إدلب... مشهد غير متجانس تعقّده التدخلات الاستعمارية والأيديولوجيات المتطرفة

تعتبر مدينة إدلب من أكثر المناطق ذات المشهد المعقد غير المتجانس في العالم، إثر عوامل عديدة، أهمها تدخل القوى الاستعمارية مصحوبة بالأيديولوجيا المتطرفة السائدة، والصراعات التي لم تنته منذ بداية الأزمة السورية.

إدلب... مشهد غير متجانس تعقّده التدخلات الاستعمارية والأيديولوجيات المتطرفة
إدلب... مشهد غير متجانس تعقّده التدخلات الاستعمارية والأيديولوجيات المتطرفة
إدلب... مشهد غير متجانس تعقّده التدخلات الاستعمارية والأيديولوجيات المتطرفة
إدلب... مشهد غير متجانس تعقّده التدخلات الاستعمارية والأيديولوجيات المتطرفة
إدلب... مشهد غير متجانس تعقّده التدخلات الاستعمارية والأيديولوجيات المتطرفة
إدلب... مشهد غير متجانس تعقّده التدخلات الاستعمارية والأيديولوجيات المتطرفة
إدلب... مشهد غير متجانس تعقّده التدخلات الاستعمارية والأيديولوجيات المتطرفة
الجمعة 4 حزيران, 2021   21:41
مركز الأخبار - محمد عبدو  

تقع إدلب شمال غرب سوريا، وتتوسّط محافظات حلب وحماة واللّاذقية، على مساحة قدرها 6100 كم2، وتحتل موقعًا متميزًا ومهمًّا على طريق الحرير قديمًا، وتعتبر صلة الوصل بين المنطقتين الساحلية والوسطى والمنطقتين الشمالية والشرقية، حيث تكوّن جسرًا بين مناطق الإنتاج الزراعي في شمال وشرق سوريا ومناطق التصدير في ميناء اللاذقية.

وبحسب إحصاء عام 2010، بلغ عدد سكان محافظة إدلب 164,883 نسمة، يسكنها العرب إلى جانب الكرد والتركمان، وينتمي أكثر هؤلاء السكان إلى الطائفة السنية، ونسبة منهم من المسيحيين والدروز.

وفي هذا الملف سنسلط الضوء على محافظة إدلب السورية وأبرز المحطات التي توقفت عندها منذ بداية الأزمة مرورًا بسيطرة المرتزقة على المدينة وفتح الباب أمام التدخلات الخارجية والصراعات القائمة والتي يدفع ثمنها الشعب السوري.

'إدلب وبداية الأزمة السورية'

في آذار/ مارس عام 2011، نزل السوريون إلى الشوارع وتبنوا شعار ما يُسمّى بـ "الربيع العربي": "الشعب يريد إسقاط النظام"، وكانت إدلب من بين أولى المحافظات التي ثارت في وجه حكومة دمشق.

ففي 29 حزيران/ يونيو أعلن عدد من الضباط المنشقين عن قوات حكومة دمشق عن أول نواة لجيش معارض في سوريا في منطقة جبل الزاوية بمحافظة إدلب تحت مسمى الجيش السوري الحر، لتصبح المحافظة المعقل الأساسي والأول للمسلحين المعارضين لحكومة دمشق.

ولكن سرعان ما انحل هيكلها تدريجيًّا بحلول أواخر عام 2012 إثر تدخل إقليمي ودولي وفي مقدمته التدخل التركي والقطري لخدمة أجندات ومصالح الدول المتدخلة، وهذا ما أدى إلى انحرف مسار ما يسمى الثورة السورية لخدمة من يمولها ويتحول أعضاؤها من ثوار إلى مرتزقة بيد أعداء الشعب السوري.

وخلقت هذه التدخلات بيئة مناسبة لولادة جماعات متطرفة وإرهابية أمثال داعش وهيئة تحرير الشام "جبهة النصرة سابقًا"، مما عقّد المشهد.

وازداد تعقيد المشهد مع الاقتتال الداخلي بين المرتزقة أنفسهم، لتبدأ مرحلة جديدة من المعارك والاشتباكات بين أولئك المرتزقة المتناحرين أصلًا وقوات حكومة دمشق في إدلب واستمرت إلى آذار/ مارس من عام 2015 بعدما سيطرت جبهة النصرة على كامل المحافظة والتي غيّرت اسمها لاحقًا إلى هيئة تحرير الشام في محاولة من تركيا لرفعها من قوائم الإرهاب.

