الشرع يعيد إنتاج برلمان الأسد بأسلوبٍ مختلف

أثار إعلان رئيس الحكومة الانقالية في سوريا أحمد الشرع عزمه تشكيل "مجلس شعب" جديد في سوريا موجة من الانتقادات، وسط تشكيك واسع في نوايا المشروع وحديث عن محاولة لإعادة إنتاج النموذج السلطوي نفسه الذي ساد خلال عقود حكم الأسد، لكن بواجهة مختلفة، كما يرى باحث سياسي أن ما يجري ليس تحوّلاً ديمقراطياً، بل استنساخ للسلطوية بشكل أسوأ.

الشرع يعيد إنتاج برلمان الأسد بأسلوبٍ مختلف
الخميس 3 تموز, 2025   05:01
مركز الأخبار
كيفارا شيخ نور

أثار إعلان رئيس الحكومة الانتقالية، أحمد الشرع، عزمه تشكيل "مجلس شعب" جديد في سوريا، موجة من الانتقادات والتساؤلات حول طبيعة المشروع السياسي الذي تسعى السلطة الانتقالية إلى ترسيخه.

وعلى الرغم من الخطاب الرسمي الذي يروّج لمرحلة جديدة تُنهي حقبة بشار الأسد، يرى كثيرون أن ما يُطرح اليوم لا يعدو كونه محاولة لإعادة إنتاج النظام السلطوي نفسه، وإنْما بواجهة مختلفة وأسماء مغايرة.

الخطوط العريضة لتصميم المجلس المنتظر تعيد إلى الأذهان التجربة البعثية القديمة، حيث يحتفظ الرئيس بصلاحية تعيين ثلث أعضاء المجلس (50 من أصل 150 نائباً)، ما يمنحه عملياً القدرة على التحكم في أي تصويت داخله.

ويُنظر إلى هذا التعيين على أنه امتداد مباشر لمنطق "قائمة الجبهة الوطنية التقدمية" التي اعتمدها نظام الأسد لعقود، والتي حوّلت البرلمان إلى مجرد أداة تزكية للسلطة التنفيذية.

طريقة توزيع المقاعد، المعتمدة على ما يسمى بـ "الهيئات الفرعية الناخبة"، تكرّس هي الأخرى منطق التحكم المسبق بالنتائج، إذ تتيح للسلطة تصفية المرشحين قبل وصولهم إلى صندوق الاقتراع، على غرار ما كان يُفصّل سابقاً بالتنسيق بين الأجهزة الأمنية وحزب البعث.

وتبديل التصنيفات التمثيلية من "عمال وفلاحين" إلى "أعيان ومثقفين" لا يغيّر من حقيقة أن المجلس يفتقر إلى التعددية، إذ تغيب عنه الأحزاب المعارضة المؤثرة، كما تغيب الضمانات لتمثيل القوى التي قادت الحراك ضد النظام.

ورغم منح المجلس صلاحيات تشريعية شكلية، فإنها تبقى مقيدة بسلطة الرئيس، الذي يملك حق إعادة القوانين وعدم إقرارها إلا بأغلبية الثلثين. ومع كتلة معينة لصالحه داخل المجلس، يصبح الفيتو الرئاسي أداة لشلّ أي مقترح لا يرضى عنه القصر.

حتى ما يبدو شكلياً كإجراء إصلاحي- كمنح النواب حصانة أو اشتراط أغلبية الثلثين لعزل أي منهم- يفقد قيمته في ظل تركيبة يتحكم الرئيس شخصياً في جزء كبير منها، بينما تُنتج بقية الأعضاء وفق منطق الولاء الأمني لا التمثيل الشعبي.

ويؤكد الأكاديمي والباحث السياسي، إبراهيم مسلم هذا التوصيف قائلاً: "نعم، للأسف ما يحدث الآن في سوريا هو إعادة إنتاجٍ لنظامٍ سلطوي، لكن بلون مختلف. صحيح أن النظام السابق كان بعثياً، قومياً، تقوده نواة من المكون العلوي، لكنه كان يضم مكونات أخرى ضمن واجهة شكلية. واليوم، نرى أن السلطة الحالية تتمسك بذات الأهداف تقريباً، وأبرز دليل هو الإصرار على التسمية القديمة: الجمهورية العربية السورية".

ويتابع مسلم: "منذ سيطرة هيئة تحرير الشام على مقاليد الأمور، ثم عقد مؤتمرات كمؤتمر النصر ومؤتمر الحوار الوطني بشكل متسرع لأغراض إعلامية، بات واضحاً أن المشروع هو استنساخ للنظام السابق، وربما بشكل أسوأ. فحين يمنح الرئيس الانتقالي نفسه حق تعيين أعضاء في مجلس الشعب، ويحيط نفسه بأشخاص انتهازيين يتنقلون بين المعسكرات، تصبح النتيجة محسومة: أغلبية مضمونة لا تعبّر عن الشارع".

ويضيف: "هو رئيس جمهورية، ورئيس حكومة، وقائد للجيش، ولا يُحاسب، ومع ذلك يهيمن على البرلمان عبر التعيين. في ظل غياب رقابة حقيقية، ووجود انتخابات شكلية، لن يكون هناك تحوّل ديمقراطي. برأيي، التحوّل يبدأ فقط في المناطق التي تُدير نفسها خارج سلطة المركز، كما في شمال شرق سوريا، وجبل العرب، حيث توجد نخب من السُنّة والعلويين والمسيحيين تؤمن بدولة لا مركزية علمانية ديمقراطية، لكنها اليوم مهمّشة".

ويختم مسلم بقوله: "في ظل سلطة انتقالية طويلة، وشروط تعيينية تكرّس الاستبداد، من المستحيل الحديث عن ديمقراطية، ما لم تحدث تغييرات دولية كبرى تعصف بالخريطة السياسية في المنطقة، وتفرض مساراً جديداً على سوريا".

(أم)

ANHA