من أجل "الرئيس" كل شيء مباح - رؤوف كاراكوجان

من أجل "الرئيس" كل شيء مباح - رؤوف كاراكوجان
الجمعة 16 مايو, 2025   08:00

يمكن الإشارة إلى العديد من الأمثلة التي تثبت أنّ تركيا اليوم، ليست دولة طبيعية في كل النواحي، فآليات النظام، مثل النظام الإداري لرئيس الحزب، والنظام القضائي، والنظام التشريعي، والنظام التعليمي، كلها معيبة وغير منظمة إلى حد كبير. 

وعندما نأخذ في الاعتبار تعيين الأوصياء، والاعتقالات، والمحاكمات، والإعدامات، وقمع المعارضين، والضغط، والاضطهاد والترهيب والتهديد والعديد من القضايا الأخرى، نرى أن تركيا ليست دولة طبيعية.

كما أنّ نهجها تجاه عملية السلام ليس واضحاً بما فيه الكفاية، لقد وضع حزب العمال الكردستاني كل شيء على كف الميزان، واتّخذ الخطوات المتوقعة منه، ومع إعلانه لقراراته للعامة، بدأ تمهيد الطريق للسلام، لكن الكف الآخر للميزان لا يزال فارغاً، وحتى في هذه المرحلة، فإنّ أسلوبها في حل مشكلة معقدة ليس طبيعياً.

عندما نقول إنّ تركيا ليست دولة طبيعية فإنّنا نعني أنه ليس من الواضح ما الذي يريد "الرئيس" (أردوغان) الذي جعل البلاد غير طبيعية أن يحققه، وما الذي يريد أن يصل إليه، لقد ابتعدت (تركيا) عن الاستقرار السياسي والاقتصادي واتّخذت مساراً مختلفاً، ومعضلة السياسة الخارجية التي يواجهها تتفاقم يوماً بعد يوم، ولكن على الرغم من أن التوازنات السياسية في المنطقة تعقّدت بشكل كبير، فإنّ الرئيس لا يظهر أي علامة على الاستقرار في أي قضية.

إنّه يرى المعارضة والمعارضين وحوشاً، ويستمر في هجماته عليهم، أي أنّه يحقّ للرئيس كل شيء والأمور سهلة وعلى ما يرام بالنسبة له، كيف يمكن للبلاد أن تكون خالية من الإرهاب ما لم يتم إدراج إرهاب الدولة ضمن مفهوم "تركيا خالية من الإرهاب"، وهو ما لا نقبله؟ إنّ أشدّ أنواع الإرهاب هو الإرهاب الذي ترعاه الدولة، إذا كان قصدهم هو إرهاب الدولة، فمن الممكن حينها فهم مفهوم "تركيا خالية من الإرهاب".

لا شكّ أنّ المؤتمر الثاني عشر لحزب العمال الكردستاني قد جلب ارتياحاً كبيراً لتركيا، لقد وضع رؤية القرن الجديد لتركيا، ومنح الرئيس قرضاً كبيراً لتنفيذ مشاريعه الخاصة، مثل الإصلاحات السياسية والقانونية، واستغلال الدولة والرئيس هذه الفرص الحالية لتحقيق مصالحهما السياسية الخاصة ليثير العديد من الشكوك، فأسلوبه في التحدث واللغة التي يستخدمها مزعجان للغاية.

إنّه يربط الملف السوري والإدارة الذاتية بحزب العمال الكردستاني، ويخلق جبهة ضد الحركة السياسية في روج آفا ويجعلها عدواً، وينشر هذه الرؤية لدى الرأي العام أيضاً، في حين أنّ الأعمال العدائية والانتهاكات التي تقوم بها حكومة هيئة تحرير الشام بحق العلويين والدروز والكرد والعرب العلمانيين وغيرهم من الأقليات واضحة، لا يوجد أي ضمان للهويات العرقية والدينية في ظل حكومة سوريّة متطرفة وتكفيرية وسلفية وجهادية، ومع ذلك يبحث الرئيس في تركيا عن ذرائع بشأن روج آفا.