ماهي المجموعات المرتزقة الموجودة في إدلب؟

وحاليًّا يسيطر مرتزقة جيش الاحتلال التركي على (10.98%)، من مساحة سوريا والتي تقع ضمن ما تسمى "منطقة خفض التصعيد" التي أعلنت كل من روسيا وتركيا وإيران الاتفاق على تشكيلها في الجولة الرابعة –عقدت في أيار/ مايو 2017- من سلسلة اجتماعات آستانا بين الأطراف الثلاثة والتي ساعدت حكومة دمشق على استعادة نصف مساحة البلاد التي خسرتها في المعارك مع المسلحين.

وبناء على سلسلة اجتماعات آستانا تلك، عمدت تركيا إلى إنشاء مقرات عسكرية تحت مسمى "نقاط المراقبة" ويبلغ عدد هذه المواقع حاليًّا 113 موقعًا عسكريًّا، منها 43 في إدلب والبقية تتوزع فيما تبقى من منطقة ما تسمى خفض التصعيد الرابعة التي تضم إلى جانب إدلب أجزاء من حلب وحماة واللاذقية.

وتنتشر في المحافظة مجموعات مرتزقة تابعة لتركيا منها هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقًا) ومجموعات مرتزقة بمسميات مختلفة إلى جانب وجود مجموعات من الإيغور والتركستان ومجموعات جهادية، تتقاتل فيما بينها تارة ومع قوات حكومة دمشق والموالين لها تارة أخرى.

وفيما يلي قائمة تتضمن المجموعات المرتزقة الرئيسة الموجودة حاليًّا في إدلب في مشهد معقد يكتنفه الغموض والتناحر:

هيئة تحرير الشام: كانت تسمى "جبهة النصرة" فرع تنظيم القاعدة سابقًا قبل أن تغير اسمها إلى ما يسمى بـ هيئة تحرير الشام بضغط تركي. وحاليًّا تعد الطرف الأكثر نفوذًا في إدلب بعد أن أقصت شركاءها من المجموعات المرتزقة الموالية لتركيا في يوليو/ تموز 2017، لتنفرد بالسيطرة في المحافظة، ولها جناح سياسي، ويقودها أبو محمد الجولاني، وتتخذ مما تسمى حكومة الإنقاذ واجهة لها.

وتدّعي هيئة تحرير الشام أنها على خلاف مع تنظيم القاعدة بعد ادعاءاتها بأنها قطعت روابطها عنها في يوليو/ تموز 2016 وذلك في محاولة لإزالة اسمها من قائمة التنظيمات الإرهابية، لكن دون جدوى.

مرتزقة داعش: على الرغم من تأكيد التقارير الدولية انتهاء سيطرة مرتزقة داعش جغرافيّاً، إلا أن مقتل زعيم مرتزقة داعش سابقاً أبو بكر البغدادي في الـ27 من شهر تشرين الأول/أكتوبر 2019 في قرية باريشا بإدلب على الحدود مع تركيا، فتح باب التساؤل حول تواجد عناصر داعش في تلك المنطقة.

وجاء مقتل البغدادي في إدلب بعد أن كان داعش قد أعلن في 10 كانون الثاني/يناير 2018 أنه شن هجمات ضد قوات حكومة دمشق جنوب إدلب وبالقرب من مطار "أبو الظهور" وكان داعش قد نشر صوراً عديدة لقتلى قوات حكومة دمشق.

الحزب الإسلامي التركستاني: هي جماعة من الموالين القدماء لتنظيم القاعدة، ونشأ في مقاطعة شينجيانغ شمال غرب الصين وأغلب مسلحيه من أقلية مسلمي الأيغور المنتهجين للفكر المتطرف وله وجود راسخ في سوريا، ويتركز انتشاره في جنوب غرب إدلب، وأجزاء من محافظة اللاذقية ونقلتهم تركيا إلى هذه المناطق.

جبهة التحرير الوطنية: وهي عبارة عن تحالف بين عدد من المجموعات المرتزقة مثل فيلق الشّام، جيش إدلب، جيش النّخبة، جيش النصر، وتأسّست في أيار عام 2018، ولها علاقات وثيقة مع هيئة تحرير الشام.

جماعات مرتزقة أخرى: وتتواجد في إدلب جماعات مرتزقة أخرى، ومن بينها حركة أحرار الشام، التي استولت هيئة تحرير الشام على قواعدها في إدلب في يوليو/تموز 2017، وحركة نور الدين زنكي، جيش الأحرار، وجيش العزة بالإضافة لمجموعات أصغر.

وهذه المجموعات تتحرك بإمرة قوات الاحتلال التركي وشاركت في الهجوم على عفرين في كانون الثاني/يناير 2018 وعلى سريه كانيه وكري سبي في تشرين الأول/أكتوبر 2019.

