قراءة في دوافع ونتائج زيارة الأسد إلى الصين
أجرى بشار الأسد خلال الأيام الماضية زيارة وصفت بالـ "مهمة" إلى الصين الشعبية، حيث تمخضت هذه الزيارة عن التأكيد على توجه دمشق المستمرنحو الشرق، في ظل ما تعانيه من ضغوط غربية، بالإضافة إلى نوايا الصين لتكريس نفوذها في الشرق الأوسط، وما يسمى بلاد الشام تحديداً، وبالتالي زيادة حدة التنافس مع القوى الغربية النشطة في المنطقة.

وقّع الرئيس الصيني شي جين بينغ وبشار الأسد، اتفاقية "التعاون الاستراتيجي السوري - الصيني"، وذلك خلال لقاء جمعهما على هامش زيارة الأسد إلى الصين، الجمعة، وفق ما ذكرته وكالة الأنباء التابعة لدمشق سانا.
وتم توقيع 3 وثائق تعاون بين الجانبين، أولها اتفاق تعاون اقتصادي، وثانيها مذكرة تفاهم مشتركة للتبادل والتعاون في مجال التنمية الاقتصادية، وثالثها مذكرة تفاهم حول السياق المشترك لخطة تعاون في إطار مبادرة الحزام والطريق.
وبغض النظر عمّا أعلنه الطرفان حول أهداف هذه الزيارة، إلا أن هناك العديد من الاستحقاقات التي تنتظرها كل من دمشق وبكين، ومنها:
- جاءت هذه الزيارة في ظل انهيار مساعي حكومة دمشق لإبداء تفاهم مع الدول العربية، وبالتالي مساهمة هذه الدول بإقناع القوى الغربية لإبداء مرونة تجاه حكومة دمشق، وهذا ما كانت تأمل دمشق بأنه سيساهم في تخفيف حدة الضغوط الاقتصادية عليها، وبعد أن تبددت هذه المساعي نوعاً ما، وتزايد مستوى الانهيار الاقتصادي لحكومة دمشق في ظل عدم قدرة كل من روسيا وإيران اللتين تواجهان أيضاً عقوباتٍ وضغوطاً غربية، لجأت دمشق إلى الصين.
- بعد أن عملت الصين خلال العامين الماضيين على زيادة تواصلها مع الدول العربية والخليجية تحديداً، لزيادة التقارب معها ومنافسة النفوذ الأميركي والغربي هناك، رأت الصين أن هذه المساعي واجهت ضربة كبيرة خلال الأسابيع الماضية، عندما أعلنت دول خليجية وغربية عن مشروع الممر الاقتصادي الجديد الذي ينافس بشكل كبير مبادرة الحزام والطريق الصينية.
- في ظل الانشغال الروسي نوعاً ما بالحرب الروسية – الأوكرانية، فمن المتوقع أن تفعّل بكين دورها السياسي في الشرق الأوسط وسورية عموماً، وحقيقة هذا توضّح منذ رعاية الصين للمفاوضات السعودية – الإيرانية، لذلك من المتوقع أن تعمل الصين في البداية على إكمال مهمة رعاية المفاوضات بين الاحتلال التركي وحكومة دمشق، إلى جانب محاولة حل المشكلات والخلافات بين الدول العربية ودمشق، وأن تعمل الصين على تدوير الزوايا بين القوى الإقليمية المتدخلة في الملف السوري.
- في سياق ما سبق، هناك ملف أمني مهم بالنسبة إلى الصين، وهو وجود المرتزقة الإيغور في المناطق السورية المحتلة، والذي يبلغ عددهم ما يقارب 3000 مرتزق بحسب ما تحدثت تقارير عديدة، ويشكلون هؤلاء تهديداً كبيراً للصين، في حال عودتهم إلى بلادهم.
- تسعى الصين من خلال كل ذلك، إلى تعزيز دورها في سوريا وتشكل عاملاً منافساً وقوياً للنفوذ الأميركي هناك، وما يزيد من استحقاقية ذلك هو أن الصين وفي كل تحركاتها، تبحث عن الاستثمارات الاقتصادية؛ وتتواجد في شمال وشرق سوريا معظم الحقول النفطية والثروات التي تشكل عامل جذب للصين، وهذا ما يشكل عامل تحدي للمساعي الصينية.
خلاصات:
من خلال ما سبق، يتبين أن الصين تبحث عن تعزيز دورها السياسي والاقتصادي في سوريا، بهدف تحقيق مكاسب بالدرجة الأولى، بالإضافة إلى منافسة الوجود الأميركي والغربي هناك بالدرجة الثانية، لكن هناك تحديات عديدة تواجه هذه المساعي الصينية؛ هو أن بكين لا تملك أوراقاً قوية وقوات عسكرية وميليشيات على الأراضي السورية. لذلك ستكون مجبرة على الاعتماد على روسيا وإيران للضغط على القوى الأجنبية الموجودة هناك؛ سواء الولايات المتحدة الأميركية وحتى تركيا في حال كانت هناك منافسة، لكن الصين وخلال هذه الفترة من المتوقع أنها ستقوم بدعم حكومة دمشق اقتصادياً، وذلك عبر إبرام اتفاقيات استثمارية طويلة الأمد، بالإضافة إلى إمكانية أن يكون هناك دعم صيني لقوات حكومة دمشق الرسمية، وبالتالي تكون الصين قد ضمنت مكاسبها الاقتصادية والعسكرية في حال شاركت الصين في أي مسارات سياسية، كما هو متوقع أن تنضم إلى الاجتماعات الرباعية (روسيا – تركيا – إيران – دمشق) لتصبح هذه الاجتماعيات خماسية، أو حتى إذا لم تنضم فأهميتها الاقتصادية والسياسية وحتى العسكرية لدى حلفائها تضمن حصتها في أي اتفاق أو صفقة.