مراحل تطوير الوحدة الوطنية الكردية- أكرم بركات

مع استمرار مساعي توحيد الصف الكردي في سوريا وترقّب تحقيق وحدة حقيقية طالما انتظرها الشعب الكردي، ظهرت العديد من المحاولات لإفشال هذه الجهود أو السعي لتشكيل وحدة تتناسب مع مصالح القوى المحتلة. ومع ذلك، تمكنت الأحزاب والقوى الكردية في روج آفا من تحقيق تقدم ملموس، من خلال الإعلان عن تشكيل وفد مشترك لنقل مطالب الشعب الكردي إلى السلطة في دمشق.
أول مبادرة
مع بداية الثورة السورية، أُطلق أول اتفاق بين الأحزاب السياسية الكردية في سوريا عبر وثيقة تحمل اسم "مبادرة أحزاب الحركة الوطنية الكردية" في 14 أيار 2011، وشملت رؤية لتعزيز الحوار الوطني والإفراج عن معتقلي الرأي، إلى جانب مطالب تُلغي السياسات التمييزية بحق الكرد وتسعى إلى إعادة الجنسية للمجردين منها، وتدعو لعقد مؤتمر وطني شامل.
لاحقاً في 6 حزيران 2011، دعا الرئيس السوري في تلك الفترة الأحزاب الكردية للتحاور، ما أثار خلافات داخل الأحزاب. حيث رفضت "لجنة التنسيق الكردية" الدعوة رسمياً مع تأكيدها على أهمية الحوار كمبدأ.
في خضم تطورات عام 2011، تأسس المجلس الوطني الكردي السوري برعاية مسعود البارزاني، وضُمّ إليه عدة أحزاب لتوحيد الجهود. ومع مرور الوقت، شهد المجلس انشقاقات كبيرة حيث انتقلت بعض الأحزاب إلى الإدارة الذاتية الديمقراطية التي تأسست عام 2014، وأعيد تشكيل أحزاب أخرى تحت مسميات جديدة. منها مجلس غرب كردستان (حركة المجتمع الديمقراطي)، واتخذت من تنظيم المجتمع في روج آفا وشمال وشرق سوريا أساساً لنضالها، في 3 تموز 2011، وضمّت العشرات من القوى والأحزاب والتنظيمات السياسية وتمكنت إلى حد كبير من توحيد الخطاب المجتمعي مع جميع المكونات في المنطقة، عبر العملية التنظيمية التي اتبعتها بدءاً من تشكيل الكومينات وصولاً إلى المجالس العامة في المدن والمناطق، وتنظيم القوى السياسية لتمثيل عموم الشعب في المحافل الدولية والإقليمية.
بعد تأسيس المجلس الوطني الكردي في سوريا، ظهرت تحديات عدة أثرت على جهود الوحدة الكردية. من بين هذه الجهود، تأسيس الهيئة الكردية العليا التي تم الإعلان عنها في 12 تموز 2012، كخطوة مهمة جمعت بين مجلس غرب كردستان والمجلس الوطني الكردي تحت مظلة مشتركة برعاية مسعود البارزاني الذي كان رئيساً لإقليم كردستان في ذاك الحين. رغم القرارات المهمة التي اتخذتها الهيئة لتعزيز العمل المشترك، شهدت العلاقة بين الأطراف خروقات أثرت على مسار هذه الجهود.
حيث لم يلتزم المجلس الوطني الكردي بقرارات الهيئة الكردية العليا بشكل كامل، ما أدى إلى ظهور توتر في العلاقة بين الأطراف. تضمنت بعض الخروقات لقاءات منفردة مع مسؤولين خارجيين دون التنسيق مع الأطراف الأخرى، وأحدث فجوة في الثقة وأضعف جهود التعاون.
وفي إطار تطوير العمل المشترك، طُرِح مشروع الإدارة المرحلية الانتقالية في 13 آب 2013، كإطار لتوحيد الجهود وإدارة المناطق الكردية والمشتركة. ورغم التوصل لاتفاق بين الأطراف، انسحب المجلس الوطني الكردي من المشروع في مرحلة متأخرة، مما عرقل تحقيق التقدم المنشود.
في 22 تشرين الأول 2014، تأسست المرجعية السياسية الكردية بهدف تعزيز التعاون بين حركة المجتمع الديمقراطي والمجلس الوطني الكردي. وتضمنت 5 بنود، ورغم الجهود التي بذلت لتحقيق التفاهم، عرقلت الخلافات الداخلية والتباين في الأولويات تحقيق الهدف المأمول.
