كيف انتقمت تركيا لداعش أول مرة.. تواطؤ روسي وموافقة أميركية!
في محاولة منها لمساعدة مرتزقة داعش المحاصرين من قبل قوات سوريا الديمقراطية، حازت تركيا على الضوء الأخضر من أميركا وروسيا، وشنت هجوماً جوياً هو الأول من نوعه على شمال وشرق سوريا، هذا الهجوم فتح الأبواب أمام تركيا لاحتلال مناطق من روج آفا.
فجراً، ومع شروق شمس يوم 25 نيسان/إبريل 2017، أغارت 26 طائرة حربية تابعة للاحتلال التركي بالصواريخ على جبل قره جوخ في منطقة ديرك، منتهكة المجال الجوي السوري، وتركز القصف على مركز قيادة وحدات حماية الشعب YPG، والمركز الإعلامي، في أكبر عملية هجومية لمساعدة مرتزقة داعش المحاصرين في الطبقة.
وأسفر الهجوم عن استشهاد 20 مقاتلاً ومقاتلة من وحدات حماية الشعب والمرأة YPG YPJ، بينهم إعلاميون، وأصيب 18 مقاتلاً آخرين.
بالتزامن مع ذلك، خرقت الطائرات المجال الجوي العراقي وقصفت مناطق مدنية متفرقة من جبال شنكال، ما أسفر عن استشهاد 6 مواطنين وإصابة 10 آخرين، وإحداث دمار هائل في البنية التحتية، وخسائر مادية جسيمة.
موقعه الجغرافي
يقع جبل قره جوخ (كراتشوك) على الطريق الواصل بين ديرك وقامشلو، ويعد امتداداً لسلسة جبال بي خير في باشور كردستان، يحده من الشرق نهر دجلة وباشور كردستان، ومن الجنوب سهل كوجرات، ويمتد إلى جبال شنكال، ومن الشمال يحده سهل هسنا، ويبلغ ارتفاعه 779 متراً عن سطح البحر.
قره جوخ.. مناسب للحماية ومركز لرصد وتحركات الأعداء تاريخياً
ويسمو الجبل بموقعه الجغرافي المهم الواقع في المثلث الحدودي بين تركيا وسوريا والعراق، وغناه بالثروات الباطنية وخاصة البترول. تتحدث مصادر تاريخية أن السفح شاهد على تعاقب الكثير من الحضارات الذين أووا إليه لحماية أنفسهم من الغزوات، واتخاذه مركز لرصد وتحركات أعدائهم.
استعداداً لتحرير مدنهم اتخذوا من السفح مركزاً للتدريب والتنظيم
استعداداً للمواجهة، ومن منطلق تحرير مدنهم من المجموعات المرتزقة التي تحارب بالوكالة عن دولة الاحتلال التركي، كان أبناء المنطقة المتطوعين في صفوف وحدات الحماية الذاتية (YXK) قد اتخذوا من السفح مركزاً لتدريب وتنظيم أنفسهم أواخر 2011.
مقر للقيادة العامة لوحدات حماية الشعب والمرأة وإذاعة لنقل مجريات المعارك
بعد انطلاقة ثورة 19 من تموز/يوليو 2012، تحوّل سفح جبل قره جوخ من مركز للتدريب إلى مقر القيادة العامة لوحدات حماية الشعب والمرأة، ونظراً لارتفاعه وإطلالته على المنطقة، افتُتحت أول إذاعة (روج آفا) فوق السفح. بدأت بثها بداية نيسان/إبريل، 2013، لتسليط الضوء على ما تشهده المنطقة.
بماذا كانت تنشغل قوات سوريا الديمقراطية؟
وكانت قوات سوريا الديمقراطية قد أعلنت عن معركة تحرير مدينة الطبقة من مرتزقة داعش في الـ 21 آذار/مارس 2017، إذ تمكنت قسد في بادئ الأمر من تحرير مطار الطبقة العسكري، قبل أن تطوق المدينة بشكل كامل في 7 نيسان/أبريل. وحررت المدينة في 10 أيار/مايو من العام نفسه.
