في ذكرى عيد الشهداء.. المجازر التركية تتكرر مجددًا في سوريا

في السادس من أيار كل عام، يحيي السوريون واللبنانيون ذكرى أكثر من 20 مثقفًا عربيًّا قتلهم العثمانيون، بتهمة التخطيط لثورة عربية ضد المحتل التركي أثناء الحرب العالمية الأولى، وعلى الرغم من مرور أكثر من مئة عام إلا أن الجرائم التركية مستمرة بحق شعوب المنطقة، وارتكبت مجازر عديدة بعد ذلك.

في ذكرى عيد الشهداء.. المجازر التركية تتكرر مجددًا في سوريا
الأربعاء 5 مايو, 2021   21:41
مركز الأخبار- يحيى الحبيب

التاريخ العثماني مليء بالمجازر الدموية ضد شعوب المنطقة من العرب والكرد والأرمن والسريان واليونانيين، إلا أن ذلك لم ينته، حيث تسير تركيا بمجازرها في سوريا اليوم على خطا أجدادها.

واحتلت الدولة العثمانية بلاد الشام منذ عام 1516 حتى انتهاء الحرب العالمية الأولى عام 1918.

وظل السلاطين يحكمون الدولة العثمانية حتى مطلع القرن العشرين، حيث نجح القوميون الأتراك وعلى رأسهم حزب الاتحاد والترقي في الوصول إلى السلطة عام 1908، فعملوا على فرض القومية واللغة التركية على كل القوميات الأخرى التي تعيش تحت الاحتلال العثماني.

ومع اندلاع الحرب العالمية الأولى عام 1914 وقفت الدولة العثمانية إلى جانب دول تكتل الوسط (ألمانيا والإمبراطورية الهنغارية النمساوية) ضد دول التفاهم (الولايات المتحدة الأميركية، روسيا، فرنسا، بريطانيا)، حيث عينت وزير البحرية جمال باشا قائدًا عامًّا للقوات التركية في بلاد الشام، فشدد قبضته على بلاد الشام وفرض الضرائب والتجنيد الإجباري واللغة التركية.

ونظرًا لعدم تنفيذ السلطات العثمانية للقرارات الصادرة عن مؤتمر باريس عام 1913 والتي كانت تقتضي مشاركة العرب في الحكم، وتمتعهم بالحكم الذاتي ضمن الدولة العثمانية آنذاك، واستمرارها بسياساتها الشوفينية القائمة على فرض السيطرة ونهب الثروات، إلى جانب سياسات التتريك للتراث اللغوي والحضاري في البلاد التي كانت تحتلها وعلى وجه الخصوص في بلاد الشام (سوريا ولبنان) والعراق، الأمر الذي أدى إلى اشتعال جذور الثورة وخاصة بين فئات المثقفين والسياسيين والشيوخ الذين طالبوا بخروج المحتل العثماني.

وعندما بدأت الثورات المطالبة بخروج الدولة العثمانيّة من المنطقة، زادت الأخيرة من التنكيل بتلك الشعوب في محاولة منها لفرض السيطرة على البلاد، وذلك من خلال سياسة الترهيب والإعدامات التي طالت العديد من الثوار والمناضلين والسياسيين والمثقفين في تلك المناطق.

وزاد العثمانيون من تضييق الخناق على الشعب، فثار الشعب بقيادة المثقفين والسياسيين المعارضين للحكم العثماني ونظموا حملات تطالب فيها بالالتحاق بالثورة العربية الكبرى التي انطلقت من الحجاز لإسقاط حكم العثمانيين.

ولجأ جمال باشا السفاح إلى أساليب مختلفة للنيل من هذه الثورة عبر إلصاق التهم بهم، وهي التخابر مع بريطانيا وفرنسا للإطاحة بهم.

وهذه الاتهامات شكلّت أرضية لعمليات قمع العثمانيين بحق القادة والمثقفين والسياسيين، وازدادت حدّة القتل والإرهاب، وبدأت سلسلة إعدامات بحق كل من كان يُشك به.

