المسار التفاوضي بين طهران وواشنطن.. دوافع عديدة وراء اتفاق الضرورة
تشير التطورات المتعلقة بالتصعيد بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران إلى أن الطرفين تجاوزا مرحلة التوتر، ويتجهان نحو إبرام اتفاق متوقع؛ فإما أن يكون ذلك اتفاقاً شاملاً يؤدي لحدوث انفتاح في العلاقات، أو التوصل إلى نوع من التهدئة المؤقتة.

هناك عدة تطورات ومؤشرات تدل على أن مسار التوافق بين طهران وواشنطن يسير إلى الأمام حتى الآن، وتحظى المحادثات الحالية بدعم جميع أجنحة النظام الإيراني سواء في الجناح المحافظ والإصلاحي والحرس الثوري، وذلك على عكس المحادثات السابقة التي واجهت انتقادات عالية المستوى من قبل أوساط إيرانية.
عملت إيران على تفكيك العديد من العقد التي كانت تقف أمام تقدم هذه المباحثات، وهي الجانب الفكري والأيديولوجي، واستخدمت في ذلك رجال الدين، وفي 17 نيسان عبّر رجل الدين المحافظ حمد خاتمي عن تراجع جذري في مواقفه بخصوص هذه المحادثات، مستشهداً بآية قرآنية تبرر الحلول التفاوضية كاستراتيجية مستحسنة، وأكد خاتمي أن المؤسسة الإيرانية تعمل حالياً وفقاً للمبادي القرآنية من خلل الدخول في محادثات مع الولايات المتحدة الأميركية.
بالإضافة إلى ذلك عبر المرشد الإيراني على خامنئي عن دعمه وتأييده لهذه المباحثات، وأشار إلى انفتاحه على الدبلوماسية وأن مشاركة إيران في هذه المحادثات جاءت بعد موافقته، ليؤكد على ذلك الحرس الثوري الإيراني، والذي أكد أن هذه المبادرة الدبلوماسية تعكس قرار وإرادة المؤسسة.
كما أن طهران استخدمت الصحف والوسائل الإعلامية المحسوبة على النظام الإيراني والجناح المتشدد، وأشادت هذه الصحف بالمحادثات بوصفها قراراً ذكياً مدفوعاً بالمرونة من أجل المصالح الوطنية.
وهناك عدة أسباب ودوافع وراء هذه المرونة من قبل المتشددين في إيران، ومنها:
- تعرّض إيران لضغوط اقتصادية متزايدة بسبب العقوبات الدولية، وارتفاع التضخم وانخفاض قيمة العملة، وتقييد الوصول إلى الأنظمة المالية العالمية، وهذا ما دفع النظام الإيراني للبحث عن إقامة علاقات مع الولايات المتحدة، كما أشار إلى ذلك استعداد الرئيس مسعود بزشكيان الأخير للترحيب بالاستثمار الأمريكي.
- الجمود الحالي في المجتمع الإيراني الناجم عن سوء الإدارة، وانعدام الكفاءة، وتدهور الاقتصاد، والاستياء العام وهذا ما دفع طهران للبحث عن طريقة لصرف الانتباه عن كل هذه القضايا ورفع الحالة المعنوية لدى الشعب الإيراني، والقول له إن هذه المحادثات ستجلب مكاسب سياسية واقتصادية ستؤثر ايجاباً على الوضع المعيشي، وذلك على أمل التوصل إلى اتفاق ورفع العقوبات حتى مع تقديم تنازلات.
- تعرّض إيران وأدواتها لضغوط سياسية وأمنية وعسكرية كبيرة تهدد بانهيار المحور الذي تقوده، بالإضافة إلى إمكانية أن يؤدي المزيد من الضغط إلى انهيار نفوذ طهران في دول عديدة كالعراق ولبنان واليمن، كما زاد القلق من أن يمتد الضغط إلى الداخل الإيراني سواء عبر شن الهجمات العسكرية من قبل الولايات المتحدة والغرب وإسرائيل، أو حتى القيام بعمليات استخباراتية أمنية دقيقة داخل إيران، وبالتالي ترغب طهران بتكريس نوع من التهدئة وتثبيت الصراع عند حدود معينة على الأقل.
إن أبرز ما يواجه هذه المحادثات هو محاولة الإدارة الأميركية استثمار هذه المحادثات لتقليص النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط سواء في لبنان والعراق واليمن، لكن الجانب الأكبر من المشكلة هي مسألة الصواريخ البالسيتية وهذا تعدّه إيران من أوراق القوة التي تستخدمها للضغط على القوى الإقليمية والدولية.
إن الإشارات الأخيرة، مثل تعليقات الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان على انفتاح المرشد الأعلى على الاستثمارات الأمريكية، تُشير إلى استعداد استراتيجي لإعادة الانخراط دبلوماسياً، لا سيما في ظل الضغوط الاقتصادية. ومع ارتفاع تكاليف المعيشة وتقييد المالية العامة، قد تتجه إيران نحو موقف أكثر مرونة، سواءً لتمهيد الطريق لتحقيق تقدم حقيقي، أو لتشجيع الإدارة الأمريكية على البقاء منفتحة على المفاوضات.
إن ما يقوي هذه المباحثات أنها تأتي بعد أن قدم الرئيس الأميركي نفسه على أنه معارضٌ للحروب وصانعٌ للسلام والصفقات، ويريد اغتنام فرصة الإرهاق العالمي من الحروب، بالإضافة إلى أزمات النظام الإيراني، ويطمح ترامب إلى إبرام صفقة أكبر من الصفقة التي أبرمها الرئيس الأميركي السابق أوباما، وهي عرض تخفيف العقوبات الأساسية على إيران مقابل تنازلات إيرانية أكبر، وسيضمن هذا لترامب فوزاً ثلاثياً ومنها إنهاء إمكانية تصنيع قنبلة نووية إيرانية مع تجنب الدخول في حرب معها وفتح السوق الإيرانية للشركات الأمريكية.