24 عاماً من المؤامرة الدوليّة -2

24 عاماً من المؤامرة الدوليّة -2
الخميس 6 تشرين الأول, 2022   20:28
مركز الأخبار- جيهان بيلكين

يُعتقل القائد عبد الله أوجلان منذ 24 عاماً في ظلّ نظام إمرالي الذي يعدّ أسوأ حتّى من سجن غوانتانامو، وهو معتقلٌ سياسيٌّ للقوى الدوليّة ويسطّر موقفاً تاريخياً. فلا مثيل لا لمقاومته ولا لاعتقاله ولا حتّى للممارسات التي تُرتكب بحقّه في القرن الواحد والعشرين.

بالتزامن مع إخراج القائد عبد الله أوجلان الذي اعتبرته الشعوب قائداً لها، من سوريا قبل 24 عاماً؛ بدأت أيضاً المؤامرة الدوليّة ضدّ براديغما الحرية المرأة، الحياة الإيكولوجية الديمقراطية ونضال الشعوب من أجل الحرية. أغلقت أوروبا جميع مطاراتها، عرقلت طلبات اللجوء ومنعت القائد أوجلان من الذهاب لأوروبا وسمحت باختطافه في كينيا. وعلى الرغم من أنّه كان قد قدّم طلباً للجوء إلى اليونان إلّا أنّه اُختطف في كينيا. وقد اشتدّت وتيرة المؤامرة ضدّ القائد عبد الله أوجلان بتسليمه لتركيا في الـ 15 من شباط عام 1999. 

يتمّ محاكمة تاريخٍ كوني

سُجن القائد عبد الله أوجلان في سجن إمرالي في الـ 15 من شباط عام 1999 وقد كان يوماً رمزيّاً، إذ انطلقت في الـ 13 من شباط عام 1925 انتفاضة الشيخ سعيد. فقد سعت الدولة التركية لتكرار التاريخ بإبادة الشعب الكردي وإنكاره. ويعتبر القائد أوجلان هذا تاريخاً كونياً يُحاكم في شخصه.

في سجن إمرالي الذي يُدار من قبل "نظام التنفيذ الأمني المشدّد" والذي أُعدّ استمراراً للمؤامرة الدوليّة، يطُبّق نظام العزلة الذي ذهب أبعد حتّى من نظام غوانتانامو؛ منذ 24 عاماً وتقدّمت كحلقةٍ لانتهاك الحقوق وأصبح منظّماً. ويصف القائد عبد الله أوجلان هذا السجن بأنّه "التابوت الذي يُعدّ أهم جزءٍ لمؤامرة الغلاديو الكبرى، غوانتانامو البدئية" شاركت في هذه المرحلة وتعاونت في تشديد العزلة أكثر من خمسين دولةٍ وقوة.  

تاريخ السجون في تركيا

اُستخدمت سجون الجزر كتكتيكٍ مراتٍ عديدة منذ العهد العثماني والدولة التركية أيضاً تطبّق هذا منذ الخمسينيات. لأنّ مناخ وظروف السجون الموجودة على الجزر تحكم على السجناء بالموت. إنّ السجون المعروفة في تركيا بأقسى الظروف والشروط هي؛ سجن ياسي آدا وسجن سينوب (وتمّ لاحقاً تحويل كلا السجنين إلى متاحف). لكنّ سجن إمرالي أسوأ من كليهما بكثير. تبلغ مساحة منطقة سجن إمرالي الذي افتتح في الـ 11 من آب عام 1935، 10 كم مربع. وقد كان آنذاك سجناً شبه مفتوح يُسجن فيه رئيس الوزراء السابق للدولة التركية؛ عدنان مندريس، الوزير فاتن رشتو زورلو وحسن بولات كان، السينمائي الثوري يلماز كوناي، المصوّر إبراهيم بالابان والمصور الروماني أنغولوس ستافونوديس. 

