في ذكرى تحرير كوباني.. الاحتلال التركي ينتقم لداعش برسائل من نار
فيما يغفل المجتمع الدولي عن وحشية الاحتلال التركي في الحرب التي يخوضها ضد مقاطعة كوباني وشمال وشرق سوريا، تسعى تركيا إلى ضرب رمز المقاومة العالمية في رسائل واضحة؛ انتقاماً لمرتزقة داعش.

في الـ 26 من كانون الثاني/ يناير من عام 2015، أعلنت وحدات حماية الشعب والمرأة تحرير كامل كوباني من داعش المدعوم من أنقرة، ليشكل ذلك نقطة تحوّل في مسار الحرب في سوريا والعراق ضد الإرهاب، وخاصة بعد أن خسرت الدولتان مساحات شاسعة من أراضيها لصالح مرتزقة داعش.
وتم تدمير70% من مساحة مدينة كوباني البالغة 7كم2، تعرض 30 % منها للدمار الكلي شمال ووسط المدينة، بينما تعرض 40% للدمار الجزئي؛ جراء المعارك التي استمرت أشهراً.
كوباني...المحطة الأولى لهزيمة داعش
أعوامٌ عجاف عاشها السوريون وكذلك العراقيون إلى جانب دول أوروبية في ظل سيل الدماء في شوارع المدن، وخاصةً التي احتلها داعش بين عامي 2014 و2019.
احتل داعش مساحات شاسعة بين سوريا والعراق وألغى الحدود بينهما. عاش داعش الذي استفاد من الفوضى والفراغ الأمني في البلاد مراحل بين الصعود والهبوط، وتمكن المرتزقة القادمون من مختلف دول العالم من السيطرة على عددٍ من أكبر المدن في سوريا والعراق "الموصل، والرقة، ودير الزور، وتكريت، والفلوجة...".
هذا وسمحت تركيا لألاف المرتزقة بالعبور عبر أراضيها إلى سوريا، قادمين من 110 دول حول العالم بين عامي 2014 و2016.
وشكّلت معركة كوباني التي لقي فيها أكثر من 6 آلاف مرتزق حتفهم على مدى 5 أشهر داخل المدينة الملاصقة للحدود مع شمال كردستان، نقطة تحول في كسر شوكة داعش، على الرغم من الدعم التركي للسيطرة على المدينة.
الهجمات التركية ضد كوباني لم تهدأ منذ هزيمة داعش
تحررت المدن والبلدات والقرى السورية يوماً بعد يوم، وبدأ داعش بالانهيار بعد خسارة مدن مثل منبج والطبقة والرقة حتى حوصرَ في مساحةٍ جغرافية لا تتعدى 1000م2 في الباغوز، إذ استسلم 3 آلاف من المرتزقة لقوات سوريا الديمقراطية بالإضافة إلى الآلاف من أسرهم بعد معارك شرسة خاضها الطرفان لأشهر.
ولا تتوانى تركيا عن مهاجمة مقاطعة كوباني التي تضامنت شعوب أكثر من 93 دولة حول العالم مع مقاومتها ضد داعش، إذ تعتبر تركيا سكان هذه المنطقة الذين يدافعون عن أرضهم "إرهابيين"، فيما شكل تحرير مدينة كوباني في كانون الثاني/ يناير عام 2015 الهزيمة الأولى لداعش على الرغم من المساندة التركية المباشرة له آنذاك.
لم يهدأ القصف والتهديدات التركية التي طالت المناطق الحدودية السورية بهدف إعطاء دفعات معنوية لداعش في حربه المصيرية في آخر جيب له، إذ وثقت عشرات الوكالات والمحطات والوثائق السرية علاقة الاستخبارات التركية وداعش المتينة في خطةٍ للسيطرة على مناطق في سوريا والعراق، والتي باءت أغلبها بالفشل، عدا المسرحية الهزلية بين داعش والجيش التركي في جرابلس والباب. حيث سلم داعش شمال حلب لتركيا.
استهدفت الطائرات المسيّرة التركية 9 مرات مواقع آهلة بالسكان في مقاطعة كوباني على مدى عامين، كان آخرها في الـ 8 من كانون الثاني الجاري، أسفرت عن استشهاد 12 مواطناً.
يأتي ذلك، فيما يهدد المسؤولون الأتراك، وفي مقدمتهم أردوغان، بشن عدوانٍ يستهدف مقاطعة كوباني، مستفيدين من صمت المجتمع الدولي والدول "الضامنة" ومنظمات حقوق الإنسان التي بدت عكس ما كانت عليه خلال هجوم داعش على كوباني.
لم يتوقف القصف التركي منذ 7 أعوام على الريفين الشرقي والغربي وأحياء مدينة كوباني، كان آخره في الـ 8 من كانون الثاني/ يناير الجاري، إذ استهدف الاحتلال مركز المدينة إلى جانب 6 قرى في الريف الشرقي بالأسلحة الثقيلة، ما أدى إلى استشهاد مدني وإصابة 12 آخرين، بينهم نساء وأطفال.
يقول نائب الرئاسة المشتركة للمجلس التنفيذي في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، حسن كوجر، في لقاءٍ أجرته وكالتنا إن "ما شاهدناه من عمليات استهداف جوية وهجمات استهدفت مقاطعة كوباني خلال الفترة الأخيرة، ليست إلّا رسائل تركية واضحة ضد رمز المقاومة، مدينة كوباني، ومفادها سننتقم لداعش ومن هزيمته في المدينة".