وخلال الفترة الممتدة من 14 أيار 2011 إلى بداية عام 2015 شهدت مناطق روج آفا هجمات مستمرة، حيث تعرضت مناطق سري كانيه، ثم المناطق الجنوبية لناحية كركي لكي، وصولاً إلى تل كوجر شرقاً وتربه سبيه غرباً لهجمات بدعم مباشر من دولة الاحتلال التركي، ثم هجمات مرتزقة داعش على المنطقة ومقاطعة كوباني بشكلٍ خاص، ولم يشارك المجلس الوطني الكردي في الدفاع عن المنطقة، ولم يصدر بياناً بصدد هذه الهجمات، بل أصدر بيانات وتصريحات شوّه من خلالها مقاومة ومكتسبات الشعب الكردي وباقي الشعوب في المنطقة، مما أثر على صورة العمل المشترك وأدى إلى تباعد أكبر بين الأطراف.
التعامل مع الأطراف الخارجية
في 1 تموز 2015، تبنّى المجلس الوطني الكردي مسلحي بيشمركة روج، بناءً على توجيهات خارجية. ووفقاً لمصادر موثوقة، عُقدت اجتماعات متعددة بين قيادات المجلس الوطني الكردي وبعض الأطراف الإقليمية والدولية، شملت لقاءات مع مسؤولين أتراك وأمريكيين، بالإضافة إلى مسؤولين في مخابرات الحزب الديمقراطي الكردستاني في هولير. ركزت هذه الاجتماعات على قضايا متعددة، من بينها إعادة مسلحي بيشمركة روج إلى روج آفا، الذين تلقوا تدريبات في مواقع محددة.
وفي 23 آذار 2018، عقب احتلال عفرين من قبل دولة الاحتلال التركي، عُقد اجتماع بين قيادات المجلس الوطني الكردي ومسؤولين أتراك لمناقشة طبيعة العلاقات المشتركة ولاقى الاجتماع سخطاً شعبياً واسعاً.
المواقف السياسية
رغم التحديات التي واجهتها المنطقة، استمر المجلس الوطني الكردي في التعبير عن مواقفه السياسية التي أثارت جدلاً واسعاً. تضمنت هذه المواقف بيانات وتصريحات تناولت الإدارة الذاتية ومكتسبات المنطقة، ما أدى إلى تباين في وجهات النظر بين الأطراف المختلفة.
في 19 تشرين الثاني 2020، قام ممثل المجلس الوطني الكردي بزيارة إلى عفرين، حيث التقى بمرتزقة الاحتلال التركي هناك وقام بجولة في المنطقة. أثارت هذه الزيارة تساؤلات حول طبيعة المواقف المتخذة تجاه الأحداث الجارية في المنطقة.
مبادرات توحيد الصف الكردي
في إطار الجهود الرامية إلى توحيد الصف الكردي، أطلق القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية، مظلوم عبدي، مبادرة في تشرين الأول 2019، عقب الهجوم التركي على مناطق شمال وشرق سوريا. في البداية، أحرزت الأطراف تقدماً إيجابياً ولاقت المبادرة ترحيباً شعبياً واسعاً في روج آفا وكردستان. ومع ذلك، وبعد انتهاء المرحلة الأولى التي شهدت توحيد الرؤى السياسية المشتركة، واجهت المباحثات بعض التحديات نتيجة مطالب وشروط جديدة طرحها المجلس الوطني الكردي.
ومن بين الشروط التي أثارت النقاش، إعادة العمل بمناهج حكومة دمشق بدلاً من النظام التعليمي القائم في شمال وشرق سوريا، وإلغاء نظام الرئاسة المشتركة في مؤسسات الإدارة الذاتية.
إن العقبات التي تواجه مساعي توحيد الصف الكردي كانت معظمها مرتبطة بمواقف المجلس الوطني الكردي الذي كان يطرح شروطاً جديدة في كل مرة، مما يؤثر على سير المباحثات. حيث كان تحت تأثير مواقف وأولويات الائتلاف الوطني السوري في تلك الحقبة.
خطوات جديدة نحو الوحدة
بعد سنوات من الجمود، اجتمعت الأحزاب والقوى الكردية مجدداً وبدأت سلسلة من المباحثات التي أسفرت عن توحيد الرؤى السياسية وتشكيل وفد مشترك لنقل تطلعات الشعب الكردي إلى السلطات في دمشق. كما ناقشت القوى الكردية رؤيتهم لسوريا المستقبلية، التي تتمحور حول تحقيق العدالة والمساواة، وتعزيز الحوار السلمي لإرساء أسس سوريا جديدة.
تتركز أهمية توحيد الصف الكردي على تعزيز التعاون الداخلي الذي يزيد من قوة وتأثير الكرد في المشهد السياسي والاجتماعي. كما تشدد هذه الوحدة على دور الكرد في ترسيخ قيم العدالة والمساواة، وتعزيز التنوع الثقافي كجزء من الهوية السورية. ويُنظر إلى الحوار مع كل المكونات السورية على أنه خطوة أساسية نحو تحقيق الاستقرار وبناء تفاهم متبادل بين الأطياف المختلفة.