سجن إمرالي ذو "الحراسة المشدّدة" أسوأ حتّى من غوانتنامو

في "السجون ذات الحراسة الأمنية المشدّدة" يتمّ عزل المعتقلين ويُفرض عليهم موتٌ صامت، أي موت روحي ومعنوي. الغرض من هذه السجون هو سلب حقّ الحياة من المعتقلين، كل ما يتعلّق بالحياة ممنوع وتسودها عزلة مشدّدة جداً. كما يُمنع أيّ شكلٍ من أشكال العلاقات الإنسانية بين المعتقلين. ومن السجون المعروفة بأنّها من هذا النوع من السجون؛ سجن ستامهايم في ألمانيا وسجن لونغ كيث في بريطانيا. أمّا سجن إمرالي فأسوأ حتّى من ظروف سجن غوانتانامو إذ يقع على الجزيرة ويتّصف بأنّه ذي حراسةٍ مشدّدة. فالمعتقلون في غوانتانامو يتمتّعون ببعض الحقوق، لكن في إمرالي يحظر كل شيء بما فيها الزيارات والاتصالات وقد أُعدّت ظروف السجن خصيصاً.

غيّروا جميع الظروف والأحكام السابقة للسجن شبه المفتوح

في سياق المؤامرة الدوليّة ضدّ القائد أوجلان، تمّ في الـ 4 من شباط عام 1999 إفراغ سجن إمرالي شبه المفتوح الواقع في بحر مرمرة وتمّ تخصيصه كمقرٍ لقيادة الجيش. وأُعلنت المنطقة المحيطة بالجزيرة منطقةً عسكرية، وبذريعة الإصلاح؛ أُعيد بناء سجن إمرالي من جديد على أن يبقى فيه شخصٌ واحد. وعندما نُقل القائد أوجلان إلى سجن إمرالي تمّ إعلان الجزيرة على أنّها "منطقة أمنية خاصة". إنّ القائد أوجلان "معتقل للقوى الدولية ومعتقل سياسي" لكنّهم وضعوه في سجنٍ سماه "مقبرة هاديس" وغيّروا جميع ظروف وأحكام السجن. تمّ تصميم أسلوب الإدارة بما يتماشى مع القوى المتآمرة. وقد قال القائد أوجلان إنّ سجن إمرالي يُدار من قبل "نظام ثلاثي الأذرع" وأوضح أنّ لهذا النظام ذراع في الولايات المتّحدة الأمريكية وذراع في أوروبا وآخر في تركيا.

وكل ما تمّ القيام به إمرالي كان في سبيل تسريع عملية الموت الصامت. ويقيّم القائد أوجلان قرار إلغاء عقوبة الإعدام وفرض العزلة المشدّدة عليه على أنّه "الاقتياد نحو الموت شيئاً فشيئاً وبمرور الوقت والبقاء في’ ممر الموت ‘أسوأ من الإعدام".   

تمّ عزل الجزيرة

عندما تمّ سجن القائد عبد الله أوجلان في سجن إمرالي، أُعفيت وزارة العدل من إدارة السجن وتم تسليم الإدارة لمكتب الاتصال للأزمات في مودانيا باسم مركز إدارة الأزمة التابع لرئاسة الوزراء. وتولّت الأمانة العامة لمجلس الأمن القومي (MGK) مهمة الإدارة/ التنسيق لمركز إدارة الأزمة التابع لرئاسة الوزراء. وتمّ بهذه الطريقة عزل سجن إمرالي أكثر ومنعوا اقتراب السفن المدنية من الجزيرة لأكثر من 3 أميال كما منعوا تحليق المروحيات فوق الجزيرة. وسجن إمرالي هو الأوّل على صعيد عدم إجراء أي تحقيقٍ ومحاكمة أو إدانة معاً إذ لم يشهد هذا أيّ سجن آخر. 

ويشرح القائد آبو نظام إمرالي في دفاعاته قائلاً: "إنّ نظام إمرالي هو نظامٌ لإضعاف الإرادة؛ أسسه النظام الرأسمالي العالمي خصيصاً لي، حيث لا تسودها أيّة قوانين أو حقوق فهو أُعدّ للانهيار والاستسلام مع الوقت".