إدلب .. معقل للمرتزقة والمتشددين

بعد سلسلة الاجتماعات الّتي جمعت كلّاً من روسيا وتركيا وإيران في سوتشي وأستانا، أصبحت إدلب نقطة تمركز المجموعات المرتزقة، الّتي نقلت بالباصات الخضراء من حلب وغوطة دمشق وريفي حماة وحمص، بناء على اتفاقات روسية تركية تحت مسمى المصالحة.

وجاء نقل المجموعات المرتزقة من غوطة دمشق إلى إدلب بناء على صفقة تركية روسية، منحت فيها روسيا الضوء الأخضر لتركيا بشن الهجمات على عفرين واستخدام الأسلحة المحرمة دولياً ضد المدنيين على مرأى ومسمع المجتمع الدولي.

فيما تمّ نقل المجموعات المرتزقة في درعا والقنيطرة، ومناطق جنوب سوريا، بتفاهم بين كلّ من الولايات المتّحدة الأمريكيّة وروسيا والأردن مقابل إبعاد الإيرانيين عن المناطق الحدوديّة مع إسرائيل.

وبذلك تحولت إدلب إلى أكبر معقل للمرتزقة والمجموعات الإرهابية المصنفة على لائحة الإرهاب الدولي، والتي تتلقى الدعم والمساندة من تركيا.

تركيا تحافظ على الإرهابيين والمرتزقة

رُسمت حدود منطقة خفض التصعيد الرابعة في الجولة السادسة من مسار أستانا في سبتمبر/أيلول 2017 بعد أن كان تم الاتفاق على تشكيلها في أيار/مايو من نفس العام، وهي تضم محافظة إدلب، ومعها أجزاء من أرياف حلب، وحماة، واللاذقية.

ونتيجة استمرار قوات حكومة دمشق بالتوغل على مراحل في منطقة خفض التصعيد الرابعة، توصلت أنقرة وموسكو إلى اتفاق سوتشي في 17 أيلول/سبتمبر عام 2018 والذي ينص على "إقامة منطقة منزوعة السلاح بعمق 15 - 20 كيلومتراً داخل منطقة خفض التصعيد، إبعاد جميع الجماعات الإرهابية الراديكالية عن المنطقة منزوعة السلاح، بحلول 15 أكتوبر/تشرين الأول. سحب الأسلحة الثقيلة من داخل المنطقة منزوعة السلاح بحلول 10 أكتوبر 2018. استعادة حركة الترانزيت عبر الطريقين إم 4 (حلب - اللاذقية) وإم 5 (حلب - حماة) بحلول نهاية عام 2018".

ولكن أياً من هذه البنود لم يتم تطبيقها من قبل تركيا التي اعتبرت ضامنة للمجموعات المرتزقة والإرهابية.

واتهمت موسكو أنقرة بعدم تنفيذ التزاماتها، وبدأت قوات حكومة دمشق لاحقاً بشن هجمات على مرتزقة تركيا في ريفي حلب وإدلب، حيث تجاوزت قوات حكومة دمشق المدعومة بالطيران الروسي الكثيف حدود المنطقة العازلة المُقررة في سوتشي مع مطلع عام 2020.

وفي 27 فبراير/شباط 2020، قتل 33 عسكرياً تركياً على الأقل في ضربات جوية نسبتها أنقرة لسلاح الجو السوري، وكانت الخسائر جسيمة لقوات الاحتلال التركي، عقب أسابيع من التصعيد في إدلب بين أنقرة ودمشق.

وصولاً إلى الأول من مارس، حين أعلن جيش الاحتلال التركي عملية عسكرية ضد قوات حكومة دمشق في إدلب استمرت حتى 5 آذار/مارس ليجتمع بوتين وأردوغان مجدداً ويوقفا الحرب بين الطرفين.

وسيطرت قوات حكومة دمشق على أكثر من نصف مساحة منطقة خفض التصعيد الرابعة منذ أن أنشئت، في حين أعلنت الأمم المتحدة أن عدد النازحين من هذه المنطقة بلغ أكثر من 830 ألف شخص منذ بداية العمليات العسكرية في المنطقة.

وفي هذا السياق يقول رئيس حزب التغيير والنهضة السوري مصطفى قلعه جي في حديث خاص لوكالتنا، "إن مناطق التصعيد لم تنجز أي شيء حتى الآن، والحل متواجد لدى الدول المتدخلة في الشأن السوري".

جبهة النصرة تفرض سلطتها

وحالياً تسيطر جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام) على أكثر من 90 % من مساحة محافظة إدلب، وفي 29 أيار/مايو المنصرم أفاد تقرير إعلامي نشره موقع سكاي نيوز عربية، أن ما تسمى حكومة الإنقاذ التابعة لمرتزقة هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) والتي يتزعمها أبو محمد الجولاني، بصدد فتح كلية حربية في محافظة إدلب، بهدف تخريج كوادر عسكرية، من مختلف الاختصاصات والرتب.

