الاجتماع الرباعي المُزمع عقده في موسكو- رؤوف كاراكوجان

الاجتماع الرباعي المُزمع عقده في موسكو- رؤوف كاراكوجان
14 آذار 2023   22:45

مع الزلزال، عادت سوريا إلى طاولة السياسة مجدّداً. فقد جمعت العلاقات بين دمشق وعمان والأردن والمملكة العربيّة السعوديّة بين هذه الأطراف لأوّل مرّة منذ اندلاع الحرب الأهليّة السوريّة عام 2011. فعلى إثر الزلزال، أرسلت بعض الدول العربيّة وفودها إلى دمشق لتقديم العزاء والمساعدة. وبدون أدنى شك؛ تُعتبر سياسة الزلزال الناجمة عن الحركة الدبلوماسيّة، خطوةً لضمان عودة سوريا إلى العالم العربي.

تُعدّ سوريا بلداً نموذجيّاً يعرف ويدير سياسة التوازن جيّداً. فسياسات التوازن في عهد حافظ الأسد كانت كافية لحماية سوريا في العالم الثنائي القطب. ولكن تغيّرت العديد من الأمور اليوم. نجت حكومة الأسد في ظلّ الحرب السوريّة، حافظت على سلطتها وتقدّمت بشكلٍ أسرع مع الزلزال. فمن جهة، تسعى سوريا إلى العودة إلى الجامعة العربيّة وتطبيع العلاقات مع الدول العربيّة، ومن جهة، تبحث عن حلّ لعدائها مع تركيا. تعتمد السياسات الاحتلاليّة والعدوانيّة التركيّة على سيناريوهات الإطاحة بالأسد، لكنّهم لم يحقّقوا النتائج المرجوة بل دمّروا سوريا وقتلوا شعبها وتسبّبوا بلجوء الملايين منهم، ومع ذلك لم ينجحوا وفي النهاية أصبح الحوار ضرورة بالنسبة لهم.

إشراك إيران في الاجتماع الثلاثي الذي عُقد في موسكو، غيّر الوضع بعض الشيء. فقد توقّف الحوار الذي يجري بوساطة روسيّة بسبب الظروف التي تشهدها سوريا، وعودة هذه الأطراف إلى الطاولة وانضمام إيران إليهم يعني أنّه تمّ بناء توازنٍ جديد. ويبدو أنّه تمّ تخفيف الشروط قليلاً.

السياسة الروسيّة في سوريا تخدم روسيا، ومن المتوقّع أن تبسط روسيا نفوذها بشكلٍ أكبر وتحصل على تنازلاتٍ من سوريا. لكن تجاهل العامل الإيراني على الأرض، حل مشاكل التفاوض بين دمشق وأنقرة يمثّل إشكاليّةً بالنسبة لمصالح إيران في سوريا. فأوّلاً، لا تُشكّل حكومة أردوغان محلَّ ثقةٍ بالنسبة للملالي وهناك مشاكلٌ في العديد من القضايا. كما يشكّل الملف السوري قضية خلافٍ في العلاقات بين تركيا وإيران أيضاً. يحاول النظام السوري خلق توازنٍ بين ضغوط روسيا وإيران ولهذا سعت إلى إشراك إيران في اجتماع موسكو.

إنّ الاجتماع الرباعي المزمع عقده في موسكو منتصف شهر آذار الجاري مهمّ لأنّه يُعدّ الأوّل من نوعه. تسعى تركيا إلى إنشاء دعايةٍ جديدة لنفسها عبر شنّ هجوم جديد، لكن من الصعب الوصول إلى نتيجة بسبب فرض روسيا لنتيجة مماثلة وانضمام إيران. المطلوب من هذه المفاوضات؛ منح تركيا مهلة زمنيّة وتهيئة الظروف لانسحاب تركيا من المناطق المحتلّة خلال فترة محدّدة. وبغضّ النظر عن إيقاف دعم المرتزقة، فإلى أي مدى سيرضي هذا سوريا في الاجتماع وإلى أي مدى سيقنع إيران؛ سيتضح بمرور الوقت.

أحد أسباب التقارب بين سوريا والدول العربية هو الحد من نفوذ إيران في سوريا، فإيران تشكّل الخط الأحمر للدول العربيّة، إذ تمتدّ أذرعها العسكريّة والسياسيّة والاقتصاديّة إلى كلّ من اليمن، وليبيا وسوريا والعراق، وهذا أمرٌ غير مقبول بالنسبة للولايات المتّحدة الأمريكيّة وإسرائيل. لذا يُعتبر تطوير العلاقات بين سوريا والدول العربيّة بادرة خيرٍ إلى حدّ ما. هذا وتسعى سوريا إلى التوازن بين علاقاتها مع إيران وعلاقاتها مع الدول العربيّة من جهة والتصرف بحكمة من خلال محاولة التوازن بين علاقاتها مع كلّ من روسيا وإيران خلال اجتماع موسكو الرباعي. وقد طوّرت حكومة الأسد سياسة التوازن التي تنتهجها بشكلٍ أكبر مع الزلزال واستغلتها كفرصةٍ لاستعادة شرعيتها المفقودة.

لكن يكون إشراك إيران في الاجتماع الرباعي الذي سيُعقد حول سوريا في موسكو، جيّداً بالنسبة لتركيا، وقبولها لهذا الأمر كان فقط نتيجة لعجزها. فللخلاص من عزلتها في الشرق الأوسط، اضطرّت إلى التفاوض مع سوريا. فخلاف تركيا مع سوريا، يُعدّ الأصعب بالمقارنة مع خلافاتها مع إسرائيل، مصر والمملكة العربيّة السعوديّة، فقد شنّت هجماتٍ احتلاليّة على سوريا وارتكبت فيها جرائم حرب ستصبح قضية محاكمة في محكمة العدل في لاهاي، وهذه ليست مجرّد قضيّة بسيطة يمكن حلّها خلال اجتماع موسكو الرباعي حول سوريا.

إذا قاموا باستخدام الكرد والإدارة الذاتيّة لشمال وشرق سوريا كوسيلة مساومة وقدّموا بعض التنازلات لسوريا وتفاوضوا على أساس معاداة الكرد، فإنّ هذا سيعود عليهم بنتائج عكسيّة. إذا اعتمدت مفاوضات أطراف الاجتماع على معارضة الكرديّة، فستكون لها عواقب وخيمة لا يمكن تفاديها أبداً.  

ستتحول سوريا بسهولة إلى حلبة مصارعة. وبالإضافة إلى ذلك اتّخذت الولايات المتّحدة الأمريكيّة حملتها المضادة. بغضّ النظر عن تفسير زيارة رئيس هيئة الأركان الأمريكيّة لروج آفا وزيارة وزير الدفاع لهولير بأنّها حركة ضدّ إيران، إلّا أنّهم يقولون بهذه الزيارات: "نحن أيضاً هنا في الميدان". كما أنّ الهجمات الجويّة الإسرائيليّة على سوريا وقصف مطاراتها هي أيضاً رسائل متعلّقة بهذه العملية.

 على الرغم من أنّ سياسة التوازن التي ينتهجها الأسد تعمل من أجل الحاضر، إلّا أنّها ستفرض على سوريا على المدى الطويل، توازنات أخرى أكثر تقييداً لها. ولتجد سوريا حلولاً دائمة لمشاكلها، سيكون الحوار مع الإدارة الذاتيّة بدلاً من الاعتماد على التوازنات، أكثر حكمةً ومنطقيّة.