اهتمام روسي بلبنان.. وأزمة التأليف تراوح مكانها
لا يتوقع اللبنانيون التوصّل إلى أي مسار عملي بعد انتهاء مشاورات موسكو مع طرفي أزمة تأليف الحكومة اللبنانية، رغم الأجواء "الإيجابية" في الداخل وصولًا إلى موسكو وباريس وسائر الدول المهتمة بالملف اللبناني.

الملف الحكومي اللبناني على موعد مع أكثر من محطة دولية في الأيام المقبلة، غير أنها كلّها يرجّح ألا تتمكن من كسر المراوحة السلبية القاتلة التي تحكم مشهد التأليف منذ 7 أشهر ونصف. فالخلاف على أشدّه بين اللاعبَين الأساسيين على خط التشكيل ميشال عون وسعد الحريري.
وحضرت عملية تأليف الحكومة اللبنانية على طاولة وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في بروكسل، والذي نوقشت من زاوية عجز الطاقم السياسي عن الاتفاق في ما بين أركانه، بينما البلاد تغرق في أصعب أزماتها المعيشية والاقتصادية.
هذا وقد أتت التطورات على الضفة القضائية، لتصبّ الزيت على نار الحرب الحكومية المشتعلة أصلًا بين الفريقين، ففيما القاضية غادة عون محسوبة على التيار الوطني الحر، رأى تيار المستقبل أن "التباكي على بعض القضاة بعد تشجيعهم على مخالفة القوانين، والطلب إليهم فتح ملفات استنسابية للخصوم، هو أمر لم يعد ينطلي على أحد من اللبنانيين.
'حراك روسي باتجاه لبنان'
عاد الدور الروسي إلى الواجهة بعد فتور واستنكاف لأيام عديدة، إلا أن المعلومات من مصادر ديبلوماسية متابعة لدور وحراك المسؤولين الروس، تؤكد أن الاتصالات التي كان يقوم بها نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف لم تنقطع، واستمرّت وما زالت مع عدد من المسؤولين اللبنانيين، ولا سيما من تربطه بهم صداقة قديمة، إضافة إلى مستشارين لمرجعيات سياسية وحزبية عملوا على نقل الرسائل إلى بوغدانوف، ما يؤكد على الدور الفاعل لروسيا في هذه المرحلة، ولا سيما اللقاءات التي عقدها الرئيس المكلّف سعد الحريري، حيث تكشف المعلومات من بعض الديبلوماسيين الروس، بأن هذه اللقاءات تمحورت حول ثلاثة عناوين، أولها تشكيل حكومة في أقرب فرصة، وثانيها أن تكون برئاسة الحريري تحديدًا، وثالثها تقديم مساعدات اقتصادية وطبية، ولا سيما لقاح "سبوتنيك 5".
وفي السياق، وضع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الحريري في أجواء زيارتيه لكل من القاهرة وطهران، وكشف بأنه شدّد على المسؤولين الإيرانيين، وبما لهم من علاقات وصداقات ونفوذ مع عدد من حلفائهم في لبنان، مطالبًا إياهم بضرورة تسهيل عملية التأليف، ودعم جهود الرئيس المكلّف.
وكذلك، يؤكد الديبلوماسيون الروس المتابعين للملف اللبناني، أنه ليس ثمة مبادرة روسية، بل دعمًا للبنان على أكثر من خلفية في هذه المرحلة، وخصوصًا لجهة الوضع الاقتصادي المتردّي والخطير، بحيث هناك قلق روسي كبير من أن يؤدي ذلك إلى فوضى شاملة قد تمتدّ إلى الحدود مع سورية، التي بدورها تجتاز أوضاعًا اقتصادية مماثلة، ما قد يخلق بعض التفلّت على حدود البلدين.
ولا يمكن وضع الحركة الروسية في خانة المبادرة، إنما هي تتلاقى مع المبادرة الفرنسية، باعتبار أن المسؤولين الروس، أكدوا في كل اللقاءات التي حصلت مع المسؤولين اللبنانيين، بأنهم يدعمون الجهود الفرنسية والمبادرة التي أطلقها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وإن كانت لهم نظرة مختلفة في بعض الجوانب، أي أنهم، وفي هذه المرحلة بالذات، لا يجارون ما يصدر عن المسؤولين الفرنسيين والأميركيين والأوروبيين من تهديدات بعقوبات لبعض السياسيين في لبنان، ويعتبرون أن هكذا خطوات وإجراءات قد تعقّد مسار الحلول الجارية على أكثر من خط إقليمي ودولي.
الاهتمام الروسي بلبنان!
السؤال الذي يتبادر إلى الذهن، هل لبنان أولوية في السياسات الروسية؟ الصحافي اللبناني منير الربيع يؤكد أن لبنان ليس أولوية في السياسات الروسية، ولكن موسكو لا يمكنها إغفاله نظرًا لموقعه الجغرافي على حدود سورية، واهتمامها باستقرار الوضع الاقتصادي في لبنان، هدفه محاولتها عدم تأثيره سلبًا على الواقع السوري.
