​​​​​​​أمريكا والعراق.. حوار استراتيجي ونتائج مبهمة!

تجدد الحديث عن مصير القوات الأمريكية في العراق وذلك خلال الجولة الأخيرة من "الحوار الاستراتيجي" بين بغداد وواشنطن، ما أثار تساؤلات عديدة حول سياسة واشنطن في العراق، وإذا ما كانت تنوي الانسحاب فعلًا؟

​​​​​​​أمريكا والعراق.. حوار استراتيجي ونتائج مبهمة!
الخميس 15 نيسان, 2021   02:03
مركز الأخبار- يحيى الحبيب

أعلن العراق والولايات المتحدة الأمريكية، السابع من نيسان/ أبريل الجاري رغبتهما المشتركة بمواصلة التنسيق والتعاون الثنائي فيما بينهما.

وأكدت الدولتان خلال الجولة الثالثة للحوار الاستراتيجي التي عقدت بين وفد العراق برئاسة وزير الخارجية فؤاد حسين ووفد الولايات المتحدة برئاسة وزير الخارجية أنتوني بلينكن عبر الفيديو أن وجود القوات الأمريكية في العراق جاء بناءً على دعوة الحكومة العراقية لغرض دعم القوات الأمنية في حربها ضد داعش.

وتابع البيان أنه "وفي ضوء تطور قدرات القوات الأمنية العراقية توصل الطرفان إلى أن دور القوات الأمريكية وقوات التحالف الدولي قد تحوّل الآن إلى المهمات التدريبية والاستشارية على نحو يسمح بإعادة نشر المتبقي من القوات القتالية خارج العراق".

البيان أشار أيضًا إلى أن الطرفين سيتفقان على التوقيتات الزمنية المتعلقة بسحب القوات المقاتلة في "محادثات فنية مقبلة".

وهذه الجولة هي الأولى للعراقيين مع مسؤولين من الإدارة الأمريكية الجديدة، بعد جولتين من الحوار أجريتا مع إدارة الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب.

يذكر أن الرئيس الأمريكي السابق ترامب كان قد أمر بسحب القوات من العراق وأفغانستان في الأشهر الأخيرة لولايته، وتقلص عديد الجنود في البلدين الى 2500 في منتصف كانون الثاني/ يناير.

ويسعى الرئيس جو بايدن إلى سحب القوات الأمريكية من العراق وأفغانستان، في انسجام نادر مع السياسة التي انتهجها سلفه دونالد ترامب.

وكان الرئيس الأسبق باراك أوباما الذي كان بايدن نائبه أنجز انسحابًا كاملًا من العراق لكنه عاود إرسال قوات إليه في مواجهة هجوم داعش.

وتأتي هذه التطورات، فيما تتعرض القوات الأمريكية في العراق وبشكل شبه يومي لهجمات صاروخية تنسب إلى فصائل شيعية مرتبطة بإيران.

وتختلف مواقف الكتل العراقية المنقسمة طائفيًّا وقوميًّا بشـأن وجود القوات الأجنبية بشكل عام، حيث تتمسك القوى الموالية لإيران بوجود القوات الإيرانية وتهاجم الوجود الأمريكي، بينما تخشى القوى الموالية لتركيا والخليج العربي والكردية من انسحاب القوات الأمريكية ما يؤدي إلى تفرد القوى الموالية لإيران بالسلطة.

'انسحاب جزئي'

الكاتب والإعلامي العراقي علاء الخطيب تحدث حول ذلك قائلًا: "الحوار الأمريكي - العراقي   يعيد ترتيب العلاقة بين البلدين، وكذلك ينظم الصفة القانونية للقوات الأمريكية في العراق، وهي قوة ضمن قوات التحالف الدولي لمحاربة داعش، جاءت بطلب عراقي عام 2014، وخروجها يعني خروج جميع قوات التحالف الدولي، وهذا أمر غير مرحب به من كل القوى السياسية في العراق، فلازال خطر داعش موجودًا، كما حذّر قبل أيام تقرير لوزارة الدفاع الفرنسية من عودة داعش لسوريا والعراق فمادام الخطر موجود فلا بد من وجود قوات التحالف".

