصق بالحائط. وبين سريري والحائط الآخر مسافة قصيرة جدّاً تبلغ بضع خطوات. وأنا أمشي ذهاباً وإياباً في هذه المساحة الضيّقة. إنّه مكانٌ ضيّق جدّاً. ونظام التهوية في الغرفة التي أبقى فيها سيّئ جدّاً. لا أستطيع التنفس. ونوافذ التهوية في الغرفة عالية جدّاً. إنّها قريبة من السقف. إنّها تطلّ على السماء ومحكمة بالأسلاك ولا أرى سوى السماء. بالطبع تدفّق الهواء من هذه النافذة باتّجاه الغرفة يأتي من الارتفاع. وهذا ما يخلق ضغطاً في قاع الغرفة ويجعلها بلا هواء. ولأنني أبقى بالقرب من الأرض فإنّني أعاني من التأثير السلبي لهذا الضغط وخاصةً عند النوم. إنّ الضغط يجعل تنفّسي صعباً جدّاً. إنّه يكاد يخنقني. وكأنّ شيئاً ثقيلاً يسقط عليّ. وهذا يجعل أنفاسي ضيّقة جدّاًـ إذ لا أستطيع التنفّس. كما يضيق نفسي ولا أستطيع التنفّس عندما أنام. وأستيقظ من النوم مراتٍ عديدة بسبب هذا. أخرج رأسي من بين الشراشف وأحني رأسي لأتنفّس بينها. هكذا فقط أستطيع التنفّس قليلاً. وبهذا الشكل أيضاً عليّ أن أنام نصف فاقد للوعي وهكذا إمّا أن أقوم بالانحناء بهذا الشكل والتنفّس وإمّا أن أنهض وأقترب من مكان التهوية وأحاول التنفّس. وهذا يُفسد نومي".
"إمّا أن أنام أو أكون مستيقظاً للتنفّس"
يقول القائد عبدالله أوجلان: "في المكان القديم كنت أتنفّس أمام الزجاج، كنت أستطيع التنفّس" مشيراً إلى أنّ هذه الفرصة أيضاً غير متاحةٍ في زنزانةٍ تبلغ مساحتها 6-7 أمتار. ويتابع قائلاً: "إنّ فسحة التهوية، نافذة صغيرة وعالية. وهذا الوضع يؤثّر في جميع وظائفي الحيوية هنا. فعند نومي أشعر بضيقٍ وانزعاج. ولهذا فإمّا أن أنام أو أبقى مستيقظاً للتنفّس. أستيقظ عدّة مراتٍ وأضطر للمشي لأتمكّن من التنفّس. عندما كنت في مكاني السابق جاء طبيبٌ من لجنة مناهضة التعذيب وقد كان على علمٍ بذلك. وقال لي إنّ عدم ارتياحي وضيق التنفّس الذي أعاني منهما ناجمان عن التهوية. وقال لي إنّ علي الاستلقاء بقرب النافذة وتوجيه رأسي باتّجاهها أثناء النوم. وفعلاً كنت أنام هكذا هناك. وفي الأساس كان فراشي في المكان الذي كنت أبقى فيه بقرب النافذة. وقد فعلت ما قيل لي، على الأقل كان تنفّسي منتظماً بعض الشيء. كان ذاك الطبيب يعلم بهذه الحالة وتشخيصاته كانت صحيحة. وقد وصفوا بعض العلاجات لكنّ لم تنته".
"وضعي هنا يشبه بنسبة 25 بالمئة الشخص الذي يعدم شنقاً"
يوضّح القائد أوجلان أنّ صحّته تتدهور يوماً بعد يوم ويقول: "مثلما يقاوم السجناء بطريقةٍ يائسة أثناء الإعدام شنقاً ويكافحون قبل نفسهم الأخير وضعي أيضاً بهذا الشكل. وكما تعلمون، فإنّ ردّة الفعل الأولى أثناء الإعدام هي قشعريرة الجسد وهذا يشكّل 25 بالمئة من عملية الموت ثم تأتي المرحلة الثانية وهي الموت الكامل. لكنّ ردّة الفعل الأولى أثناء الإعدام هي 25 بالمئة مرحلة القشعريرة. ووضعي هنا هو تلك المرحلة التي يكون فيها الشخص مشنوقاً بنسبة 25 بالمئة. يداي ترتجفان، وجسدي كلّه يرتجف. وهذا يؤلم. لديّ أيضاً حركاتٍ لا إرادية. هذا ردّ فعلٍ جسدي. إنّها ناجمة عن هذه الرجفة. إنّ هذه الرجفة تتكرر مراتٍ عديدة وتزداد يوماً بعد يوم. إنّني أعاني منها أحياناً عندما أكون مستلقياً وأحياناً عندما أكون واقفاً على قدمي. إنّ هذه الرجفة تحدث للشخص المشنوق بنسبة 25 بالمئة. معروف أنّ صدّام مات خلال 3 دقائق أثناء إعدامه. وضعي هنا وكأنّني أُشنق بهذا الشكل لعشرات المرات يومياً. أنا لا أخشى الشنق، فأنا أختبر تلك الدقائق الثلاث التي عانى خلالها صدّام لأربع وعشرين ساعةً يومياً".
"سيكون تأثير موتي ثقيلاً، ستنتشر الفوضى"
يخوض القائد عبدالله أوجلان مقاومةً تاريخية ضد العزلة المشدّدة ويحذّر من أنّ موته سيؤدّي لبدء مرحلةٍ دمويّةٍ جدّاً ويقول: "يوجد بجوار غرفتي فسحةً للتهوية، إنّها مساحة صغيرة. لكنّني أستطيع المشي فيها ذهاباً وإياباً لثلاث أو أربع خطوات وأستطيع رؤية السماء فقط، والنوافذ محكمة بالأسلاك. كما أنني أسمع هنا صوت المولّد. صوته مزعج جدّاً. وهو يعمل أربعاً وعشرين ساعة. ومعروف أنّ منديريس أيضاً كان قد قال إنّه ينزعج من هذه الضجّة. كما تحدّث عوني أوزغوريل أيضاً عن هذه المسألة في إحدى كتاباته. إنّ إمرالي جزيرة تاريخية. لهذا المكان ظروفه وشروطه إنّها جزيرة شهدت على التاريخ. ومدى المعاناة التي واجهها من تواجد معروفة. لها ظروفها المناخية. كما نعلم أنّ منديريس لم يستطع الصمود رغم أنّه بقي هنا لأربع وعشرين ساعة فقط. وها أنا أحاول الصمود هنا منذ 11 عاماً. لو لم أكن أتحلّى بإيمانٍ قويّ جدّاً لحاولت الانتحار. قام رفاق مثل الرفيق كمال بير خيري دورموش بعملية صيام حتّى الموت. وأنا لديّ احترام ومسؤولية تجاه المقاومة النبيلة لهؤلاء الرفاق وللشعب. لو لم يكن لديّ إيمان قويّ جدّاً وعظيم بهذه القيم لما تمكّنت من التحمّل لهذه الدرجة لحاولت الانتحار. وبالطبع يمكن أن أموت هنا بأي لحظة. سيكون تأثير موتي كبيراً جدّاً. ستسبّب الفوضى. بعد موتي ستبدأ مرحلة دمويّة جدّاً ومليئة بالصراعات. أنا أعيش هنا كل يوم من أجل مسؤولياتي وكافحت من أجل الشعب. ولهذا سيكون كفاحي وحياتي الكريمة دائماً من أجل الشعب".
ANHA