يضيف كوجر حول ادعاءات دولة الاحتلال التركي: "إذا كانت تركيا تدّعي أنها تحمي أمنها القومي، فلهذا الشعب أيضاً أمنٌ قومي، إنه شعبٌ ديمقراطي وحر، لماذا يتم تجاهل وجود هذه الشعب إلى هذه الدرجة، إنه أمر غير أخلاقي وغير منطقي".
'المصالح المتبادلة بين دول العالم وتركيا تفرض واقعاً خبيثاً'
لم تعلق القوى الفاعلة، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، حول الانتهاكات التركية المستمرة ضد شمال وشرق سوريا، رغم وحشية الهجمات وجرائم الحرب التي ارتكبتها تركيا والمجموعات المرتزقة التابعة لها.
يشير حسن كوجر إلى أن "المصالح المتبادلة بين دول العالم وتركيا تفرض واقعاً خبيثاً، لذلك فإن الصمت المتواصل سيفضي في النهاية إلى انتشار المجموعات الإرهابية التي تدعمها تركيا في العالم".
ويقول كوجر: "التحالف الدولي المشكّل لمحاربة داعش يدّعي أنه يحارب الإرهاب في سوريا، والدولة التركية التي هي عضوٌ في حلف الشمال الأطلسي أكبر الداعمين لداعش، وهي السبب في انتشار الفوضى في المنطقة"، ويتساءل "أين موقف التحالف الدولي من ذلك؟".
مضيفاً "إذا تحدثنا عن مخيم الهول، أخطر المناطق في العالم، والعمليات الإجرامية التي يشهدها، فالسبب الأول والرئيس في ذلك هو هجمات الاحتلال التركي على شمال وشرق سوريا ودعمها لخلايا داعش في المنطقة".
تحويل المناطق المحيطة بكوباني إلى بؤرة لداعش والنصرة
وكان القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي، أكد خلال لقاءٍ متلفز عقب العدوان التركي على منطقتي سري كانيه وكري سبي أن قواتهم وثقت أسماء 47 متزعماً لمرتزقة داعش التجؤوا إلى تركيا بعد هزيمتهم، وخاضوا المعارك إلى جانب جنود الاحتلال التركي في احتلال الأراضي السورية.
وكانت الدولة التركية تعلم أين يختبئ زعيم داعش أبو بكر البغدادي الذي قُتل في عملية مشتركة خاصة بين الولايات المتحدة وقوات سوريا الديمقراطية، على بعد بضع كيلو مترات فقط من الحدود التركية في محافظة إدلب.
كما قتلت طائرة مسيّرة للتحالف الدولي في تشرين الأول/ أكتوبر العام المنصرم؛ المتزعم في داعش، صباحي الإبراهيم المصلح الملقب بـ "أبو حمزة الشحيل" مع اثنين من مرافقيه؛ في قرية العدوانية بريف سري كانيه/ رأس العين المحتلة، إلى جانب قتل عبد الحميد مطر المتزعم في مرتزقة "حراس الدين" التابعين للقاعدة في قرية عربيد في منطقة كري سبي/ تل أبيض شمال سوريا ضمن المناطق التي تحتلها تركيا.
في هذا الإطار يؤكد حسن كوجر أن المناطق المحتلة أصبحت بؤرة لمتزعمي داعش، وأن من يديرون مناطق عفرين، وسري كانيه وكري سبي أصبحوا واضحين للجميع تحت غطاء الدولة التركية، متسائلاً "لماذا يلاحق التحالف الدولي خلايا داعش النائمة إذا كانت هناك مناطق مكتظة بمرتزقة داعش تديرها تركيا".
دعا حسن كوجر التحالف الدولي إلى تبيان موقفه، هل يدعم المشروع الديمقراطي في المنطقة أم الإخوان المسلمين؟ قائلاً "إن استهداف المشروع الديمقراطي في شمال وشرق سوريا هو إجابة واضحة لدعم مشروع الإخوان المسلمين"، مشدداً "على المجتمع الدولي أن يعلم أن أيَّ تمدد للدولة التركية على حساب شمال وشرق سوريا يعني أن الخطر العالمي يتمدد، لذا عليه أن يدعم المشروع الديمقراطي لإرساء الأمن والاستقرار في المنطقة".
عن الموقف الروسي أشار كوجر إلى أن لا حماية روسية في المنطقة، فهي قد دخلت المنطقة بحكم الأمر الواقع على أنها دولة ضامنة، مشيراً إلى أن الطائرات التركية المسيّرة تقصف المدنيين على مرأى قواتها، قائلاً "لن يقبل شعبنا بهذا الموقف، إن الوجود الروسي في شمال وشرق سوريا سيواجه بردود شعبية قاسية إذا ما استمر الأمر بهذا الشكل".
وفي ختام حديثه، قال حسن كوجر: "إلى جانب هجمات دولة الاحتلال العسكرية كانت هناك محاولات كبيرة خلال الأعوام الماضية تمارسها جميع الأطراف لتحويل كوباني المقاومة إلى منبعٍ للعملاء والخونة وإفساد المجتمع، لكنهم سيفشلون حتماً، فكوباني لا تقبل الخونة، إنها أرض آرين ميركان. إنها الأرض التي شهدت ثورة الـ 19 من تموز وهزيمة داعش"، مؤكداً " سنحيا بشرف ولن نقبل حياة الذل".
(ج)
ANHA