السويداء تدفع ثمن مطالبها بنظام ديمقراطي
نوروز عثمان
شاهدنا معاً طيلة الأزمة السورية أحداثاً أثارت الجدل حول مجريات الأزمة والتي يرجع سببها الرئيس إلى مطالب الشعب السوري بتغير آلية الحكم في سوريا, خاصة أن هناك نقاطاً اندلعت منها الأزمة واستمرت بمطالبها خلال مراحل الثورة كدرعا وإدلب على وجه الخصوص وقسم من أحياء حلب الشرقية ومناطق أخرى من سوريا.
كلنا يتذكر مقولة "الشعب يريد إسقاط النظام" التي ما زالت تتردد في أذهاننا. في الواقع لا يمكننا التغاضي عن هذا الشعار الذي نادى به آلاف السوريين رغبة بتغيير الحكم البعثي الذي ظل يفرق بين مكونات وثقافات الشعب السوري على مدار سنين طويلة. نعم لعل تلخيص ماضي الأزمة السورية بهذه العبارات قد يكون مدخلاً إلى مغزى الحدث.
مثلما كانت درعا رائدة وللمرة الثانية في تمردها على نظام الحكم في تاريخ سوريا, وإدلب التي تحولت إلى مستنقع لأطراف الصراع في ل"صراع الحرب, وحلب التي لم تصل إلى بر الأمان بعد، نرى اليوم أن مدينة السويداء مازالت تشهد مساراً آخر في هذه القضية. خاصة أن محافظة السويداء تمتلك نموذجاً اجتماعياً خاصاً بها, حيث تعيش الطائفة الدرزية في تكوينها وهذا يعني أنها تمتلك وجهة نظر عقائدية خاصة بها.
محافظة السويداء
تقع محافظة السويداء في الجنوب الشرقي من دمشق وتحدها محافظة دمشق من الشمال ومحافظة درعا من الغرب والبادية السورية والصفا من الشرق والأردن من الجنوب. تبلغ مساحتها 6550 كم مربع. تأتي تسمية السويداء نسبة إلى اللون الأسود لأن المدينة بنيت قديماً بحجارة بركانية سوداء. ويعود تاريخ إعمارها إلى القرن الـ18 الميلادي.
وشهدت مدينة السويداء انطلاقة ثورات عدة ضد الحكم العثماني والثورة السورية الكبرى ضد الاحتلال الفرنسي بقيادة سلطان باشا الأطرش الدرزي الأصل عام 1925. وكان لأهالي السويداء دور كبير في الوقوف في وجه الاحتلال العثماني والاستعمار الفرنسي لسوريا.
ماذا جرى في السويداء ؟
محافظة السويداء ظلت تحت سيطرة النظام السوري طيلة الأزمة السورية وبقيت محافظة على الوضع بهدوء بعيداً عن الأزمة والصراع الذي شهدته باقي المحافظات السورية.
ولكن في شهر تموز من العام الجاري, شن مرتزقة داعش هجوماً على محافظة السويداء راح ضحيته المئات من المدنيين وأغلبهم من النساء والأطفال وكان من أكثر الهجمات الدموية حتى الآن.
وفيما بعد اتضح للعيان أن النظام السوري هو من دفع بداعش إلى السويداء لتلقين أبناء السويداء درساً لأنهم رفضوا الالتحاق بقوات النظام.
أنباء تفيد أن من قام بخطف النساء في السويداء هم النظام السوري والروس أنفسهم
واليوم تتحدث روسيا عن صفقة بينها وبين أبناء السويداء حول إطلاق سراح المختطفات في السويداء مقابل تجنيد أبناء السويداء في الخدمة العسكرية لقوات النظام السوري. وأفادت مصادر موثوقة من داخل السويداء بأن النظام السوري طالب أهالي السويداء بتجنيد ما يقارب 60 ألف شاب من مدينتهم مقابل إطلاق سراح المختطفات. ومن جهة أخرى هناك قناعة لدى الكثيرين من أهالي السويداء أن النظام السوري وروسيا على يقين بأن قوات سوريا الديمقراطية قد اقتربت من تحرير المختطفات وذلك بتبادل الأسرى، لذا يلجأ النظام وروسيا إلى خلق العوائق وبشتى الوسائل لمنع ق س د من تحقيق تلك العملية.
ويفيد المصدر الخاص بأن روسيا والنظام قد قاموا بنقل مرتزقة داعش من جنوب دمشق ومن ثم من حوض اليرموك بالباصات المكيفة إلى بادية السويداء وبالتالي قام مرتزقة داعش بشن هجوم على منطقة السويداء وخطف النساء ولا يوجد شك بهذه العلاقة بين النظام ومرتزقة داعش. أي عملت كل من روسيا والنظام على تسهيل مرور داعش إلى المنطقة للضغط على أهالي السويداء والدروز للرضوخ لمطالب النظام والروس أولاً وعدم السماح لأهالي السويداء بحكم ذاتي مستقبلاً. خاصة أن أهالي القنيطرة والجولان هم من الدروز أيضاً.
وروسيا تربح من صفقتها هذه، أمرين اثنين هما:
1- إبعاد السويداء عن محيطها الجغرافي وتقليل مخاوف الروس والنظام من خطر تشكيل الحكم الذاتي وبالتالي تكون قد حققت انشقاقاً بين صفوف الدروز.
2- كسب شباب السويداء إلى صفوفها, لأن محافظة السويداء تعد من المحافظات التي لم يقم شبابها بخدمة النظام كباقي المحافظات السورية.
فأحداث السويداء تثبت حاجة المجتمع السوري إلى التعددية والديمقراطية وإدارة مشتركة لها اليوم على عكس ممارسات النظام السوري الحالي الهادف إلى إنكار فسيفساء المجتمع السوري, وهذا ما يطيل بعمر الأزمة السورية على حساب زيادة النظام لمطامعه في العودة إلى عهده القديم دون تحقيق الديمقراطية أو الاستماع لمطالب الشعب السوري، وبالتالي إفراغ مضمون الثورة السورية التي تحولت إلى أزمة تبحث عن حل لها إلى أجل غير مسمى.
(ك)
ANHA