تأثر العزلة المشدّدة على صحّة القائد أوجلان

أدّت العزلة المشدّدة والظروف الجويّة السيّئة في إمرالي والتي تلحق أضراراً شديدة بصحة الإنسان، إلى زيادة انزعاج القائد آبو. بدأ القائد آبو الذي لم يكن يعاني حتّى الـ 15 من شباط عام 1999 سوى من التهاب الجيوب الأنفية خلال فترةٍ قصيرة وبسبب ظروف العزلة والتعذيب يعاني من مشاكل صحيّة جديدة مثل التهاب البلعوم والربو. لقد أُصيب بمرضٍ في البلعوم، وبدأ يعاني من ألم وحكّة في حلقه. كما أصبح يعاني أيضاً من ضيقٍ التنفّس، صداع شديد، قشعريرة في الجسد. ورغم هذا تمّ قطع أي تواصل له مع الخارج واستمرّت العزلة المطلقة. يتمّ مراقبته عن طريق الكاميرات على مدار اليوم. وقاموا بإحداث ضجّة عبر فتح وإغلاق باب فسحة التهوية وحكموا عليه بضيق المنطقة والبقاء بدون تنفّس وعقوباتٍ داخل الزنزانة. وقد تبيّن أنّه تم إيقاف الفحوصات الطبيّة بعد أيار عام 2010. إنّه يُحرم من حقّه في الرعاية الصحيّة منذ 24 عاماً، ولم يُقبل طلب محاميه وعائلته والرأي العام الديمقراطي بإخضاعه لفحصٍ طبّي تجريه لجنة طبيّة مستقلّة ولم يخرجوه للخارج مطلقاً.

الاعتداءات الجسديّة والتهديدات

عندما فحص المحامون شعر القائد عبد الله أوجلان في الأول من آذار عام 2007؛ اتّضح أنّه تمّ تسميمه. وقد تبيّن أنّ الزنزانة التي يُعتقل فيها قد تمّ طلاؤها قبل عام ومن الممكن أن يكون هذا التسمّم ناجماً عن هذا الطلاء. وفي تموز عام 2008 قامت إدارة السجن بحلق شعر القائد أوجلان قسراً. وكانوا قد حاولوا سابقاً وبالتحديد في أيلول عام 2007 حلق شعره قسراً أيضاً. وقد انكشف هذا أثناء التقاء المحامين به في الرابع من تموز عام 2008. وقد قال القائد خلال هذا اللقاء عن هذا التصرّف من قبل السجن: "لقد حلقوا الشعر. تريد الدولة توجيه هذه الرسالة ’نحن نتحكّم بك ونستطيع القيام بما نريد ووقتما نريد، أنت في قبضتنا وتحت سيطرتنا لأربع وعشرين ساعة‘".

وفي تشرين الأول عام 2008 جعلوه يستلقي على الأرض بزعم تفتيش زنزانته التي وصفها بـ "التابوت" وفتّشوا الزنزانة. وبعد هذه الممارسات قامت إدراة السجن بتغيير زنزانة القائد ونقلته إلى زنزانة أصغر. وخلال محاولة انقلاب 15 تموز تعرّضت جزيرة إمرالي التي يُعتقل فيها القائد أوجلان لإطلاق نارٍ من الجو. وفي الـ 27 من شباط عام 2020 اندلعت حريق في الجزيرة أو تمّ إضرامه عن قصد.

منعت حكومة حزب العدالة والتنمية اللقاءات

عُقد اللقاء الأول في الـ 25 من شباط عام 1999 عندما تمّ اعتقال القائد في إمرالي بمؤامرةٍ دوليّة. اُعتقل القائد أوجلان بمفرده خلال الأعوام الـ 12 الأولى من الاعتقال وكان يُحقّ له مقابلة محاميه لساعة واحدة فقط. لكنّه كان يحرم حتّى من هذه الحقوق المحدودة على الدوام. فقد تمّ تقليص حقّ اللقاء بالمحامين من مرّتين حتّى عام 2001 إلى مّرةٍ واحدةٍ بعد ذلك. في حين تمّ رفض حقّ اللقاء بالمحامين بعد وصول حزب العدالة والتنمية للسلطة في شهر تشرين الثاني عام 2002. وحظر المحامين من لقائه حدث أثناء انتخابات 2011. 