واندرجت معركة تحرير الطبقة في إطار المرحلة الثالثة من عملية (غضب الفرات)، بدعم من التحالف الدولي، تهيئة لطرد المرتزقة من مدينة الرقة، أبرز معاقلهم في سوريا.
عندما كانت مدينة الطبقة قاب قوسين وأدنى من التحرير، حازت تركيا على الضوء الأخضر من الولايات المتحدة الأمريكية ونفذت هجوماً عنيفاً على جبل قره جوخ.
تواطؤ روسي وضوء أخضر أميركي
لا يمكن للطير الطائر المرور في سماء روج آفا، دون علم التحالف الدولي الذي تقوده أميركا، مع انهماك قوات سوريا الديمقراطية في حربها ضد مرتزقة داعش في الطبقة وريف الرقة.
لأول مرة على الإطلاق، منحت أميركا وبتواطؤ روسي الضوء الأخضر لتركيا لمهاجمة روج آفا، وقصف جبل قره جوخ. هذا الهجوم فتح الأبواب أمام تركيا لاحتلال مناطق روج آفا، وشمال سوريا، (عفرين، سري كانيه/رأس العين، كري سبي/تل أبيض)، أذ هيأ الموقف الدولي الضعيف الأجواء أمام تركيا للتمدد أكثر.
أطلعنا أميركا وروسيا على العملية قبل ساعتين
تظهر حقيقة ما تحدثنا عنه، بعدما قال وزير خارجية دولة الاحتلال التركي مولود تشاويش أوغلو، "أخبرنا حليفتنا أميركا عن استعدادنا في الآونة الأخيرة للقيام بعمليات في هذه المنطقة وأبلغناها بسحب جنودها إلى خط معين، وقال: "أطلعنا أميركا وروسيا على معلومات عن العملية قبل ساعتين من تنفيذها، وذلك بموجب اتفاق بيننا".
الهجمة جاءت لإنقاذ داعش وتخفيف الضغط عنها
لم يكن هذا الحدث مجرد حدث عابر ينقل على شاشات التلفاز والصحف، إنما كان قضية محورية ومؤثرة ومهمة على مستوى المنطقة.، كان أول إيذان من القوى الدولية لتركيا في البدء بغزو مناطق روج آفا وشمال سوريا وجنوب كردستان.
الهجمة التركية الواسعة جاءت لإنقاذ داعش وتخفيف الضغط عنه بعدما أصبح في حالة هزيلة يرثى لها، محاصراً وضعيفاً بعد تطبيق قوات سوريا الديمقراطية الخناق عليه في مدينة الطبقة السورية، وإشغال المقاتلين في فتح مواقع اشتباك ومواجهات جديدة.
واستشهد في هجوم جيش الاحتلال التركي القيادي والمسؤول عن المعارك العسكرية التي تشنها قوات سوريا الديمقراطية ضد مرتزقة داعش في الرقة رستم زيدان (محمد خليل).
وعلى إثرها أوقفت قوات سوريا الديمقراطية عملياتها العسكرية ضمن المرحلة الثالثة لتحرير الطبقة والرقة مؤقتاً، إلى حين معرفة موقف التحالف الدولي من الهجوم التركي الغادر.
جاء الرد الأميركي على الهجوم التركي ضعيفاً، إذ قام قائد عسكري أميركي برفقة القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية بزيارة ميدانية إلى موقع الحدث بعد لحظات قليلة من استهداف الموقع، ولم يرتقِ إلى المستوى المطلوب، وهذا ما يؤكد حيازة تركيا على ضوء أخضر من التحالف الدولي لشن هذا الهجوم الواسع.
YPG: الهجوم التركي لن يثني من عزيمتنا في محاربة الإرهاب
أثار الهجوم سخطاً كبيراً وتساؤلاً بين أهالي المنطقة الغاضبين من موقف التحالف الدولي الذي يسيطر على الأجواء، وهيأها أمام طائرات جيش الاحتلال التركي للقيام بهذا الهجوم، في وقت يحارب أبناء المنطقة مرتزقة داعش.
