رائحة خبز مريم تتسلل عبر النوافذ وتجذب السائقين والمارة
بين ألسنة اللهب ورائحة الخبز الطازج، تكتب مريم عثمان فصلًا من فصول التحدي. تقف أمام تنور ترابي، حيث تتحوّل جمرات الخشب والدخان إلى رغيف يحمل الأمل. يجذب عبير الخبز ومذاقه الطيب المارة، ويؤمّن لها دخلاً يساعدها في تغطية مصاريفها اليومية.
اختارت مريم جمعة عثمان (45 عاماً)، أم لـ 5 شبان وشابتين، الاعتماد على نفسها لكسب قوتها وإعالة أسرتها من خلال صنع خبز التنور وبيعه، متطلعة أن تكافح كل امرأة من أجل الاعتماد على نفسها.
تستيقظ مريم في ساعات الفجر الأولى، لتبدأ يومها بصنع عجينة الخبز، قبل أن تتوجه إلى مكان عملها، على أطراف حي محمقية في مدينة قامشلو بشمال وشرق سوريا.
هناك، وأمام تنور الطين التقليدي، تقف بثبات لتخبز وتبيع للمارة خبزاً طازجاً، رافعةً شعار الاعتماد على الذات في مواجهة ظروف الحياة القاسية.
تنحدر مريم من مدينة تل براك في ريف الحسكة، لكنها نزحت مع أسرتها عام 2014 بعد احتلال مرتزقة داعش على مدينتها، لتجد في قامشلو ملاذاً آمناً.
لم تكن رحلة النزوح هي التحدي الوحيد الذي واجهته؛ فقد استشهد ابنها دلوفان في تل معروف، وابنها ريدور في دير الزور، بعد انضمامهما لوحدات حماية الشعب للدفاع عن المنطقة.
تنهمر حبات العرق على جبين مريم وهي تناور بين ألسنة اللهب والدخان المتصاعد من التنور، حيث تواصل العمل من السادسة صباحاً حتى الظهر، وتعتمد في إشعال النار على قطع الخشب والكرتون، متحديةً المخاطر الصحية الناتجة عن التعامل اليومي مع الحرارة والدخان.
تبيع مريم رغيف الخبز بـ 2000 - 3000 ليرة سورية، مراعيةً الأوضاع المادية للبعض، على الرغم من صعوبة هذا العمل.
لا يزال هذا النوع من الخبز مفضلاً لدى بعض العائلات، حتى من مدن مثل عامودا وتل براك وقامشلو، إذ يضفي نوعاً من البهجة على موائد الإفطار، ويتميز برائحته الزكية ومذاقه الفريد، وقد تفوّق على الخبز الآلي المنتشر في الأسواق، فهو موروث تقليدي يستهوي العائلات ويقبل عليه الجميع.
لا تكتفي مريم بدورها كمسؤولة عن أسرتها، ولا يتوقف طموحها عند هذا الحد، فهي ترى في مشروعها الصغير بذرة لمشروع أكبر، وتحلم بتوسعته، ليجمع نساء أخريات في جمعية تُحيي مهنة الخبز التقليدي، وتُوفر لهن حياة كريمة.
وتطمح أن تقدّم البلدية الدعم لهن بإنشاء مشروع جماعي للتنور، ليكون مصدر رزق مستدام، ويوفر فرص عمل للنساء في المجتمع.
وتحوّل هذا المشروع البسيط إلى مصدر دخل يعينها على تلبية احتياجات أسرتها، من الطعام والعلاج إلى متطلبات الحياة اليومية. فكل رغيف تبيعه ليس مجرد رقم في حسابها، بل خطوة أخرى نحو الاستقرار.
تقول مريم: "أتمنى أن يكون إصراري واعتمادي على ذاتي، دافعاً لكل امرأة لتكافح وتعتمد على نفسها، لإيماني بأنها قادرة على أن تكون نموذجاً للعزيمة، وصنع المعجزات عندما تُقرر أن تقف على قدميها".
(ل م)
ANHA