المخطط التركي ......تهديد للمصالح الأمريكية في سوريا
بخطوة ليست بغريبة شنت الدولة التركية هجوماً مدفعياً ترافق معهُ إطلاق عدة رشقات من الرصاص الحي في الـ 28 من تشرين الأول/نوفمبر الجاري على نقاط تمركز لقوات سوريا الديمقراطية واستهدف منازل المدنيين العزل في مناطق كوباني، كري سبي (تل أبيض) بشكل مباشر، هذه الاعتداءات التي استهدفت من خلالها مقاتل في واجب الدفاع الذاتي والطفلة سارة البالغة من العمر 6 سنوات، بالإضافة إلى إصابة صحفيان فهل كانت هذه الاعتداءات نتيجة ما تمخضت عنه القمة الرباعية في إسطنبول؟!
محمد آبان/مركز الأخبار
لماذا شنت الدولة التركية هجوماً على مناطق شرقي الفرات
لا شك بأن هنالك رغبة دفينة لدى الدولة التركية لإحباط أي محاولة لأنهاء الأزمة السورية والتي من شأنها إطالة أمد الحرب فبادرت الدولة التركية بمساعيها للجوء إلى التدخل بشكل رسمي في المستنقع السوري ومجابهة شمال شرقي سوريا والتي تظهره على أنه مصدر لتهديد أمنها القومي لذلك انتهجت الدولة التركية التدخل المباشر بعد فشل وكلائها من المجموعات الإسلامية المتطرفة لتمرير أجنداتها ومطامعها الاستعمارية، الدولة التركية التي دعمت الجماعات المسلحة على الأراضي السورية خلال السنوات السبع الماضية لا يخفى البتة وكان الدعم الأكبر والأبرز هو دعم مرتزقة داعش والتي كانت من خلال تسهيل دخول قياداتها وعناصرها عبر أراضيها إلى الداخل السوري.
مرتزقة داعش الإرهابي والذي كان يلفظ أنفاسه الأخيرة في الجيب الأخير المتبقي لها في ريف دير الزور الشرقي كانت الهجمات التي شنتها الدولة التركية بمثابة طوق النجاة والتي استطاعت داعش من خلالها إعادة تجميع نفسها والسيطرة على عدة نقاط كان التنظيم قد خسرها في المعارك السابقة، فكانت محاولة إعادة إحياء التنظيم يكمن في إشغال قوات سوريا الديمقراطية بـ جبهة جديدة تلفت أنظارهم إليها.
اتفاق منبج
بالتزامن مع محاولة مرتزقة داعش الإرهابي السيطرة على عدة مواقع حررتها ق س د في ريف دير الزور أعادت الدولة التركية التذكير بالاتفاق المبرم بين الولايات المتحدة وأنقرة حول ضرورة الاستعجال بتنفيذ اتفاق منبج والذي يتضمن إجراء دوريات مشتركة بين القوات الأمريكية والقوات التركية على طول الحدود الفاصلة بين مناطق سيطرة مجلس منبج العسكري وبين مناطق سيطرة مرتزقة درع الفرات التي تدعمهم أنقرة.
هذا الاتفاق الذي طالبت به الدولة التركية على مدار الأشهر الماضية استطاعت من خلاله التأكد من إخلاء وحدات حماية الشعب وقوات سوريا الديمقراطية من مدينة منبج شمال شرقي محافظة حلب، هذا الأمر الذي يبدوا بأنه لم يطب للدولة التركية كون الرغبة لديها ليس تسيير دوريات على الحدود بل التوغل إلى داخل المدينة وإدخال مجموعات مرتبطة بها هذا الأمر الذي لم تقم واشنطن بالنقاش حوله حتى.
إجهاض مشروع شمال وشرقي سوريا
تحاول الدولة التركية من خلال الاعتداءات التي تشنها بين الحين والآخر والتهديدات التي تطلقها إلى إحباط أي مشروع يطلق في مناطق الشمال السوري لـ تطبيق مشروعها الاستعماري في المنطقة، فالعملية التي أطلقتها أواسط عام 2016والتي تمكنت من خلاله احتلال مدن الباب وجرابلس وإعزاز مكنها اقتطاع جزء آخر من الأراضي السورية، إلا أن رغبة تركيا لم تنتهي إلى ذاك الحين حيث قدمت الدولة التركية عدة عروض للمشاركة في معركة الرقة إلا أن التحالف الدولي والذي تقوده الولايات المتحدة الامريكية أصر على مشاركة قوات سوريا الديمقراطية في معركة تحرير الرقة هذا الأمر أثار حالة من الغضب لدى تركيا مما دفعها بالبدء بمضايقات على الحدود السورية التركية.
لا ريب في استنتاج المساعي التركية في سوريا في الوقت الحالي إلى إحباط أي مشروع يطلق من مناطق شمال وشرقي سوريا فإن ذلك ظهر من خلال التصريحات التي أطلقها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مؤخراً حول احتلاله للحدود السورية العراقية من أجل الوصول إلى أهدافه الاستعمارية في المنطقة.
