من قصص مجزرة شنكال -2
تحدث لنا مواطن قرية جدالة؛ حسين نايف خضر عن قصته خلال مجزرة 3 أب 2014. وقال "أخذونا إلى مقابر الإيزيديين الذين تم قتلهم"، وأضاف أنه لولا قوات الكريلا والمقاتلين القادمين من غرب كردستان لما نجا إيزيدي واحد.
"نجونا بفضل الرفاق وفكر القائد آبو"
على الرغم من الخوف الكبير بعد تحذيرات قوات الكريلا لهم، وعلى الرغم من تهديدات مرتزقة داعش عند أسرهم لهم، لم يغادر حسين نايف خضر والأهالي قريتهم.
في ظل تلك الظروف الصعبة، كانوا يفكرون بما يمكن القيام به وكيفية الخلاص، لكن كان يوجد في قرية جدالة قرابة ثلاثين من كبار السن؛ (أمهات وجدات وأجداد وأخوات ومعارف) لذلك لم يرغبوا بتركهم ولم يكونوا قادرين على أخذهم معهم لعدم قدرتهم على المشي.
وظلوا يتساءلون عما يمكن القيام به لأنهم لم يكونوا ليسمحوا بأي شكل من الأشكال وقوع أي أحد منهم بيد هؤلاء المجرمين، فقد كانوا كأسرة واحدة، ويساندون بعضهم البعض دائماً.
لقد كانوا يخدمون كبار قريتهم بشكل دائم، وفي كل الأوقات، فكيف لهم أن يغادروا ويتركوهم خلفهم الآن؟
لم يتحمّل أي واحد منهم هذه الفكرة، لذا لم يجرؤ أحد على اتخاذ هذا القرار.
وعلى أمل ألا يصل مرتزقة داعش إلى مكان وجودهم، لم يغادروا منازلهم وظلوا بانتظار ما سيحدث.
لكنهم أدركوا بعد فترة أن المرتزقة قد وصلوا إلى قبة الشيخ مند، وأنهم يتجهون نحوهم، هنا قال حسين نايف خضر لأسرته "سارعوا بالهرب واللجوء إلى الجبال".
ساد قرية جدالة خوف وقلق كبيرين، وعلت فيها صيحات هذه العصابات، ووصلت صرخات القرويين إلى السماء.
ما إن وصل مرتزقة داعش إلى القرية ومنطقة القبة المقدسة حتى بدأت التفجيرات، التدمير والقتل.
أحرقوا منازل القرويين ومن ضمنها منزل حسين ذاته؛ وتم قتل والد حسين البالغ من العمر (97 عاماً) الذي كان داخل المنزل، بالإضافة إلى قتل حوالي أربعة أو خمسة أشخاص قرب القبة.
وجّه حسين يده مشيراً إلى إحدى المنازل، وقال هناك أيضاً قتلت أسرة مؤلفة من أربعة أشخاص، وكان من بين الأشخاص الذين تم قتلهم في شيخ مند أربع نساء.
وعلى مرآى العالم أجمع، تحولت قرية جدالة إلى بركة من الدماء، مع احتراق السيارات والمنازل بقي كل شيء تحت الدخان.
تحرك أهالي القرية مع الإيزيديين النازحين من القرى المجاورة باتجاه الجبل. يقول حسين إنه رأى بأم عينه موت أكثر من عشرة أطفال عطشاً وجوعاً، وأضاف أنه إذا استطاع سبعة وعشرون فرداً من عائلة ما النجاة والوصول إلى الجبل، فإن حوالي سبعة أو ثمانية أشخاص منهم لم يستطع ذلك، ومنهم من وقع على الأرض وفقد حياته.
