حياة القائد عبد الله أوجلان تحت التهديد - ضياء إسكندر
باتت معروفة للقاصي والداني، قصة المؤامرة الدولية التي حاكتها مجموعة من الجهات، وشاركت فيها أجهزة استخبارات إقليمية ودولية تحت إشراف المخابرات الأمريكية الـ (سي آي إيه) والموساد الإسرائيلي، للإيقاع بالمناضل عبد الله أوجلان، والتي أدّت إلى اعتقاله يوم 15 شباط 1999 في العاصمة الكينية نيروبي، حيث نُقل بطائرة خاصة إلى تركيا، ليُزجّ به في زنزانة منفردة في جزيرة إمرالي في بحر مرمرة، وليصدر بحقه حكم الإعدام الذي تحوّل فيما بعد إلى السّجن مدى الحياة، بعد أن ألغت أنقرة عقوبة الإعدام في آب 2002؛ نتيجة الضغوط الشعبية التي عمّت كافة الأرجاء المناصرة لقضيته، ومحاولة منها للتلاؤم مع قوانين الاتحاد الأوروبي.
وخلافاً للمعهود، وبدلاً من أن تخبو وتنطفئ شعلة تأثيره على شعب المنطقة والعالم جرّاء سجنه، فقد انتشرت فلسفته وأفكاره من خلال الكتب والموضوعات التي ألّفها وهو قابعٌ في زنزانته، عبر طرح مفهوم الأمة الديمقراطية، وتطوير مفهوم حرب الشعب الثورية، التي وصلت أوجها الآن في عموم كردستان، وبشكلٍ خاص في روج آفا وشمال وشرق سوريا.
وعلى الرغم من اعتقال هذا القائد المناضل، إلا أن أفكاره الحرة ومقترحاته للحلول الديمقراطية لاقت صدىً وقبولاً كبيراً من شعوب الشرق الأوسط والعالم. حيث حوّل سجنه إلى منارة للأفكار الحرة، بمجلداته الخمسة التي كتبها كمرافعات لمحكمة الحقوق الأوروبية، والتي قدّم فيها مقترح الأمة الديمقراطية لحل قضايا المنطقة والعالم.
تبنّى آلاف المثقفين والباحثين والأكاديميين في الشرق الأوسط والعالم أفكار وفلسفة القائد عبد الله أوجلان، ما جعل النظام الفاشي في تركيا يرغي ويزبد، ويشدد من العزلة المفروضة عليه، وخاصةً في السنوات الأخيرة، كنوعٍ من الانتقام من جهة، وكبح انتشار أفكاره من جهة أخرى، لأنها تشكّل خطراً على مخططاته في إبادة الشعب الكردي. معتقداً - وهو الغارق في الأوهام - أنه بتشديده العزلة عليه، سيُضعِف من عزيمته، ويضع حدّاً لنضال الشعب الكردي وقضيته العادلة.
ومنذ أكثر من عامين، شدّد هذا النظام الفاشي العزلة على القائد، ومنع محاميه وذويه من اللقاء به، وبات "يتفنّن" في فرض العقوبات الانضباطية عليه دون أيّ مبرر قانوني، لحرمانه الاستفادة من قانون «الحق في الأمل» بإخلاء سبيله بعد تجاوزه سنّ السبعين، وسط صمتٍ مخزٍ للقوى الدولية وتقاعس المنظمات المعنية بحقوق الإنسان.
ولمّا باءت جميع أساليبه وممارساته اللا قانونية واللا إنسانية في كسر إرادة الشعب الكردي وقواه السياسية المناهضة لمخططاتها الاستعمارية بالفشل، شرع النظام في خطة دنيئة جديدة إمعاناً في ارتكاباته الجرمية، غير مكتفٍ بتشديد العزلة والحصار على قائدهم، إذ أفصح عضو المجلس التنفيذي لمنظومة المجتمع الكردستاني، صبري أوك، مؤخراً خلال حديث مع فضائية ستيرك، عن قيام الدولة التركية وإدارة سجن إمرالي بتسليم رسائل تهديد للقائد عبد الله أوجلان، دون أن تحمل هذه الرسائل اسماً أو عنواناً. قائلتين في تلك الرسائل للقائد آبو: "سنعطيك كذا سمّ لكي تموت به، والحشرات التي ستأكل جسدك أيضاً ستموت بذاك السمّ"، كما قالتا أيضاً: "سوف تموت يوماً فيوم، ولكنك لن تحسّ بذلك".
وبغضّ النظر عن الطريقة التي تمكن بها صبري أوك من معرفة هذه الرسائل وما تضمّنته من تهديد صريح، فإني أعتقد بأن هذه التهديدات ليست من قبيل الحرب النفسية فقط، التي دأبت عليها سلطات الاحتلال التركي عبر ممارساتها طوال فترة احتجاز القائد في إمرالي، بل هي نيّة مبيّتة ومدبّرة للنيل من هذه الشخصية الوطنية الفذّة التي قضّت مضاجع النظام الفاشي في أنقرة ومن يتحالف معه من قوى الشرّ في العالم.
ومما لا ريب فيه، أنه ينبغي أخذ هذا التهديد على محمل الجدّ، والعمل على وجه السرعة على تشكيل طواقم قضائية من المحامين للمطالبة بالإفراج عنه، والتوجه إلى المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية، لتقديم دعاوى قضائية ليس ضد تركيا فقط، بل أيضاً ضد حلف الناتو الذي قام باعتقال القائد وسلّمه إلى تركيا.
كما يجب تصعيد النضال بمختلف أشكاله وتجنيد وسائل الإعلام كافةً؛ لا سيما الصديقة منها في دول أوروبا - لأن وسائل الإعلام المحلية يجري طمسها والتعتيم عليها من قبل جميع الجهات المتضررة منها - وذلك لتكريس جهودها وتقديم شكوى عاجلة إلى كافة المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان، ورفع الصوت عالياً للضغط على دولة الاحتلال التركي وفضح مؤامرتها الخبيثة التي تُعِدّ لها، وذلك حرصاً على سلامة القائد وإنقاذه من الاغتيال المخطط له، وربما الوشيك حدوثه. وهذا أبسط شيء يجب عمله للقائد أوجلان وفاءً منّا لمسيرته النضالية الطويلة وعرفاناً وتقديراً لتضحياته العظيمة.
ANHA