وعليه، أصدر جمال باشا أحكامًا بالإعدام على عدد من المثقفين والوطنيين من دمشق وبيروت في محكمة صورية في جبل لبنان.

ونفذت السلطات العثمانية هذه الأحكام على دفعتين، الأولى في 21 آب 1915، والثانية في 6 أيار 1916 الذي أعدم فيه عدد أكبر، في كل من ساحة البرج في بيروت، التي سميت فيما بعد بساحة الشهداء، وفي ساحة المرجة في دمشق.

ولتغطي السلطات العثمانية على جرائم جمال باشا السفاح في البلاد، فقد نقلته من سوريا، وعينت جمال باشا المرسيني (الشهير بالصغير) بدلًا عنه.

ثم قُـتل جمال باشا السفاح في مدينة تبليسي عام 1922م على يد أرمني يدعى اسطفان زاغكيان، انتقامًا لما ارتكبه العثمانيون من مجازر بحق الأرمن عام 1915، ضمن حركة واسعة عرفت بعملية نيمسيس أي "العقاب" طالت جميع المسؤولين عن تلك الإبادة التي راح ضحيتها أكثر من مليون ونصف مليون أرمني.

ولم يرضخ السوريون واللبنانيون للممارسات العثمانية، بل ساهمت هذه الممارسات في تكريس حقيقة مفادها أن الثورة هي السبيل الوحيد للتخلص من الاحتلال العثماني، فكانت الثورة العربية الكبرى عام 1916 التي شكّلت بداية النهاية للدولة العثمانية التي حكمت المنطقة أربعة قرون متتالية، وبعد نجاح الثورة، أعلن المؤتمر الوطني السوري عام 1920 استقلال سوريا والعراق عن الدولة العثمانية.

'جرائم مستمرة'

ولم تنتهِ سياسات الأتراك في احتلال الدول المجاورة وتدخلها في شؤونها، واتباعها أساليب التتريك والتهجير والقتل والدمار حتى بعد القضاء على الحكم العثماني في سوريا.

ومنذ بدء تركيا باحتلال الأراضي السورية فعليًّا بعد الاتفاق مع روسيا، اعتبارًا من آب 2016 واحتلال مدن جرابلس والباب وإعزاز، استمرت بسياسة أجدادها العثمانيين، من حيث ارتكاب المجازر وتهجير الشعب وفرض سياسة التتريك في المناطق المحتلة، ولا توجد إحصائيات دقيقة عن عدد المدنيين الذين قُتلوا وأُصيبوا في الهجمات التركية على هذه المناطق.

ولم تتوقف عمليات الاحتلال والمجازر بحق السوريين على هذه المناطق، ففي20 كانون الثاني 2018 شنت دولة الاحتلال التركي هجمات على عفرين استمرت إلى 18 آذار من العام ذاته حتى احتلال المدينة، وخلال فترة شهرين فقط ارتكبت تركيا 12 مجزرة بحق سكان عفرين.

واستمر الاحتلال التركي في نهجه بقتل المدنيين، خلال هجومه على مدينتي سري كانيه وكري سبي/ تل أبيض، في شهر تشرين الأول 2019.

ولعل أكثر المجازر دموية خلال هجمات الاحتلال التركي على مدينة سري كانيه، استهداف موكب المدنيين يوم 13 تشرين الأول 2019 بقصف مباشر، ما أدى إلى سقوط 13 مدنيًّا بينهم صحفيون، وإصابة أكثر من 70 آخرين، وكذلك المجزرة التي ارتكبها مرتزقة تركيا بحق الأمينة العامة لحزب سوريا المستقبل هفرين خلف في 12 تشرين الأول 2019 على الطريق الدولي M4 بين تل تمر وعين عيسى.