وأضاف "هناك نية أمريكية بالانسحاب الجزئي للقوات مع إبقاء عدد معين يتفق عليه الطرفان لغرض التدريب والدعم اللوجستي وكذلك لمحاربة الخطر الموجود، وهذا الآخر ينطبق على بقية القوات الدولية".

وحول السياسة الأمريكية الحالية في العراق أوضح الخطيب أنها "تتلخص في دعم الحكومة العراقية الحالية وهذا ما اتفق عليه في الجولة الثانية من الحوار وكذلك دعم الاقتصاد العراقي والتعاون في حل مشكلة الطاقة، إلا أن هذا الأمر مرهون بوضع حكومة الكاظمي داخليًّا، فهناك تحديات كبيرة تواجه الكاظمي منها السلاح المنفلت والتراجع الاقتصادي وكذلك ترتيب أولويات العلاقة الإقليمية، وعلى رأس ذلك العلاقة مع إيران".

وأضاف: "في الجانب الآخر هناك أزمة ثقة بين بعض الأطراف السياسية العراقية وأمريكا مما يعقّد المشهد، وكما هو معلوم للجميع، هناك إشكالية الاجماع الوطني على شكل العلاقة مع الولايات المتحدة، فالكرد والسنة وبعض الجهات الشيعية لهم رأي داعم للعلاقة الأمريكية، بالمقابل هناك فصائل شيعية تنظر إلى العلاقة مع أمريكا على أنها رجس من عمل الشيطان، وهذه الفصائل محسوبة على أيران".

وحول ارتباط ذلك بالتوتر بين أمريكا وإيران قال الخطيب إن هذا التوتر "مرتبط بشكل أو بآخر بعدة قضايا منها الملف النووي ونتائج المفاوضات، وكذلك الملف اليمني والسوري، وبالتالي هناك أزمة حقيقية في العلاقة بين الطرفين تنعكس بشكل أو بآخر على الواقع العراقية، ولا أعتقد أن هناك ربط بين التوتر بين إيران وأمريكا وبين سحب القوات، إن كان هناك سحب للقوات أصلًا".

وأوضح أن "هناك إعادة تنظيم ولكن ستبقى قوة تقدر بـ 2500 جندي أمريكي وكذلك ستبقى القواعد العسكريةـ وسيعاد ترتيب القوات، والجدير بالذكر أن عملية الانسحاب من العراق مطروحة منذ زمن الرئيس أوباما وليس الآن، ولعل امريكا لم تنظر إلى وجود القوات وأهميتها بوجود الخطر الايراني لكن هناك حسابات أمريكية مختلفة".

وحول موقف حكومة الكاظمي قال الخطيب إنها "تحاول التوازن ما استطاعت في العلاقة بين البلدين (أمريكا وإيران)، فهناك مصالح عراقية مع أمريكا، كما أن هناك مصالح مع إيران، فكلا البلدين مهمين بالنسبة للعراق".

وأوضح "كما هو معروف أن العراق يعتمد على إيران في تزويده بالكهرباء والغاز، وكذلك هناك علاقات تجارية بين البلدين، والعراق يعتقد أن العلاقة مع إيران مهمة ولكن يجب أن تكون في إطارها الصحيح، بلا شك هناك خلل في العلاقة يجب أن يصحح، وهذا ما يسعى له الكاظمي".

وحول موقف القوى السياسية من ذلك أشار الخطيب إلى أنها "منقسمة بشأن العلاقة مع أمريكا، القوى القريبة من إيران ترفض العلاقة وبقية القوى السياسية تعتبر العلاقة مع أمريكا مهمة وضرورية، وهي تتوجس من الفصائل المسلحة أن تحكم سيطرتها فيما لو انسحبت القوات الأمريكية كاملة".