وحتى وإن كانت بأعداد قليلة، فقد استطاعت قوات الكريلا والمقاتلون القادمون من روج آفا التواصل مع الإيزيديين وأمدوهم بالطعام والشراب، واعتنوا بهؤلاء الضعفاء الذين لم يكونوا يستطيعون النهوض، سقوهم وزرعوا في قلوبهم أملاً كبيراً بالحياة والخلاص من هذا الفرمان؛ بعد ارتفاع معنوياتهم استجمعوا قوتهم واستطاع الكثير منهم الوقوف على قدميه وبدؤوا المشي مرة أخرى وتم حمل من لم يستطع النهوض إلى مكان آمن، ولكن على الرغم من كل هذا وللأسف، كان هناك من لم يستطع أحد إيصال المياه إليهم في الوقت المناسب، ما أدى إلى فقدان العديد لأرواحهم.
دلنا على أماكن المقابر الجماعية
أشار حسين بيده إلى مكان معين، وبيّن أنه قد دفن والده هناك، وبحسب حسين، فإن عصابات داعش قامت بإعدام والده ذي الـ 97عاماً خنقاً داخل المنزل، وأضرموا بعد ذلك النيران فيه. عندما يتحدث حسين عن والده يثقل عليه الكلام فيتوقف عن التحدث لبعض الوقت ويتأمل مكان دفن والده، ونحن هنا نشارك حزن وألم حسين وجميع الإيزيديين الذين فقدوا أحباءهم.
يحاول حسين وأسرته مداواة جراحهم، ولكنه حقاً لأمر صعب، ففي كل لحظة يتراءى لهم من فقدوا وتأتي أعينهم على أثار الفرمان، بعد ذلك تجولنا في القرية وأرانا حسين الأماكن التي قتل ودفن فيها أهالي القرية واحداً تلو الآخر، في البداية ذهبنا إلى الموقع الذي دفن فيه والده فوجدناه محاطاً بالأسلاك، وهو عبارة عن مكان صغير.
سألناه لما لم يتم نقله إلى المقبرة، ليتبين لنا أنه مثل مئات الأسر بانتظار استخراج من قتل، وذلك بعد اتخاذ الإجراءات اللازمة.
أشار حسين إلى مكان آخر قرب موقع دفن والده وبيّن أنه تم دفن أربعة أشخاص آخرين هناك.
ثم أشار حسين إلى مكان جديد في الأعلى لنعيد أدراجنا ونتوجه إلى هناك لنجده مليئاً بسياراتٍ محروقة ومنازل مهدمة، بعد ذلك اصطحبنا حسين نحو الأسفل لنتوجه إلى قبة الشيخ مند ولاحظنا الدمار الحاصل طوال الطريق.
وقفنا في مكان قريب من القبة ويقع على يسارها؛ حيث تحدث لنا عن خمسة نساء قتلن قرب القبة وبطريقة وحشية.
بعد أن قامت قوات الكريلا ومقاتلو روجآفا بتطهير المنطقة من فلول داعش، بدأت بالبحث في القرية ومحيطها عن جثث الأهالي الذين قتلوا لدفنهم.
قامت قوات الكريلا ومقاتلو روجآفا بنقل جثث النساء المقتولات ودفنهن في المكان الذي اصطحبنا إليه حسين، في تلك الأثناء كانت المعارك قائمة وعملية تطهير شنكال من عصابات داعش مستمرة.
كشف حسين لنا عن هوية ثلاث نساء بقيت أسماؤهن في ذاكرته وهنّ "وتهانا خلف خضر، زانا عثمان، ابنة خلف هجو".
بعد ذلك ذهبنا إلى مكان مقتل النساء الإيزيديات، ورأيناه عن قرب لنجد أنه تم قتلهن جميعاً في مكان قرب القبة.
وبحسب أقوال حسين، فإنه توجد هناك أماكن عديدة أخرى قرب القرية والقبة تم دفن أكثر من شخص معاً فيها.
جميع أهالي القرية والإيزيديون بانتظار استخراج جثثهم وكشف هوياتهم وخاصة بسبب تعرض الآلاف للخطف، فهل يا ترى أقاربهم من بين الذين خطفوا أم من بين أولئك الذين دفنوا.. لا يمكن معرفة ذلك.
