سعي عربي لاحتواء دمشق لإبعادها عن تركيا وإيران
بعد أن أصبح الموضوع السوري في المراتب الأخيرة بالاهتمام الأميركي، وكذلك زيادة نفوذ كل من إيران ودولة الاحتلال التركي في هذا البلد، تحاول الدول العربية استغلال الكارثة التي تسبب بها الزلزال الأخير عبر التسريع بعملية التطبيع مع حكومة دمشق؛ للحد من النفوذ الإيراني والتركي.
في رسالة تضامن إثر الزلزال المدمر، وصل وزير الخارجية المصري، سامح شكري، صباح الإثنين إلى سوريا في زيارة هي الأولى إلى دمشق منذ أكثر من عقد.
قد يجد بشار الأسد في هذا التضامن العربي الرسمي معه إثر الزلزال؛ فرصة لتسريع تطبيع علاقاته مع محيطه العربي هذا من جهة، ومن جهة أخرى، تمثل زيارة شكري لسوريا، سعي عربي؛ لتقليص نفوذ كل من إيران وتركيا.
وعلى الرغم من تجاهل، سامح شكري في تصريحات صحفية لأسئلة الصحفيين عن التطبيع العربي مع حكومة دمشق، وأصرّ على أن الهدف من الزيارة إنساني فقط، وأن هدف زيارته غير سياسي بل تأتي في إطار "إيصال رسالة تضامن" بعد كارثة الزلزال المدمّر، إلا أن طبيعة الدور التي تحاول أن تلعبه مصر، وخاصة أنها تعتبر نفسها تاريخياً، "الأخ الأكبر" لسوريا، يأخذ مسارات أوسع من المسار الإنساني.
وصل سامح شكري، صباح الإثنين، إلى دمشق والتقى أولاً نظيره، فيصل المقداد، كما التقى ببشار الأسد، الذي سلمه رسالة من نظيره المصري، مفادها أن الأخير"أكد فيها تضامن مصر مع سوريا واستعدادها لمواصلة دعم السوريين بمواجهة آثار الزلزال، وأبلغ سيادته تحيات الرئيس السيسي واعتزازه بالعلاقات التاريخية بين سورية ومصر، وحرص القاهرة على تعزيز هذه العلاقات وتطوير التعاون المشترك بين البلدين".
التحرك المصري، باتجاه دمشق لم يكن الأول من نوعه، بل حصلت عدة لقاءات على مستوى الاستخبارات بين البلدين، ولعل ما يجمع البلدين هو أكثر ما يفرقهما؛ فالبلدين عانا من الإخوان ومن تركيا.
سبقت هذه الزيارة؛ سلسلة من الخطوات، إعادة دمشق للحاضنة العربية، سواء على مستوى اتصال الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، ببشار الأسد، أو فيما يتعلق بالزيارات التي سبقتها لوفود برلمانات عربية، وصلت الأحد، أو حتى بتوجه بشار الأسد نفسه قبل ذلك إلى سلطنة عمان في ثاني زياراته الخارجية لدولة عربية منذ 2011، بعد الإمارات، ناهيك عن التسريبات الصحفية التي تحدثت عن زيارة مرتقبة لوزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان لدمشق.
بن فرحان، لم ينف ولم يؤكد الزيارة، إلا أنه تحدث عن "وجود إجماع بدأ يتشكل في العالم العربي على أنه لا جدوى من عزل سوريا وأن الحوار مع دمشق مطلوب في وقت ما، حتى تتسنى على الأقل معالجة المسائل الإنسانية بما في ذلك عودة اللاجئين".
علاوة على ذلك، كان الأسد قد تلقى اتصالاً قبل أسبوعين، من ملك البحرين، حمد بن عيسى آل خليفة؛ هو الأول منذ أكثر من عقد، فيما استقبل وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، في لقاء هو الأول من نوعه أيضاً منذ اندلاع الحرب.
ومنذ السادس من شهر شباط الحالي، كان لافتاً التحوّل الذي طرأ على صعيد مواقف غالبية الدول العربية-باستثناء قطر والكويت- حيال حكومة دمشق، وعلى الرغم من أنها تندرج ضمن "دبلوماسية الكوارث"، إلا أنه لا يمكن فصلها عن المساعي القديمة الجديدة لإعادة حكومة دمشق إلى "الحضن العربي".
يشير المراقبون إلى أن توجه الدول العربية هذا، مرتبط بعدم انجرار سوريا أكثر نحو الفلك الإيراني والتركي، ولاسيما في ظل المساعي الروسية للتقريب بين حكومة دمشق وحكومة الاحتلال التركي؛ ما سيشكل ضربة للمحور العربي والذي تقوده كل من السعودية والإمارات ومصر.
ولعل الأطراف الثلاثة، يسعون إلى تشكيل مسار مشابه لمسار أستانا عربي (مصر، السعودية، الإمارات) على غرار مسار أستانا غير العربي (روسيا، تركيا، إيران).
وتشير التحليلات إلى أن الأسد قام بخطوات تسهل من عودته للحاضنة العربية، ولعل أبرزها؛ موافقة بشار الأسد على السماح بتوصيل المزيد من المساعدات إلى شمال غرب البلاد، وذلك بطلب من الإمارات.
وفي هذا الصدد، قالت أربعة مصادر لوكالة رويترز إن: "دور الإمارات في إقناع الأسد يوحي بأن الدولة الخليجية بدأت تمارس قدراً من النفوذ في دمشق، وإن ظلت روسيا وإيران اللاعبين الأجنبيين المهيمنين هناك".
ربما أدركت الدول العربية، بأن إبعاد دمشق عن طهران أمر مستحيل، وبأن غيابها سمح لطهران وغيرها بالاستفراد بسوريا، ولذلك بدأت في الانخراط السياسي مع حكومة دمشق؛ بغية تحقيق التوازن في النفوذ مع الدول المتدخلة في هذا البلد.
كما يشير محللون إلى أن المساعي العربية نحو التطبيع مع حكومة دمشق بدأت تزداد، بعد الانسحاب الجزئي الأميركي من شمال سوريا، حيث اعتقدت الدول العربية، بأن واشنطن لم تعد تكترث بسوريا كما كانت من قبل، ولذلك سارعت بعض الدول العربية إلى إقامة علاقات مع حكومة دمشق.
ويبقى أن نرى خلال الفترة المقبلة، إلى ما ستؤول إليه الأحداث في سوريا، وكذلك طبيعة العلاقة ما بين الدول العربية ودمشق، فحتى الآن، لم تتضح الصورة العامة، عما إذا كانت الخطوات المتعلقة بإعادة حكومة دمشق لـ "الحضن العربي" ستنجح بالفعل في المرحلة المقبلة، لا سيما مع تأكيد الولايات المتحدة ودول غربية على أنها تعارض أي عملية تطبيع، في وقت تواصل إجراءاتها المتخذة ضد دمشق، من أجل تقديم حكومة دمشق؛ تنازلات سياسية.
(ي ح)
ANHA