الهجوم التركي يهدف للحصول على المزيد من الأصوات في الانتخابات المحلية
بعد خوض عدة جولات من العمليات الخاصة للاحتلال التركي داخل الأراضي السورية بالتحالف بين حزب العدالة والتنمية والحزب القومي التركي الذي يترأسه دولت بهاجلي، كان هنالك دعم يتلقاه أردوغان من قبل القوميين الأتراك إلا أنه وبسبب الخلافات التي عصفت بالعلاقة ما بين الحزبين العدالة والتنمية والقومي التركي أدت ضعف هذه العلاقة إلى محاولة حزب العدالة والتنمية كسب أصوات أكثر في البرلمان التركي بمحاولة لزيادة القاعدة الشعبية وكسب أصوات القوميين.
تتبع الدولة التركية أسلوب بغاية الحساسية حيث تقدم الدولة التركية على عملية أو تخوض نزال سياسي وبعد إجراءها لخطوة كهذه تقوم باستبيان بين الشعب التركي حول هذه الخطوة التي خطتها بمحاولة منها كسب التأييد على ما أقدمت عليه وبهذا الشكل تستمد الدولة التركية القوى.
هذا الأمر الذي تراجع بعد قطع العلاقات بين حزب العدالة وحزب القومي التركي الأمر الذي دفع أردوغان للدخول في متاهات كبرى تؤثر بشكل سلبي على مستقبل الدولة التركية وبما فيه أيضاً الاستعجال في نهاية مطامع أردوغان الاستيطانية.
المحاولات الحثيثة للدولة التركية بقلب توازنات القوى في الشرق الأوسط لصالحها والتأثير على واشنطن وموسكو على حد سواء من خلال التهديد بين الحين والآخر بضرب الاستراتيجية الأمريكية بتوطيد العلاقات مع إيران وفسح المجال أمام اللاجئين بالتوجه إلى أوروبا، ومن جهة أخرى التهديدات التي تقوم بها تركيا تجاه روسيا بإغلاق المضائق المائية ومجالها الجوي أمام الطائرات والسفن الروسية بالإضافة إلى وقف شراء الأسلحة من روسيا هذه الأمور جميعها تأتي ضمن ما تسميه وتدعيه تركيا "سياسية حماية الأمن القومي التركي" الأمر الذي تجاريه كل من واشنطن وموسكو على حد سواء بهدف الحفاظ على توازن القوى في المنطقة.
الموقف الأمريكي من الهجمات التي تعرضت لها شمال وشرقي سوريا
بعد الهجمات الأخيرة التي شنتها الدولة التركية على الشمال السوري، وتصريح قوات سوريا الديمقراطية حول وقف العمليات العسكرية في محافظة دير الزور ضد مرتزقة داعش الإرهابي دفع بالتحالف الدولي في الشرق الأوسط والذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية بإصدار بيان رسمي تشرح فيه مدى قلقها من الهجمات التي تشنها الدولة التركية على مناطق شرقي الفرات، بالإضافة إلى إشارتها خلال بيانها المقتضب إلى ضرورة التهدئة التركيز على الهدف الأساسي وهو مكافحة الإرهاب المتمثل بمرتزقة داعش.
هذا الأمر لم يؤثر في قرار قوات سوريا الديمقراطية والتي أعلنت بإيقافها لحملة دحر الإرهاب في الريف الشرقي لمحافظة دير الزور والتوجه إلى الحدود السورية التركية لحمايتها من الهجمات التركية الأمر الذي دفع بتحرك واشنطن واندفاعها بشكل أكبر تجاه إيجاد حل جذري للاحتقان التركي على الحدود السورية التركية.
كان واضحاً جلياً السياسة التي اعتمدتها واشنطن تجاه التعامل مع الموقف، واشنطن التي اعتمدت سياسية مسك العصا من المنتصف وإجراء سلسلة مكثفة من اللقاءات مع كلا الجانبين لمحاولة التهدئة فيما بينهم فواشنطن لا ترغب بخسارة إحدى حلفاءها في الشرق الأوسط والسبب الرئيسي لتواجدها في سوريا، ومن ناحية أخرى لا ترغب واشنطن بخسارة أنقرة التي تؤمن لها الجسر بين الغرب والشرق الأوسط.
لذلك تبلور الموقوف الأمريكي من الاستماع ومناقشة كلا الجانبين للوصول إلى صيغة مثالية لوقف الاعتداءات التركية على مناطق شمال شرقي سوريا ومتابعة قوات سوريا الديمقراطية لحملتها العسكرية في الجيب الأخير مرتزقة داعش في الريف الشرقي لمحافظة دير الزور.
