شاعرة من ضفاف الفرات.. فاطمة الشامي تتحدى القيود بالكلمات

في إحدى قرى مقاطعة الطبقة، تبرز قصّة فاطمة الشامي التي اختارت الشعر وسيلةً للتعبير والمقاومة. وعلى مدى سنواتٍ من المعاناة، من فقد الأمومة إلى قمع مرتزقة داعش، لم تتوقف عن الكتابة حتى في الخفاء.

شاعرة من ضفاف الفرات.. فاطمة الشامي تتحدى القيود بالكلمات
الثلاثاء 24 حزيران, 2025   06:02
الطبقة
ريناد العلي

في بلدة هنيدة التابعة لمقاطعة الطبقة، تبرز قصص نساء اخترن أن يكنّ جزءاً من النهضة الثقافية والاجتماعية. ومن بين هذه القصص الملهمة، تبرز فاطمة الشامي (50 عاماً) التي جعلت من الشعر وسيلةً للتعبير، ومن صوتها رسالةً تتحدى القيود وتعكس واقع الناس وطموحاتهم.

بدأت موهبة فاطمة في الظهور منذ طفولتها، عندما كانت لا تزال تلميذة في المرحلة الابتدائية. حبّها الكبير للقراءة والكتابة قادها إلى تجربة الشعر، فكانت تحاول تركيب الجمل والكلمات لوصف مشاهد من واقعها بأسلوب شعري فطري. ومع مرور الوقت، أدركت أن الشعر ليس مجرد هواية، بل موهبة ورثتها عن أمّها وأخوالها، الذين عُرفوا بإلقاء شعر الهجاء.

لم تقتصر فاطمة على نمط شعري واحد، بل كانت تختار أسلوبها تبعاً للموقف والشعور؛ فإن غضبت جاء شعرها هجاءً، وإن أُعجبت أو تأثرت ألقت المديح. هكذا بدأت تجربتها الشعرية في المناسبات والفعاليات.

عاشت فاطمة خمسةً وعشرين عاماً من الزواج دون أن تُرزق بأطفال، فعوّضت هذه المشاعر بالشعر، وكتبت عن ألمها وشوقها للأمومة، وخوفها من ألا تجد من يحمل نعشها أو يرثيها بكلمة. وبعد هذا الصبر، أنجبت بنتاً وولدين، ليكون الشعر ملاذها في الحزن والفرح معاً. وكلما تقدّمت بها الأعوام، شعرت أن موهبتها تنمو وتتطور.

خلال فترة احتلال مرتزقة داعش للمنطقة، قررت فاطمة أن تحرق كل ما كتبته من قصائد على الورق، خوفاً من بطشهم، لكنها لم تتوقف عن الكتابة، بل كانت تكتب سرّاً وتلجأ إلى الطبيعة لتستلهم منها. تقول: "أنا فلاحة أعمل مع زوجي في أرضنا، أزرع القطن صيفاً والقمح شتاءً، أجلس تحت شجر الزيتون، والماء يجري أمامي، والدفتر بيدي... أكتب عن الطبيعة، وعن الوضع المأساوي، وعن الجرائم التي كانت داعش ترتكبها".

وحين تحررت المنطقة على يد قوات سوريا الديمقراطية قبل ثمانية أعوام، كانت فاطمة من أوائل النساء اللواتي شاركن في تأسيس المركز الثقافي في مدينة الطبقة، وشاركت في جميع فعالياته، متحدّية القيود المجتمعية والأصوات الرافضة من بعض أقاربها وجيرانها. لكنها أصرت على الظهور وإلقاء الشعر بصوت مرتفع، قائلة: "أنا أكتب لأكون، ولأمثّل صوت النساء، لأحكي حكايتنا نحن اللواتي لم يسمعنا أحد".

وكانت أولى قصائد فاطمة بعد التحرير بعنوان "سبع سنين عجاف من ظلم داعش"، وتوالت بعدها القصائد عن المرأة، وعن الشهيدات، وعن الأرض والمقاومة.

وكتبت عن السياسيّة الشهيدة هفرين خلف ومسيرتها النضالية، وعن الشهيدة بريتان التي فضّلت الشهادة على الاستسلام للعدو، كما كتبت عن العديد من المناضلات بهدف توثيق نضالهن وتضحياتهن بالشعر. كما كتبت عن القائد عبد الله أوجلان، في قصائد تصف تضحيته وإلهامه للمرأة ونضالها.

تميّزت فاطمة في قصائدها العميقة عن نهر الفرات، حيث كتبت عنه وعن "النساء الفراتيات"، مناجيةً إياهن حتى وصلت في إحدى قصائدها إلى زنوبيا كمثال لنضال المرأة السورية. وصوّرت نهر الفرات بالحزين في بعض نصوصها لما شهده شعبه من معاناة، خاصة خلال فترة احتلال مرتزقة داعش، كما هجت في شعرها سياسات الاحتلال التركي في حبس مياه النهر.

وكتبت ديواناً شعرياً كاملاً باللهجة العربية الفراتية المحكية، روت فيه هموم الناس ومعاناتهم وانتصاراتهم. وترى فاطمة أن الشعر صار هويتها، وتواصل تطوير موهبتها من خلال القراءة والبحث والمشاركة في الملتقيات الأدبية والفنية، وتختم بقولها: "الشعر هو اسمي وهويتي، وسأكتب حتى آخر نفس".

(ع م)

ANHA