’لم يحموا الإيزيديين بل هربوا‘
نعود مرة أخرى إلى بداية الفرمان، في الواقع لم تكن شنكال مدعومة بقوة دفاعية، فعلى الرغم من وجود بعض الشنكاليين بينهم إلا أنّ أكثرهم كانوا من الكرد والعرب، فعشرات الآلاف من قوات الحزب الديمقراطي التابعة للبيشمركة، بالإضافة إلى القوات العراقية تواجدوا هناك تحت مسمى حماية المجتمع الإيزيدي، وما إن بدأ الهجوم حتى ولوا فارين.
تركُ المجتمع الشنكالي بمفرده خلق ظروفاً صعبة، فهروبهم جعل أهالي المنطقة هدفاً مباشراً لعصابات داعش وحلفائها.
عندما يتحدث حسين نايف خضر عن تلك الفترة، يتملكه غضب كبير، فقد قال إنه كانت توجد في شنكال ومحيطها قوات كبيرة لكنها هربت.
وبحسب ما ذكر، كان يوجد حينها قرابة 12أو 13 ألفاً من المقاتلين باسم حماية المنطقة، لكنهم لم يقوموا بوظيفتهم بل هربوا.
هرب أكثر من 13 ألفاً من البيشمركة والقوات العراقية، لكن قوّة صغيرة جداً وصلت إلى شنكال.
في البداية وصل حوالي 12 جندياً، ثم تدخلت بعد ذلك قوات أخرى من قوات الحماية الشعبية، ووحدات المرأة الحرة ستار، ووحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة وشنوا هجوماً كبيراً على عصابات داعش.
وكما يقول حسين، فإن عدد قوات الكريلا التي جاءت إلى شنكال قد بلغ حينها100على الأكثر، واستطاعوا بهذا العدد القليل إنقاذ المجتمع من الموت، هذا العدد القليل وبإصرار وعزيمة وحساسية شديدة أخذت بالإيزيديين الموجودين على الطرقات إلى أماكن آمنة؛ حيث احتضنوهم ورعوهم وعالجوا المرضى.
وحملوا الأطفال الذين لم تستطع أمهاتهم حملهم ومشوا مع أهالي شنكال ساعات حتى وصلوا إلى بر الأمان.
قام هذا العدد الضئيل من الكريلا ومقاتلو روجآفا بتوسيع عمليتهم وبحثوا عن تجمعات العصابات، واحدة تلو الأخرى، واسترجعوا المناطق التي سيطروا عليها وقاموا بتحييد عصابات داعش تماماً.
في الواقع قُوبِلَ هذا الأمر بمحبة واحترام وامتنان كبير من قبل المجتمع الإيزيدي.
’لقد نجونا بفضل الرفاق وفكر القائد آبو‘
أثناء الفرمان وعلى الرغم من العوائق التي وضعها الحزب الديمقراطي الكردستاني وأتباعه استطاعت قوات الحماية الشعبية، ووحدات المرأة الحرة ستار، ووحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة الوصول إلى أهالي شنكال وصد هجوم عصابات داعش.
نتيجة هذه المقاومة التاريخية نجا آلاف الإيزيدين من الموت، وتم استرجاع المناطق التي سيطر داعش عليها فيما مضى.
وإذا سألنا الشنكاليين في أي مكان عن مشاعرهم بخصوص الفرمان، فإن جميعهم سيعبّرون وبصوت واحد عن شكرهم وامتنانهم لقوات الكريلا ومقاتلي روجآفا، وبهذا الشكل، العيون تبتسم ولا عودة لمشاعر الحزن بعد الآن.
أهالي قرية جدالة وحراس قبة "الشيخ مند" وحسين وأسرته أيضاً يتحمسون لدى سماعهم اسم الكريلا وقائد الشعب الكردي عبدالله أوجلان، ويقولون إنه لولاهم لما تخلصوا من هذا الفرمان، وكانت ستكون النهاية بالنسبة للإيزيديين، وعلى حسب قول حسين لم يكن ليبقى فرد إيزيدي.