الأهمية الاستراتيجية لمناطق شمال وشرقي سوريا لواشنطن
تسعى الولايات المتحدة الأمريكية دوماً على بناء قواعدها العسكرية في جميع المناطق التي تكون ذات أهمية استراتيجية في العالم، لذا حققت الولايات المتحدة الأمريكية حلمها على مدار الأعوام الـ 20 الماضية بإنشاء قواعد عسكرية تحت ذريعة محاربة مرتزقة داعش الإرهابي على الأراضي السورية، هذا الأمر أدى إلى تقوية العلاقات بين التحالف الدولي بقيادة واشنطن وقوات سوريا الديمقراطية بمحاربة الإرهاب كما أن توسيع التواجد الأمريكي على الأراضي السورية يكمن فيها أهمية استراتيجية من الناحية السياسية والعسكرية والاقتصادية لصالح الولايات المتحدة الأمريكية.
علاوةً على ذلك فإن المناطق التي تتواجد بها القوات الأمريكية في سوريا تشكل 70 % من الاقتصاد السوري نسبة إلى غناها بالموارد الباطنية من نفط وغاز واليورانيوم المكتشف حديثاً لذلك تحاول واشنطن إبقاء قواتها داخل الأراضي السورية وتراهن بأشكال عديد على بقاءها في شمال وشرقي سوريا.
من جهة أخرى فإن واشنطن لن تسمح بأي فراغ تستفيد منه القوات الروسية أو الإيرانية على حداً سواءً، فالتصريحات التي أطلقتها واشنطن حول المدة التي ستبقي فيها قواتها داخل الأراضي السورية إلى حين الانتهاء من مرتزقة داعش تبددت حيث أن واشنطن شعرت بالخطر الإيراني والروسي الذي قد يحصل في حال مغادرة قواتها الأراضي السورية الأمر الذي سيدفع بتمدد القوات الإيرانية بشكل خاص وإنشاء جسر بري يربط ما بين طهران وبين لبنان التي ستمر بمناطق شمال وشرقي سوريا والتي لها أهمية جيوسياسية، هذا الأمر الذي يعتبر تهديداً للأمن القومي الأمريكي وهو أحد أسباب عدم مغادرة القوات الأمريكية للأراضي السورية.
احتلال تركيا لمناطق شرقي الفرات تهديد للوجود الأمريكي في المنطقة
حاولت واشنطن مع بداية اندلاع الأزمة السورية الاعتماد على قوات المعارضة المسلحة من ناحية الدعم العسكري واللوجستي وسياسياً أيضاً بل وإنشاء معسكرات تدريبية لهم ضمن غرفة عمليات تترأسها واشنطن في الأردن وتركيا لكن سرعان ما تبددت آمال واشنطن بعد فشل المعارضة في كبح جماح مرتزقة داعش والذي كان قد تأسس حديثاً حيث تلاشت قوى المعارضة رويداً رويداً بل واقتربت إلى نهايتها، لكن واشنطن اعتمدت على حليف جديد في المنطقة رغم المحاولات الحثيثة من قبل تركيا بعدم دعم قوات سوريا الديمقراطية، لكن واشنطن أفضت بثقلها لدعم قوات سوريا الديمقراطية وتمكنت من خلاله تحرير مدينة كوباني ومن ثم مدينة كري سبي (تل أبيض) ومنبج والرقة والطبقة وحالياً شرقي دير الزور.
هذا الأمر الذي شكل قناعة لدى واشنطن بأن الحليف الوحيد القادر على الوقوف في وجه مرتزقة داعش وتحطيمه هو قوات سوريا الديمقراطية لذلك قامت بتأسيس عدة قواعد لها داخل مناطق سيطرة قوات ق س د بل وجعلتها تشرف على حماية هذه القواعد الأمر الذي لا يمكن للمعارضة التي تدعمها أنقرة توفيره للقوات الأمريكية.
ففي حال دخول القوات التركية والفصائل المرتبطة بها إلى مناطق شرقي الفرات ستكون القوات الأمريكية في خطر محدق من الناحية السياسية والقانونية كما أن هذه القوات لن تستطيع تأمين الحماية اللازمة للقواعد الأمريكية داخل شرقي الفرات بالإضافة إلى أنها ستكون عرضة للخطر وعمليات من قبل إيران والنظام السوري بشكل كبير كون تشكيل وبنية هذه الفصائل التي تدعمها تركيا جميعهم من الإسلاميين المتشددين والذين كانوا يقاتلون على مدار الأعوام الماضية إلى جانب مرتزقة داعش الإرهابي.
خلاصة القول فإن أي خطوة تخطوها الدولة التركية في احتلال مناطق شرقي الفرات يكون تهديداً صريحاً ومباشراً على التواجد الأمريكي في المنطقة، لأن الاحتلال التركي هو خرق للقانون الدولي الذي من خلاله يمكن النظام السوري وحليفها الروسي بإخراج الاحتلال التركي من الأراضي السورية من خلال ادعائها لدى الأمم المتحدة، وبذلك في حال انسحاب الاحتلال التركي ستبقى الفصائل المتطرفة عرضة لهجمات النظام السوري وحلفائه الروس والإيرانيين وبذلك ينتهي الحلم الأمريكي بالتواجد في سوريا.