تخبّط سعر صرف الليرة في مناطق حكومة دمشق.. أسعار ترتفع ولا تعرف الانخفاض
تعاني الليرة السورية من تخبّط في سعر الصرف أمام العملات الأجنبية وخصوصًا الدولار، ومع كل انخفاض في سعر صرف الليرة ترتفع أسعار المواد الغذائية في مناطق سيطرة حكومة دمشق، ولكن هذه الأسعار تبقى ثابتة حتى لو تحسن سعر الصرف.

يستمر المشهد الدرامي في العاصمة دمشق خصوصًا وبقية المناطق الخاضعة لسيطرة حكومة دمشق عمومًا، إذ أن الأزمات تتوالى تباعًا، فمن انخفاض أجور العمل إلى فقدان المواد الأساسية وصولًا إلى أزمة المحروقات وما خلفته من أزمة في النقل. مشاهد مؤلمة، ولكن الحقيقة هي أن الألم لا يؤلم إلا من ألم به.
ويأتي تخبط سعر صرف الليرة السورية أمام العملات الأجنبية وخصوصًا الدولار، ليزيد من متاعب المواطنين، إذ بلغ سعر الصرف الليرة السورية أمام الدولار الأميركي حوالي 3600 ليرة للدولار الواحد، بعد أن وصلت إلى مستويات غير مسبوقة بلغت أكثر من 4500 ليرة للدولار الواحد.
ومنذ منتصف شهر آذار تشهد الليرة السورية تخبطًا واضحًا في سعر الصرف، إذ أنها بعد أن بلغت ذروتها بدأت بالانخفاض حتى اقتربت من 3000 ليرة للدولار الواحد ولكنها عادت للصعود مجددًا.
وفي كثير من الأحيان يختلف سعر الصرف بين الساعة والأخرى في ذات اليوم ويبلغ الفارق في بعض الأحيان 200 ليرة لكل دولار، هذا عدا عن اختلاف سعر الصرف بين المنطقة والأخرى.
وفي هذا السياق يقول المواطن (ل. ر) من مدينة دمشق: "إن الحكومة عاجزة عن إعادة الأسعار إلى قيمة سعر الصرف ١٣٠٠ ليرة للدولار الواحد". ويضيف: "إذا لم يتم تخفيض الأسعار فالمجاعة والانهيار قادمان لا محالة".
'محاولات لا تجدي'
وعلى الرغم من سعيها إلى رفع سعر صرف الليرة عبر بعض الإجراءات الخجولة، إلا أن حكومة دمشق لم تستطع حتى الآن أن تخلق استقرارًا في سعر الصرف.
ومن بين الإجراءات التي اتخذتها الحكومة، القيام بحملات أمنية على مكاتب الصيرفة، والاستيلاء على كميات الدولار الموجودة فيها، وكذلك إقرار "مصرف سوريا المركزي" بمنع نقل أكثر من 5 ملايين ليرة سورية بصحبة المسافر بين المحافظات ابتداء من نيسان، إلى جانب تأكيد مسؤولي الحكومة متابعة نقل الأموال بين المحافظات وبشكل صارم، والعمل على تحويل تلك المبالغ عن طريق المصارف وشركات تحويل الأموال المرخصة من قبل الحكومة.
ولكن لا يتعامل المواطنون سواء في الداخل أو الخارج مع المصارف أو شركات التحويل المرخصة من الحكومة، لأنها تتعامل بالسعر الرسمي المحدد من قبل "المصرف المركزي".
وحدد "مصرف سوريا المركزي" في حزيران/ يونيو من العام المنصرم، السعر الرسمي لصرف الدولار بـ 1256 ليرة سورية، في حين يصل سعر الصرف في السوق السوداء إلى أكثر من 3600، وهذا ما يدفع المواطنين إلى الابتعاد عن التعامل مع هذه المصارف.
ومع انخفاض سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار، ترتفع أسعار المواد الغذائية في مناطق سيطرة الحكومة بشكل جنوني، إذ يرافق كل انخفاض بسعر الصرف ارتفاع في أسعار المواد ولكنها لا تنخفض مع ارتفاع سعر صرف الليرة.
