سقط القناع عن القناع

المعارك الطاحنة حالياً في شمال حماه وجنوب إدلب، تُمثل صراع إرادة حقيقية، قد تكون نتائجها حاسمة لمستقبل الشمال السوري خصوصاً وسوريا عموماً، البؤرة الأخيرة التي جمع فيها أردوغان المرتزقة من أصقاع الأرض لإسقاط النظام في سوريا في عام 2011 ومن ثم ساعدته اتفاقيات أستانا السيئة الصيت على تجميع كل المتطرفين والقتلة الذين كانوا محاصرين في بؤر إرهابية على امتداد الجغرافيا السورية ليقوم النظام التركي المجرم بإعادة تدويرهم وتسليحهم في عفرين المحتلة باسم "الجيش الوطني" لاستخدامهم لاحقاً لاقتطاع المناطق الشمالية من سوريا وضمها للدولة التركية. بين أصوات هدير الطائرات والمدافع والصواريخ هناك تتكشف حقائق الميدان. تلك الحقائق التي استترت خلف مسارات سياسية ومفاوضات ثنائية بين روسيا وتركيا ، وجماعية في جولات أستانا تنبأ بها قائد وحدات حماية الشعب سيبان حمو وذلك أثناء الغزو التركي للمنطقة قائلاً: "لقد ارتكبت روسيا خطأً فادحاً بالتآمر على عفرين وستندم على ذلك لتكتشف لاحقا بان لتركيا أهداف أخرى استعمارية في الشمال السوري."
ما كشفته أشهر من التصعيد العنيف على تخوم إدلب، يؤشر أولاً إلى سقوط القناع التركي، وظهور النوايا الحقيقية لأنقرة في الأرض السورية. كل كلام أردوغان أمام نظيره الروسي عن الإرهابيين في ادلب، والالتزامات التي قدّمها، لعزل التنظيمات الإرهابية، وسحب كل الفصائل من منطقة تم التوافق عليها باتفاق مكتوب في سوتشي وقّع عليه الرئيس أردوغان بنفسه . كل هذا لم يكن سوى قناع تركي سقط خلال الأيام الماضية، وظهر الوجه التركي الحقيقي وبانت النوايا والأهداف بالتورط التركي المباشر في مساندة الارهابيين والتكفيريين في مواجهة قوات النظام السوري وروسيا وتقديم دعم ناري ولوجستي مباشر للنصرة وأخواتها، مما استدعى رداً سورياً مباشراً تحول إلى تبادل للقصف بين جيش أردوغان والجيش السوري.
في المعارك التي تجري حاليا بين الجيش السوري وجبهة النصرة ومن معها، انخرطت تركيا بشكل مباشر الى جانب النصرة وكل المنظمات الإرهابية الأخرى، والاكثر تطرفاً من النصرة نفسها، ”مثل حراس الدين” ، “والحزب الإسلامي التركستاني” وجيش العزة من تشكيلات الإخوان المسلمين الارهابية، وغيرها من تشكيلات القاعدة التقليدية التي رفضت الانخراط بجبهة النصرة، وأبقت على الصلة المباشرة بقيادة القاعدة المتمثلة "بأيمن الظواهري".
المعلومات الواردة من الجبهات تتحدث عن قيادة ضباط أتراك لغرف العمليات، فضلا عن قرار تركي بنقل مليشيات تابعة لها مباشرة وهي مليشيات ما يسمى "درع الفرات" و"غصن الزيتون" من عفرين وجرابلس إلى ريف حماه لقتال الجيش السوري. هذه المليشيات جمعتها أنقرة من مختلف المجموعات المهزومة في عموم سوريا، وقامت بتسليحها وتدريبها ووضعها تحت إمرة الجيش التركي مباشرة لقتال “وحدات حماية الشعب” . واليوم لأول مرة تدفع بها أنقرة لتكون جنباً إلى جنب مع جبهة النصرة والتنظيميات التي وافقت تركيا سابقاً على تصنيفها إرهابية لقتال الجيش السوري. هناك ارتال عسكرية تركية تدخل الأراضي السورية من معبر كفرلوسين صباحاً ومساءً حتى تحولت النقاط التركية الاثنتي عشرة "نقطة مراقبة" إلى قواعد عسكرية ضخمة تحوي كل واحدة منها مئات العربات المدرعة والدبابات والمدفعية الثقيلة التي تُقدم دعماً نارياً مباشراً للإرهابيين وتحوي غرف عمليات المعارك ويحتمي بها الإرهابيون من القصف وعن طريقها يصل الدعم اللوجستي لهم.