ويطالب الدروز والعلويون بالإدارة الذاتية والأمن، وهناك مطالب مماثلة للكرد، إنّ إدارة هيئة تحرير الشام بعيدة كل البعد عن ثقافة التعايش، وفرض نظام إداري بعقلية سلفية جهادية أمر غير مقبول، إذا وصلت هيئة تحرير الشام إلى السلطة في سوريا، فإنّ أحد أهدافها هو رعاية وتدجين الإسلام المتطرف، تماماً كما أثبت حزب العدالة والتنمية نفسه كحزب مشروع في تركيا عندما أوصل الرئيس إلى السلطة.

ولم تعد سوريا كالسابق بعد هيئة تحرير الشام، ولا تزال بحاجة إلى الكثير، ومن المستحيل التنبؤ بالشكل الذي سوف تتخذه الآن، إنّ المشكلة السورية تشبه جرح حلب بالنسبة لتركيا، كجرح ينتشر ويشتدّ أكثر فأكثر، فعندما ينظر المرء إلى سوريا، يجد أنّ كل ما يهمهم هو: "لا ينبغي للكرد أن يروا أمهم أبداً"، إنّ الاستمرار بالتذرّع بوحدات حماية الشعب وحزب الاتحاد الديمقراطي ووصفهم بالإرهابيين لن يؤدي إلّا إلى تدميرهم، ولا تستطيع تركيا أن تنمو وتكتسب القوة إلا مع الكرد، إنّ التوازن السياسي الجديد الذي يتعين تحقيقه في المنطقة يجعل هذا ضرورياً، وبطبيعة الحال يمرّ الطريق الحقيقي لعملية السلام عبر سوريا، ويتزامن الوعد بـ "تعزيز الجبهة الداخلية" من أجل الحوار والسلام مع الكرد وحزب العمال الكردستاني مع التطورات التي جرت وستجري في سوريا والمنطقة.

وأصبحت سوريا من خلال مشاريع مثل "ممر إبراهيم للطاقة" و"ممر داوود" جزءاً من القوى العالمية ومورداً رئيساً، فهو يرتكز على "المصالح الإستراتيجية" لإسرائيل المرتكزة على الأمن، إنّهم يقودون سوريا إلى نقطة لن تكون فيها مفيدة حتى للشعب السوري، ولسوء الحظ، فإنّ موقف الرئيس تجاه الكرد حرم تركيا من الكعكة السورية.

أمّا على صعيد السياسة الداخلية، يكاد يكون من المستحيل تمهيد الطريق للسلام و"تعزيز الجبهة الداخلية" بعد محاصرة حزب الشعب الجمهوري، أكبر حزب معارض، وإسكات جميع المعارضين، وهذا لا يتوافق أيضاً مع المطالب الكردية بالديمقراطية.

وفي السياسة الخارجية، نشهد أيضاً وضع تركيا، التي تمّ إبعادها من المعادلة السياسية الجديدة، لقد أصبحت تركيا ساحة اللعب في الشرق الأوسط حيث تتقاتل الفيلة، لم تعد طرق الطاقة والتجارة تمر عبر تركيا، سيجعلون من سوريا عنواناً لطرق جديدة في كل الاتجاهات وجميع المجالات؛ القضايا العسكرية والسياسية والاقتصادية والإدارية والأمنية، وسيعطون لسوريا الجديدة دوراً يحقق آمال القوى العالمية وإسرائيل، سيجعلون زعيم هيئة تحرير الشام يرتدي ربطة عنق حول رقبته ويخدم مصالحهم، هذا هو الوضع في سوريا.

والكرد مرشحون لأن يكونوا طرفاً رئيساً في هذه العملية، وبناءً على ذلك، فإنّ رغبة تركيا في "تعزيز الجبهة الداخلية" مع الكرد دون أي تدخل، تشكل نموذجاً ملائماً للغاية، ولكن تجدر الإشارة إلى أنّه لا يمكن الاعتماد على الرأي القائل بأنّ "كل شيء على ما يرام بالنسبة للرئيس ".