وقال المرصد السوري لحقوق في تقرير له نشره في نيسان/ أبريل الماضي، أنه منذ احتلال تركيا ومرتزقتها للمناطق السورية (إعزاز، الباب، جرابلس، عفرين، سري كانيه وكري سبي) فإن "مسلسل الأزمات الإنسانية والانتهاكات والفلتان الأمني يتفاقم شيئًا فشيئًا، فلا يكاد يمر يوم بدون انتهاك أو استهداف أو تفجير وما إلى ذلك من حوادث".

وأكد المرصد أنه "لاتزال منطقة عفرين تتسيد المشهد في كل مرة، حيث يتفنن المرتزقة بارتكاب الانتهاكات اليومية بحق أهالي المنطقة الذين رفضوا التهجير منها واختاروا البقاء في مناطقهم، بالإضافة إلى انتهاكات تطال المهجّرين إلى المنطقة أيضًا".

وبحسب إحصائية للمرصد نشرت في الشهر ذاته، فإنه وبسبب الهجمات التركية على مناطق شمال سوريا، قتل أكثر من 1500 شخص، بينهم 300 طفل، و150 امرأة، وأكثر من ألف رجل.

وكثف الاحتلال التركي ومرتزقة من الجرائم التي تهدف إلى تغيير هوية المناطق السورية المحتلة كجرابلس والباب وإعزاز وعفرين وسري كانيه وكري سبي.

وبعد أن غيّرت ديمغرافية هذه المناطق من خلال ترحيل سكانها الأصليين وتوطين الآلاف من المرتزقة وأسرهم وخصوصًا التركمان، بالإضافة إلى رفع الأعلام التركية، فرض الاحتلال التركي التداول بالعملة التركية بدلًا عن السورية.

وفي آخر خطوة للاحتلال، أعلنت ما تسمى الحكومة المؤقتة والمجالس التابعة لها بأنها تحضر لإصدار بطاقات شخصية، في خطوة خطيرة تهدد الهوية الوطنية السورية.

الجرائم التركية لم تقتصر على السوريين فقط، إنما شملت ليبيا والعراق وأرمينيا حيث ارتكبت تركيا ومرتزقتها جرائم حرب بحق شعوب هذه الدول من خلال تدخلها المباشر في الحرب واستخدام المرتزقة السوريين للتهرب من مسؤولية الجرائم التي ترتكبها باسم هذه المجموعات المرتزقة.

'سياسة النظام التركي لم تتغير'

https://www.hawarnews.com/ar/uploads/files/2021/05/05/180531_mstfa-qlah-jy.jpeg

وفي هذا السياق، يقول الأمين العام لحزب التغيير والنهضة السوري مصطفى قلعه جي: "أيام وتمر الذكرى السنوية الخاصة بإعدام عدد من السوريين المشار إليهم شهداء السادس من أيار".

وأضاف: "نعم لا تختلف سياسة الأمس عن اليوم، فسياسية النظام التركي لم تتغير منذ ذلك التاريخ وحتى الآن. النظام التركي لايزال يعمل على تحقيق الميثاق الملي التركي، حيث تحاول تركيا أن تستحوذ على ولاية حلب كما ورد في الميثاق الملي".

وأوضح أن "تركيا تمارس عملية تتريك في المناطق المغتصبة وترفع العلم التركي على جميع السواري وتتعامل بالليرة التركية والخليوي والكهرباء والماء وحتى المدارس والجامعات. تركيا تحاول مع شركائها أن تكمل احتلالها لمناطق سورية أخرى مثل عين عيسى ومحيطها ولا يغيب عن ذهننا أطماع تركيا في باقي المنطقة".

وطالب قلعه جي السوريين على اختلاف انتماءاتهم ما قبل الوطنية العودة إلى طاولة الحوار السوري - السوري وتغليب مصالحهم الوطنية على مصالح الدول المتدخلة في الشأن السوري، مختتمًا حديثه بالقول: "نعم؛ السوريون قادرون على العودة ببلادهم إلى جادة الصواب إن فعلوا".

(ح)

ANHA