وأضاف: "مسألة التقسيم غير مطروحة، وغير ذات فائدة لجميع الاطراف، وهي رؤية مرفوضة من قبل الواقع الاقليمي والدولي، فهناك إجماع ومصلحة في بقاء العراق موحدًا بهذه الصيغة".

'ذريعة أمريكية'

وبدوره الباحث في العلاقات الدولية والشؤون الإيرانية الدكتور إياد المجالي، قال حول ذلك: "بذريعة خطورة الملف الأمني وحفظ الاستقرار في العراق تستمر الولايات المتحدة الأمريكية في إحكام سيطرتها على مواقع استراتيجية ونقاط أمنية مهمة في إطار الاتفاقية الاستراتيجية التي تضبط العلاقة بين الطرفين والموقعة عام 2008م".

وأوضح أن هذه الاتفاقية "تؤكد في مضامينها على مبررات الوجود العسكري الأمريكي في العراق وتحديد الأعداد التي تحتاجها خطط وأولويات صانع القرار السياسي الامريكي في المنطقة، خاصة وأن إدارة الرئيس جو بايدن تعود بمبررات إبقاء الوضع القائم وتعزيز للوجود العسكري بشكل يجعل ملفات الأمن ومكافحة الإرهاب والاقتصاد والطاقة والتعاون في مجال التمكين الصحي للعراق جزءًا من أولوياته في المشهد السياسي، وبمشاركة الحكومة العراقية التي تدفع بهذا المسار وتحاول أن تسوقها على أساس مغاير لحقيقتها على أن قوات التحالف تتمركز في قواعد مدججة بكافة أنواع الأسلحة والأجهزة الاستخبارية التي توجد على أرض العراق لغايات التدريب وتقديم المشورة للجيش العراقي لضمان عدم تمكن داعش من تجديد عملياته، كما تسوق السلطة السياسية العراقية أن الولايات المتحدة ملتزمة بسيادة العراق رغم هذا الوجود للقوات الأمريكية على الأرض العراقية، محكومة باتفاقية محددة".

وأضاف المجالي: "من أبرز التحديات التي تعيق أي تحرك سياسي عراقي داخليًّا وخارجيًّا، والتي تمثلت بحجم الضغوط التي تمارسها القوى السياسية والفصائل المسلحة الحليفة لإيران، خاصة في مواجهة الاتفاقية الاستراتيجية وتداعياتها الميدانية بالوجود العسكري للقوات الأمريكية بمشاركة قوات التحالف".

وأوضح أنه "لذلك يترجم الصراع الإيراني الأمريكي بتوظيف أذرع طهران في العراق لممارسة كل ما من شأنه رفع مستوى التصعيد والتوتر حسب معطيات المشهد في تنامي الخلاف حول الاتفاق النووي الايراني ومشاريع طهران التوسعية في المنطقة، ومطالباتهم المستمرة بإخراج القوات الأميركية، وإنهاء دور التحالف الدولي في العراق".

وتابع: "الأمر الذي يتقاطع مع توجهات الكاظمي وفريقه الوزاري، لأنهم على قناعة وانسجام مع الولايات المتحدة، بأن البلاد ما زالت بحاجة للدعم الغربي، في الوقت الذي تتحفظ قوى سياسية كردية وعربية سنية على الضغوط بشأن إخراج القوات الأجنبية من العراق.

فهناك قوى الدولة التي لديها تفهم لحاجات العراق وأولوياته في التعاملات الأمنية والعسكرية وأهميتها مع الولايات المتحدة، وتعتبرها ناجمة عن إرادة إيرانية وليست عراقية وطنية، مع تأكيد الحكومة العراقية بأنها تبحث هذا الجانب مع الشركاء الأمريكيين وقوات التحالف بشأن وضع إطار زمني للوجود الأجنبي ووضع برنامج استشاري للتدريب والدعم بعيدًا عن أي دور قتالي لتلك القوات، مع الإبقاء على الغطاء الجوي للتحالف الدولي، في الوقت الذي لم تخفِ فيه حكومة الكاظمي مخاوفها من توجهات الرئيس بايدن تجاه مسألة الدعم العسكري للعراق وتخفيض قواته مع تنامي التهديدات التي تواجهها القوات الأجنبية عامة والأمريكية خصوصًا في العراق من قبل الفصائل المسلحة".