ويتابع الربيع لوكالتنا: "تبدي موسكو حرصها على الاستقرار في لبنان، وهي أعدت خطة لإعادة اللاجئين السوريين إلى بلدهم، ولدى سؤال المصادر عما إذا كانت روسيا مستعدة للعب دور بين لبنان وسورية لترسيم الحدود البرية والبحرية، لا سيما الحدود الشمالية والشرقية، يأتي الجواب سريعًا: "روسيا لديها كل الاستعداد لذلك، إذا طلبت الدولة اللبنانية منها الدخول في وساطة".
ويقول الصحافي اللبناني: "أي دور روسي في هذا المجال يتصل مباشرة بالتنافس بين روسيا والولايات المتحدة الأميركية، التي لديها اهتمام استثنائي بلبنان من باب ترسيم الحدود الجنوبية، وبحثًا عن مصالح من خلال التنقيب عن النفط. وهذه أيضًا حال روسيا انطلاقًا من وجودها ودورها في سورية".
'باسيل في موسكو'
وبعد زيارة وفد "حزب الله" إلى العاصمة الروسية، جاءت زيارة الرئيس المكلف سعد الحريري. وتشهد المرحلة المقبلة زيارات متتالية لمسؤولين لبنانيين إلى موسكو، منهم جبران باسيل في 29 نيسان الجاري.
وكان باسيل يسعى منذ مدة لهذه الزيارة وكسر الحصار الذي يتعرض له دوليًّا وعربيًّا، وروسيا لا تعترف بالعقوبات الأميركية، فلا تجد حرجًا في استقبالها باسيل لبحث المشكلات اللبنانية معه. وهي تؤكد أنها على مسافة واحدة من القوى اللبنانية.
وسيحاول باسيل في موسكو الإيحاء بأنه يدافع عن حقوق المسيحيين، معلنًا أنه لهذا السبب يضع الشروط على تشكيل الحكومة، ولكن الموقف الروسي معروف: ضرورة تشكيل حكومة بأسرع وقف ممكن، ولا تكون مرهونة لأي حسابات سياسية لأي من الأطراف، وهذه رسالة واضحة وبالغة الدقة سيسمعها باسيل في موسكو.
'أهداف روسيا في لبنان'
وينقل الصحافي اللبناني منير الربيع عن مصادر ديبلوماسية قولها: "إن النشاط الروسي غير مستغرب، وليست المرة الأولى التي تستقبل فيها روسيا شخصيات سياسية لبنانية. فمنذ الدخول الروسي إلى سورية في العام 2015، كان هناك إصرار واضح من بوتين على لعب دور في منطقة الشرق الأوسط، وتعمل موسكو على تعزيز حضورها في المنطقة، ونسج علاقات مع دول عدة لتقوية نفوذها، والنشاط الروسي لا يقتصر على سورية ولبنان وليبيا، بل أصبحت علاقتها متطورة جدًّا مع دول الخليج العربي".
والخلافات اللبنانية - اللبنانية، والانصراف الدولي عن الاهتمام بالوضع اللبناني، يسمحان لموسكو بأن تملأ الفراغ وتفرض حضورها لبنانيًّا، ولبنان لا ينفصل عن سورية، لذا يتحول إلى أولوية في استراتيجية روسيا الشرق أوسطية، ولا سيما في ظل توتر علاقتها بالولايات المتحدة الأميركية وإدارة الرئيس جو بايدن. توتر وخلاف قابلان للتصاعد، تمهيدًا لعقد قمّة بين بايدن وفلاديمير بوتين في هلسنكي.
هل الحكومة قريبة؟!
وإزاء هذه الأجواء في الداخل وصولًا إلى موسكو وباريس وسائر الدول المهتمة بالملف اللبناني، وفي هذه المرحلة بالذات، لا تبدو عملية تأليف الحكومة جارية على قدم وساق وعلى نار هادئة، بل تلوح في الأفق معركة تصفية حسابات سياسية داخلية، ولا سيما بين بعبدا و"بيت الوسط"، وما التظاهرات والاعتصامات والمساجلات إلا مؤشرًا على هذا الصراع المفتوح.
ويبدو أن هناك تباينات هائلة على خط الدول المعنية بالملف اللبناني، إذ يُنقل أنه وخلال زيارة الحريري إلى موسكو تبيّن أنّ ثمة دعمًا له لا لبس فيه من قبل القيادة الروسية. وفي جميع اللقاءات، قيل له إنّ موسكو ستنزع لغم الثلث المعطل من المتمسكين به، ولكن كشف وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف والذي عاد قبل أيام من طهران، أنّه قال لنظيره الإيراني محمد جواد ظريف "عليكم ممارسة الضغط على حزب الله، فلا يجوز أن يبقى لبنان دون حكومة وهناك من يتمسك بالثلث المعطل"، وقد سمّاهم لافروف بالأسماء، ليردّ ظريف كما أشار وزير الخارجية الروسي: "إنّنا ندعم لبنان وسنسهّل الحل ونتكلم إلى حلفائنا من أجل تحقيق هذه الغاية"، لكن تبيّن بالملموس أنّ إيران تراعي إلى حدّ كبير رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل، ومن الطبيعي أنّها لا تمارس أي ضغوط على توأمها "حزب الله"، بل تعطي كل الدعم والتسهيلات له ليبقى هامش المناورات قائمًا، بما في ذلك ما يجري على مسار تأليف الحكومة.
(ح)
ANHA