وفي بيان مقتضب، نشرت القيادة العامة لوحدات حماية الشعب، آنذاك، بياناً قالت فيه إن "الهجوم التركي لن يثني من عزيمتنا في محاربة الإرهاب".
إلى ذلك أدان مجلس سوريا الديمقراطية، القصف الجوي التركي وأوضح: "الاعتداء التركي يهدف إلى إفشال الحملة العسكرية ضد داعش في الرقة".
تركيا انتقمت لـ داعش
عن الهجوم الذي حصل، قال رئيس حزب السلام الديمقراطي طلال محمد أن الهجمات التركية جاءت نتيجة ثمار ونتاج انتصار قوات سوريا الديمقراطية في كسر شوكة داعش.
وأوضح محمد أن حالة الانهيار التي وصل إليها داعش في تلك الفترة، يعني إنهاء مخططات تركيا الاحتلالية في شمال شرق سوريا، وأردف بالقول: "تركيا انتقمت لـ داعش".
مقاومة شمال شرق سوريا صدت تنظيماً إرهابياً أقلق العالم بأسره
ولفت محمد إلى أن المعطيات المتاحة آنذاك، والتي أكدت أن شمال وشرق سوريا تبدي مقاومة كبيرة في التصدي لمرتزقة داعش، أقلق العالم بأسره، وقال: "الهجمات لم تكسر إرادة الشعب الملتف حول مقاتليه من وحدات حماية الشعب والمرأة وقوات سوريا الديمقراطية، الهجمات أعلت من شأن المقاومة".
وعدم إبداء القوى الدولية ردة فعل قوية على هجوم قره جوخ التي هي المحطة الأولى للهجمات التركية، وترك دولة الاحتلال التركي دون حساب، شجعها على التمادي والهجوم على عفرين في 20 كانون الثاني 2018.
لم تقدم القوى الدولية وفي مقدمتها التحالف موقفاً واضحاً
وعن التغيّرات والمتغيرات التي حصلت بعد تلك الهجمة، بيّن محمد: "وسّعت تركيا مخطط احتلالها في شمال سوريا وروج آفا، خاصة بعد عدم إبداء القوى الدولية وفي مقدمتها التحالف موقف واضح، ما أتاح لتركيا الاستمرار في هجماتها إلى اليوم".
كيف جرى احتلال سري كانيه وكري سبي؟
في ضوء التهديدات، كان متوقعاً أن تشن تركيا هجوماً آخر على شمال وشرق سوريا، وأعلن أردوغان في خطاب له أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة بدورتها الـ 74 بمدينة نيويورك، في 24 أيلول/ سبتمبر، عن نيته لاحتلال المنطقة.
استعرض أردوغان أمام قادة العالم حينها خريطة شمال وشرق سوريا، تضمنت ترسيم ما تسميه تركيا "المنطقة الآمنة" التي تتطلع لاحتلالها في شمال شرق سوريا، وقال: "يمكن إعادة 3 ملايين لاجئ سوري".
جرت محادثات بين الولايات المتحدة وتركيا عن "المنطقة الآمنة" المزمع إقامتها، بدت هناك فجوة في إقامة هذه المنطقة، فأمر الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بعد مكالمة هاتفية الانسحاب من سوريا، وهذا ما مهد الأرضية للهجوم على سري كانيه وكري سبي/ تل أبيض، في 9 تشرين الأول 2019.
الموقف الدولي الضعيف شجّع تركيا على التمادي
لم يرق لتركيا تمدد قوات سوريا الديمقراطية على حساب داعش وتحريرها لمناطق واسعة من شمال شرق سوريا، لذلك بدأت بهجمات مختلفة، مستخدمة هذه المرة، الطائرات المسيّرة (الدرون)، في استهداف مؤسسي ومناضلي وقيادات الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية الذين دحروا مرتزقة داعش، في مناطقهم وخارجها.