وبحسب الموقع، فإن الكلية الحربية باتت شبه ناجزة، وأنها سترى النور خلال بضعة أشهر، وستشرف على هذه الكلية، هيئة تحرير الشام، مع الجبهة الوطنية للتحرير، المتحالفة معها، والتابعة للائتلاف السوري الذي يتخذ من مدينة اسطنبول التركية مقراً له.

كما تضمن التقرير أن مشروع الكلية الحربية هذا سيعتمد بداهة، على المدربين والضباط الأتراك في تدريب مرتزقة هيئة تحرير الشام وما يسمى بالجيش الوطني.

وفي هذا السياق أشار الكاتب والمحلل السياسي في مركز روج آفا للدراسات الاستراتيجية، منذر محمد إلى أن جميع الخطوات التي تجري في إدلب، وغيرها من المناطق مرتبطة بالتقلبات الدولية التي تحصل، فهيئة تحرير الشام رسخت وجودها في إدلب منذ سنوات، وهي من أكثر الفصائل المتشددة في هيكليتها.

ورأى محمد بأن تركيا تريد الاستفادة من ذلك من خلال إجراء تغييرات على هيئة تحرير الشام بهدف شرعنتها دولياً، كونها من المجموعات المصنفة على لائحة الإرهاب الدولي.

وتطرق إلى التصريحات الأخيرة  لزعيم الهيئة "الجولاني" لصحيفة أمريكية وادعائه بأنه لا يعادي الغرب، وقال محمد: "كان التصريح بمثابة رسالة تريد الهيئة إيصالها إلى الرأي العام الغربي بأنها قادرة على تغيير نفسها، ولكن المجتمع الدولي له منظور خاص فيما يتعلق بملف إدلب".

ويرى مراقبون وخبراء في شؤون الجماعات الإرهابية، أن رفع وتيرة التجنيد العسكري، مع اعتزام إنشاء كلية عسكرية في إدلب، تحت إدارة الفرع السوري لتنظيم القاعدة، هو تطور خطير لا تقف شروره عند التخوم السورية، بل هو خطر داهم يطال مختلف دول المنطقة، وأن إدلب غدت بؤرة للإرهابيين حول العالم وبرعاية تركية، وأن هذه التعبئة ربما تكون مقدمة لعمليات إرهابية داخل سوريا وخارجها.

'تواجد تركيا في إدلب يعني تواجد حلف الناتو'

ويرى الكاتب والمحلل السياسي منذر محمد، أن "الغرب يرى إدلب المعقل الذي يشكل عقبة أمام النظام السوري في تحقيق هدفه، فالغرب لا يريد لروسيا والنظام السيطرة على إدلب مهما كانت، سواء تحولت إلى معقل للقاعدة أم لا، لذلك اللامبالاة من قبل الغرب حيال تصرفات جبهة النصرة هي لجهة عدم خسارتها لهذه المناطق كون التواجد التركي فيها يعني تواجد الناتو".

ما هو الحل لعقدة إدلب وسوريا عموماً ؟

ويرى المراقبون أن الحل الأمثل لإنهاء الأزمة السورية عامةً وعقدة إدلب على وجه الخصوص يكمن في إنهاء الاحتلال الأجنبي للبلاد وإغلاق الباب أمام التدخلات الخارجية إلى جانب البدء بسلسلة من الاجتماعات بين جميع ممثلي الشعب السوري الحقيقيين والحوار حول دستور شامل يضمن حقوق الجميع بشكل ديمقراطي.

ولعل من أكثر المشاريع التي أثبتت نجاحها خلال الأزمة السورية هو مشروع الأمة الديمقراطية التي تطبقها الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا والتي تتخذ من التعايش المشترك وأخوة الشعوب أساساً لها.

ويشير القائد عبد الله أوجلان، في آخر رسالة له بصدد الهجمات التركية على الأراضي السورية إلى أن الحل يكمن في السلام قائلاً: "الحرب ليست الحل، فتركيا ستتضرر أكثر، كما أن الشعب الذي يعيش مع بعضه البعض أيضاً سيتضرر، يجب أن يحل السلام، الحرب ليست الحل، وإذا دخلت تركيا الأراضي السورية لن يكون هذا حلاً بالنسبة لها، والصحيح هو أن الحرب ليست جيدة للشعوب، لقد بقيت 20 عاماً في سوريا، وأعرف شعبها بشكل جيد، وأنا أعرف العشائر العربية هناك أيضاً بشكل جيد، وكانت لي علاقات معهم، أوصلوا تحياتي للعشائر العربية والشعب هناك، يجب حل المشكلة عبر الديمقراطية، لأن الحرب لا تأتي بالحلول".