سُمح بمقابلته بعد ثماني سنواتٍ من الانقطاع نتيجةً لعمليات الإضراب عن الطعام

بعد الاجتماع مع وفد حزب الشعوب الديمقراطي في الـ 5 من نيسان عام 2015 بدأ حوالي 50 سياسيّاً كرديّاً عملية إضرابٍ عن الطعام. وعلى إثر هذه العملية التقت عائلة القائد به في الـ 11 من أيلول عام 2016. في حين أسفرت عمليات الإضراب عن الطعام وعمليات صيام الموت عن التقاء المحامين بموكّلهم عبد الله أوجلان بعد ثماني سنوات من الانقطاع، إذ عقد اللقاء الأول في الـ 2 من أيار عام 2019. وقد عُقدت خمسة لقاءات في ذلك العام.   

وبعد أن تمّ الكشف عن اندلاع حريقٍ في جزيرة إمرالي، نزل الناس في العديد من الأماكن لتلقّي أخبارٍ من قائدهم وتمّ تنظيم فعّاليات مختلفة. ثمّ التقت عائلته به في الـ 3 من آذار عام 2020. وبسبب جائحة كورونا فقد تمّ السماح له في الـ 27 من نيسان وبعد 21 عاماً من اعتقاله بإجراء مكالمةٍ هاتفية. وخلال هذا الاتصال تحدّث القائد عن وضع إمرالي غير المتوقّع قائلاً: "أنا الآن بخير، ولا أعرف ما الذي سيحدث في المستقبل".

قدّم المحامون ألف و218 طلباً للقاء موكّلهم خلال 11 عاماً

بعد انتشار اشاعاتٍ تتعلّق بالقائد عبد الله أوجلان على وسائل الإعلام، تحدّث القائد مع شقيقه محمد أوجلان عبر الهاتف لثلاث أو أربع دقائق ثمّ قُطع الاتصال. وقد أعرب القائد أوجلان خلال مكالمته الهاتفية القصيرة عن رفضه لحالة العزلة المشدّدة وطالب بضمان حقّه بمقابلة محاميه ودعا الجهات المسؤولة إلى التحرّك وفقاً للقانون ضدّ هذا الوضع غير القانوني.

ولم يلتقِ المحامون بالقائد عبد الله أوجلان سوى 442 مرّةً خلال الـ 24 عاماً في حين قدّم محامو مكتب آسرين القانوني ألف و218 طلباً للقاء موكّلهم القائد أوجلان خلال الفترة الممتدّة بين الـ 27 من تموز عام 2011 و الـ 20 من أيلول عام 2022. وقد بقيت المئات من هذه الطلبات بلا رد فيما حاولوا عرقلة البقيّة بذرائع وحجج الواهية.  

"تعزيز الوحدة الشعبية هو السبيل الوحيد لإفشال المؤامرة"

مقابل العزلة المشدّدة، وظروف السجن والممارسات السائدة فيه؛ يواصل القائد أوجلان النضال والمقاومة ورفض الممارسات السياسية التي تُفرض عليه. ويقول القائد أوجلان عن هذه المقاومة التاريخية: "الحياة الجسديّة ليست مهمة، فنحن نموت يوماً بعد يوم وساعةً بعد ساعة. لكن من أجل الوطن؛ أحبّ أن أجعل الحياة الحرّة تستمر في تركيا ومزوبوتاميا وكردستان! وبسبب حبّ الحياة الحرّة أحاول تدمير ظلام المؤامرة الدولية التاريخية بالإمكانيّات المحدودة المتاحة هنا وكأنّني أحفر بإبرة وأسعى لإفشال المؤامرة بنهج الحل الديمقراطي والسلام المشرّف. نحن نواجه مؤامرةً تاريخية. والسبيل الوحيد لإفشال هذه المؤامرة، رغم كل المساعي العدائيّة هو تعزيز الوحدة الشعبية الديمقراطية".