استهداف قياديين دحروا داعش
أكملت الدولة التركية المحتلة ما لم يستطع داعش القيام به، وانتقمت له، إذ هاجمت مسيّرة تابعة لها في 22 تموز، سيارة على طريق قامشلو، أسفر عن استشهاد أحد أبرز قيادات وحدات حماية المرأة YPJ جيان تولهلدان، والقائدة العامة لقوات YAT القائدة روج خابور. هاتان القيادتيان كان لهما دور وبصمة كبيرة في دحر مرتزقة داعش، وحماية شعب المنطقة من بطشهم.
استهداف قيادات الإدارة الذاتية
مع تخاذل المجتمع الدولي أكثر، توسعت الهجمات التركية الجوية لدولة الاحتلال التركي، لتنتقل من شمال شرق سوريا إلى جنوب كردستان، وهذه المرة استهدفت أحد أعمدة ثورة 19 تموز 2012، فرهاد شبلي، الذي خاض نشاطاً تنظيمياً وسياسياً واجتماعياً في عدة مناطق ضمن إقليم الجزيرة، وكُلّف نائباً للرئاسة المشتركة للمجلس التنفيذي للإدارة الذاتية الديمقراطية، استشهد في 17 حزيران 2022، في حي كلار بالسليمانية.
محاولة اغتيال القائد العام لـ قوات سوريا الديمقراطية
وفي 7 أبريل/نيسان، نجا القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية، مظلوم عبدي من محاولة اغتيال وبرفقته ضباط أميركيون، إذ استهدفت طائرة مسيّرة تابعة للاحتلال التركي مطار السليمانية في باشور، لكن لم يتعرض الموكب لأي أذى.
إيقاف الهجمات مرهون بحل الأزمة السورية
ورأى طلال محمد أن الهجمات التركية بعد 6 سنوات من انطلاقتها ستستمر، وايقافها مرهون بحل الأزمة السورية.
وعن موقف التحالف الدولي قال طلال محمد، التحالف الدولي الذي يرى في قوات سوريا الديمقراطية حليفة له، كيف له أن يغض نظره عن استخدام تركيا لسماء المنطقة، وفي المناطق الأخرى يدعمها ويساندها جواً لإنهاء داعش!
وأسفرت الهجمات الاحتلالية على شمال وشرق سوريا خلال عام 2022 وحده، عن استشهاد 119 مواطناً، بينهم 15 طفلاً و58 مقاتلاً، وإصابة 292 شخصاً، بينهم 48 طفلاً و23 مقاتلاً، بالإضافة إلى فقدان 59 عنصراً من قوات حكومة دمشق لحياتهم وإصابة 91 عنصراً. كما استُهدفت 29 مدرسة، و4 مراكز صحيّة و10 مساجد ومعابد دينية والعشرات من محطات النفط والكهرباء والغاز وشبكات الاتصال والمرافق الخدميّة. فيما استُخدمت الأسلحة المحظورة مرّتين.
لو كان هناك موقف دولي لما تجرأت تركيا على استهداف من هزموا داعش
وأكد طلال محمد أنه لو كان هناك موقف دولي قوي وحازم، لما كانت تركيا ستتجرأ على استهداف قادة قوات سوريا الديمقراطية التي هزمت داعش، بالطائرات المسيّرة.
تركيا زادت دعمها ومساندتها لـ داعش بعد هزيمته في الباغوز
ونوّه محمد أن تركيا صعّدت دعمها مساندتها لداعش بعد هزيمته في الباغوز، وما مخطط الهجوم على سجن الصناعة في الحسكة ومحاولاتها لتهريب قيادة داعش في الصف الأول وإعادة نشاط وإحياء الخلايا النائمة إلا تأكيد على ذلك.
وبدلاً من تكريمهم لإنقاذ العالم من بطش مرتزقة داعش، يرد العالم الجميل بفتح الأجواء أمام الطائرات التركية لاستهداف قادة وحدات حماية المرأة وقوات سوريا الديمقراطية الذين كافحوا وقاتلوا وناضلوا لإنهاء خطر داعش.
استذكاراً ووفاءً لدماء (12) ألف شهيد ومثلهم من الجرحى، أعلنت الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا، يوم 25 نيسان من كل عام يوماً للشهداء.
(ك)
ANHA