وأشار إلى أن "الجانب المناوئ لهذا الوجود العسكري يتمثل بالجناح السياسي للحشد الشعبي، في البرلمان، الذي يتخذ موقفًا حازمًا تجاه ملف إنهاء الوجود الأميركي، ومراعاة الرغبة البرلمانية التي قضت بإنهاء هذا الوجود، ومنع تحقيق أي مصالح أمريكية يرفضها الشعب العراقي، خاصة وأن الولايات المتحدة تماطل في ملف إنهاء وجود قواته في العراق، تحت عناوين وأعذار ومبررات أمنية يشدد الجناح السياسي الشيعي والقوى السياسية والفصائل المسلحة الحليفة لإيران بأنها أعذار مكشوفة ولا تستحق استمرار بقائها، وأنها لا تريد سوى مصالحها، وخدمة الكيان الصهيوني، من خلال حجج الإعمار وتطوير البنى التحتية العراقية وتقديم الخدمات، والسعي إلى تفكيك الحشد الشعبي، الأمر الذي اعتقد أنه يجعل من إنهاء الوجود العسكري الأمريكي في العراق أمرًا غير وارد حاليًّا".

ماذا لو انسحبت القوات الأمريكية فعلًا؟

وحول تأثير انسحاب القوات الأمريكية أو بقائها على الوضع العراقي قال المجالي: "لا شك أن أثر الانسحاب أو البقاء للوجود الامريكي في العراق يرتبط بحجم المؤشرات التي تعكس نتائج استمرار هذا الوجود وتنامي العنف الطائفي بدوافع وأشكال متعددة، خاصة وأن البيئة العراقية تتميز بالتعدد العرقي والأثني الواسع التي عزز الاحتلال الأمريكي للبلاد بعد 2003 الى تفكيك لحمتهم وتقسيمهم إلى كنتونات سياسية زرعت بينهم مسوغات الصراع والتناحر والتنافس والعنف الطائفي في محور الصراع السياسي في الدولة العراقية. الأمر الذي حوّل البلاد إلى حالة من عدم الاستقرار والتوتر بينهم، أعاقت عمليات بناء الدولة وانقسام أبنائها، فيما يأتي أثر الاحتلال الأمريكي عاملًا معززًا للعنف الطائفي والعرقي، وسعى إلى وضع نظام سياسي قائم على أساس طائفي وعرقي، ووضع دستورًا مهددًا لوجود دولة رخوة ومفككة، وقد ترتب على ذلك انتشار الفوضى في البلاد، وعدم ضبط حدودها، مما يسر الطريق لدخول عناصر مسلحة كان لها دور فعّال في العنف الطائفي خاصة القاعدة وداعش والحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني".

ويرى المجالي أن "أثر الاحتلال الأمريكي على تعزيز العنف السياسي الطائفي في العراق في الفترة من 2003 حتى 2017، جاءت معزز لخطورة العنف السياسي الطائفي وبالتحديد على الأمن والسلم المجتمعي وعلى وحدة العراق،  خاصة مع تنامي الادعاءات بأن الحل المناسب لمشكلة العنف الطائفي في العراق هو تقسيمه إلى 3 دول على أساس عرقي وطائفي، وإعطاء فرصة للقوى الخارجية للتدخل في الشأن الداخلي بحجة حماية استقرار الدولة، وتأثير العنف الطائفي على العملية السياسية في العراق، والتي تصل أحيانًا إلى العنف بين أبناء المذهب الواحد، ثم يؤثر ذلك على استقرار ووحدة الدولة".

(ح)

ANHA