'أسعار تفوق القدرة الشرائية'
وعلى الرغم من التصريحات الأخيرة لـ بشار الأسد خلال جلسة مجلس الوزراء بعد أن تعافى من الإصابة بفيروس كورونا، وتأكيده على أن "ارتفاع سعر الصرف صباحًا لا يبرر ارتفاع الأسعار مساءً. هذه نقطة أساسية لا يمكن تبريرها ولا يمكن القبول بها". إلا أن الحكومة باتت عاجزة عن السيطرة على أسعار السلع.
ووصلت أسعار السلع الغذائية إلى مستويات تفوق قدرة المواطنين الشرائية، إذ بلغ سعر الكغ الواحد من السكر المغلف 2400 ليرة، ليتر زيت فول الصويا 8700 ليرة، ليتر زيت دوار الشمس 9800 ليرة. أرز إسباني 4300 ليرة، أرز مصري 2800 ليرة، كرتونة البيض 7000، الكغ الواحد من لحم الفروج 4000 ليرة.
وأمام ارتفاع الأسعار، ما زالت الرواتب التي يتقاضاها الموظفون لدى الحكومة على حالها، إذ يحصل الموظف وسطيًّا على مبلغ قدره 50 ألف ليرة شهريًّا أي ما يعادل 40 دولارًا بالسعر الرسمي و14 دولارًا في السوق الموازي.
وتقول المواطنة (ن. س) من دمشق: "الأسعار لم تنخفض وكل ما يقال عن التخفيض كذب وعار من الصحة. فقط التخفيض يكون على صفحات الفيسبوك وماعدا ذلك هو أكاذيب معلبة. الأسواق وصالات التجارة تتحدث".
ومن جانبه تساءل المواطن (ف. ر) عن دور الحكومة في مواجهة من أسماهم بـ "عصابات ومافيات المضاربة ومن يدعمهم" وقال: لماذا لا يتم ردعهم واعتقالهم وزجهم في السجون؟
ولا يعتقد (ف. ر) أن يرتفع سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار، ويقول: "على كل حال لا قيمة لأي انخفاض في سعر الدولار إذا لم يترافق مع انخفاض في الأسعار حتى توازي دخل المواطن السوري".
'الحل بضبط ا لأموال المهربة إلى الخارج ومصادرة الثروة المنهوبة'
ويرى خبير اقتصادي من مدينة دمشق (لم يذكر اسمه لدواع أمنية)، أن إجراءات الحكومة لضبط سوق الأوراق المالية وسعر الصرف، وكذلك الحملات الأمنية التي تستهدف تجار الصيرفة واعتبارهم مسؤولين عن انخفاض قيمة العملة السورية، غير مجدية.
وأضاف: "إن الانخفاض السريع والكبير لسعر صرف الليرة أمام الدولار له نتائج عكسية على حركة الأموال والمصارف".
ويؤكد الخبير الاقتصادي أن الحل يكمن "بضبط الأموال المهربة إلى الخارج من خلال الحيتان من رجال الأعمال والدولة، ومصادرة الثروات المنهوبة من خلالهم، والتي ستعود بالتالي وتضخ في المصارف بالقطع الأجنبي المفقود لديها وبالتالي يتحسن سعر الصرف وتستقر العملة المحلية".
وأشار الخبير إلى أن المساعدات الخارجية سواء من دول عربية أو أخرى مثل الصين يمكن أن تساعد في تحسن سعر الصرف –إن لم يتم نهبها-، ولكنه أكد أن عمليات ضخها واستعمالها ككتلة مالية يجب أن يكون مدروسًا، وغير ذلك لن يكون لها دور يذكر.
وتخضع حكومة دمشق ومسؤولوها منذ حزيران/ يونيو 2020 لقانون عقوبات قيصر الذي فرضته الولايات المتحدة الأميركية، وكذلك لعقوبات من الاتحاد الأوروبي، وبالتالي لا ترغب الدول والمنظمات بالتعامل مع الحكومة كي لا تطالها تأثيرات العقوبات، وهو ما يجعل احتمالية الحصول على مساعدات خارجية أمرًا صعبًا.
(ح)
ANHA