الصور الواردة من جبهات ريف حماه، لعناصر النصرة والآخرين تُوضح العتاد التركي الذي يستخدمه هؤلاء، العربات المصفحة وعربات ”بي أم بي” كلها تركية الصنع وحديثة وكل هذا الكم الهائل من صواريخ غراد التي يطلقها الإرهابيون المرتزقة. والأدهى الصواريخ الموجهة والمضادة للدروع التي حصلت عليها الفصائل المصنفة إرهابية وفق اتفاق سوتشي واتفاقيات أستانا الموقع عليها التركي بنفسه. تقول مصادر عسكرية إن هذه التنظيمات امتلكت أعداداً كبيرة من هذه الصواريخ والأسلحة كالتاو الامريكية وكورنيت الروسية والسهم الاحمر الصينية بل وتم تزويد النصرة بصواريخ متطورة محمولة على الكتف لضرب الطائرات وهذا ما حدث بالفعل. من اين حصلت النصرة على سام14 الروسية وستينغر الامريكية لتصيب ثلاث طائرات حربية سورية حتى الآن؟.
الأسلحة والصواريخ حسب مصادر ميدانية بيد جبهة النصرة حصلت عليها منذ وقت قريب.
إذا الروس والسوريون والإيرانيون وكل الأطراف التي جلست على طاولات الحوار والاتفاق مع أنقرة، أمام حقيقة اليوم، وهي أن تركيا كانت تخدعهم. فماذا هم فاعلون أمام هذه الحقيقة. ها هو يقتلهم مع النصرة في المنطقة التي من المفترض أن ينزع هو سلاحها حسب اتفاقه مع بوتين.
وزير الدفاع التركي “خلوصي آكار” قال سابقا أن تركيا لن تنسحب من الشمال السوري . ماذا يعني هذا التصريح؟، هل ستبقى تركيا في ادلب والأرياف الشمالية إلى الأبد ؟!، نعتقد أنهم يفكرون بهذا بالضبط. تركيا لديها نوايا انتزاع إدلب من الجغرافيا السورية، وكل تأكيدات مسؤوليها في الاجتماعات الدولية عن التزامهم بوحدة الأراضي السورية هو قناع وكلام لخداع الأطراف. هل بات الرئيس بوتين يدرك هذه الحقيقة ؟، لكن الأخطر من ذلك هو وقوف إيران والقوات الحليفة والرديفة لها على الحياد في هذه المعارك بسبب حسابات إيرانية دولية وإقليمية وصراعها على النفوذ مع روسيا في سوريا وكأنها أيضاً لا تريد للنزاع السوري أن ينتهي.
إن أحد أهم أسباب عدم فتح مرتزقة تركيا محاور ريفي حلب الجنوبي وإدلب الشرقي، هو وجود ميليشيات إيرانية في تلك المنطقة، ومع فتح هذه الجبهات سيتم جر المليشيات الإيرانية إلى المعركة، بعد امتناعها عن مؤازرة الروس شمالي حماة والكبينة بريف اللاذقية.
إيران نأت بنفسها عن المعركة، وهو ما أفقد القوات الحكومية السورية الموالية لروسيا من تحقيق تقدم ملموس بسبب فقدانها الخبرات القتالية على الأرض رغم آلاف الضربات الجوية، حيث أن حصر الجبهات مع القوات الموالية لروسيا سياسة تركية، خصوصاً من خلال الاستفادة من العلاقة السيئة بين إيران وروسيا في الملف السوري.
ولكن وبحسب المعلومات الواردة من مناطق موالية لتركيا في عفرين المحتلة، فإن المرتزقة يُحضّرون لعمليات عسكرية جديدة على محاور لا يتوقعها الروس ستربك حساباتهم، خصوصاً بعد المعارك العنيفة جداً اليوم على محور تل ملاح - الجبين، والذي يُعتبر خاصرة رخوة للقوات النظامية السورية وتقطع الطريق الاستراتيجي بين مدينة السقليبية ومحردة وحماة، حيث تنشط في تلك المناطق معسكرات روسية. قد يُقدم النظام التركي ومرتزقته على فتح جبهة تل رفعت ولا يُستبعد حتى شن النظام التركي لضربات جوية مفاجئة داخل الشهباء، وما انتشار قوات إرهابيي جيش الإسلام على جبهات شيراوا سوى مؤشر على ذلك. فتركيا أردوغان بالنتيجة تستميت لإقناع روسيا بسحب إرهابيه من شمال حماة مقابل موافقة روسية على عملية تستهدف تل رفعت وجوارها، وهذا ما ترفضه روسيا حتى الآن، لكن في ظل المقايضات القذرة فكل الاحتمالات مفتوحة على مصراعيها ويجب على قوات تحرير عفرين أخذ ذلك بالحسبان.
الحقيقة التي يجب على كل الأطراف إدراكها هي أن أردوغان متحالف تحالفاً عضوياً مع التنظيمات الإرهابية كاللحم مع الظفر وخاصة في إدلب والشمال السوري، وأنه لن يسمح بهزيمتهم تحت أي عنوان، لأن ذلك سوف يعني مغادرة قواته الأرض السورية وإغلاق الباب وراءها إلى غير رجعة. وإذا أراد الروس أن تخرج تركيا من سوريا فهناك طريق واحد وهو أن تنزل الصواريخ الروسية السورية على رؤوس جنوده وضباطه المتواجدين في إدلب وريف حماه وريف حلب وباقي المناطق السورية.