ويضيف أيضاً "لولا مساندة الكريلا، ووحدات حماية الشعب وأهالي روج آفا لم يكن ليقف أحد إلى جانبهم.
حسين يوجه انتباهنا إلى اتفاقية 9 نيسان التي عقدت بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والحكومة العراقية والدول الداعمة للاتفاقية، وقال إنهم لن يقبلوا أبداً بمثل هذا التدخل على أراضيهم.
وأبدى حسين نايف خضر رأيه حول تأثير فكر وفلسفة القائد الكردي عبدالله أوجلان على شنكال وقد أثار اهتمامنا قوله "فكر القائد آبو فكر صافٍ".
وأثار اهتمامنا أيضاً أنه عندما يذكر حسين مثل هذه المقولات، فإنه يرى أن فكر القائد آبو صافٍ، ليس فقط لدى المجتمع الإيزيدي بل لدى جميع المجتمعات وتحتضن بشكل خاص المجتمعات المستعبدة.
يشير حسين إلى أن المجتمع الإيزيدي استطاع بفضل فكر القائد آبو أن يكوّن قوات حماية لنفسه وينضوي تحت راية مجلس شنكال المتمتع بالحكم الذاتي، ويشير حسين أيضاً إلى أن هذه هي المرة الأولى التي يمتلك فيها المجتمع الإيزيدي قوة ذات قيمة هكذا.
’لم يتركوا شنكال أبداً‘
لأسرة حسين نايف خضر ميزة أخرى، فكما لاحظنا أنه مهما كانت الظروف وتحت وطأة أي شروط لم يقبلوا مغادرة شنكال. أسرة حسين هي واحدة من الأسر التي لم تغادر شنكال، فبعد تحريرهم من الفرمان ظلوا في جبال شنكال، ولم يتوجهوا لا إلى الجنوب ولا إلى الغرب ولا إلى دول أوروبا.
وهذا مدعاة فخر وسعادة كبيرة لدى حسين، الذي يقول إنه كان شاهداً على حوالي ألفي أسرة ظلت تقاوم في الجبال ولم تترك وطنها، كما أن القوات التي خلصتهم من الفرمان دعمتهم ولبّت احتياجاتهم.
وما أن نستمع اليوم لأي شنكالي، حتى تلفت مطالبهم انتباهنا "نسأل الله رب العالمين أن تذهب تلك الأيام السوداء دون رجعة".
مقابل هذه الذكريات المؤلمة، فإن أنظار الجميع متوجهة إلى تطور شنكال.
ودعا حسين جميع الشنكاليين الذين أُجبروا على الهجرة أيام الفرمان إلى العودة إلى شنكال؛ لأن تراب وخيم ومدن الغرباء لا يمكن أن تكون للإيزيديين، ويكرر لنا قوله "فقط على ترابهم يستطيع الإيزيديون العيش بسلام، ويشير حسين إلى السلام السائد في شنكال اليوم، ويمثل على ذلك بأن الشخص يستطيع أن يرقد في منتصف الطريق وهو مطمئن وبلا خوف.
في النهاية، حان وقت الوداع، بسبب الدفء والترحيب الحار من الأسرة خرجنا إلى الطريق مرة أخرى وكلنا سعادة.
من ناحية، تم عيش حزنٍ كبير وأيام سوداء وجروح لا يمكن أن تلتئم، ولكن بشخصية هذه الأسرة، رأينا كم أن المجتمع الإيزيدي يستحق حياة حرة في شنكال وكم أنه متعلق بإصرار بشهدائه ومفقوديه.
لقد رأينا في عيني كل فرد من هذه الأسرة الأمل والتوق للحرية، آملين ألا يعيشوا هذا الفرمان مرة أخرى، ويتمكنوا من بناء مستقبل ذي قيمة لأبنائهم.
ANHA
<iframe width="560" height="315" src="https://www.youtube.com/embed/8mEM4fPXc-g" title="YouTube video player" frameborder="0" allow="accelerometer; autoplay; clipboard-write; encrypted-media; gyroscope; picture-in-picture" allowfullscreen></iframe>