واشوكاني... من وسط الخيام المتعبة مطالب بالعودة الآمنة
جدد المهجّرون من مدينة سري كانيه المحتلة في مخيمات الهجرة، مطالبهم بالعودة الآمنة إلى ديارهم، وسط تدهور حاد في الأوضاع الإنسانية داخل المخيمات، مطالبين بضمانات دولية وفتح ممرات آمنة لإنهاء معاناتهم المستمرة منذ أكثر من ست سنوات.

وسط موجات الحر المتزايدة وتدهور مقومات الحياة الأساسية، تتفاقم معاناة آلاف المهجّرين من مدينة سري كانيه وريفها، القابعين منذ أكثر من ست سنوات في مخيم واشوكاني غرب الحسكة. ففي هذا المكان الذي لم يكن يوماً وطناً، تتحول الخيام إلى صناديق من الألم، والانتظار الطويل إلى جرح مفتوح لا يندمل، بينما لم يعد مطلب العودة مجرد حلم، بل أصبح صرخة جماعية تنبعث من أعماق القلوب.
المخيم، الذي أقيم في تشرين الأول 2019 عقب هجوم الاحتلال التركي على سري كانيه، لا يوفر أدنى مقومات الحياة. الكهرباء شحيحة، والمياه لا تكفي، والبنية التحتية منهكة، والخدمات الإغاثية لا تسد الرمق، ما جعل من حياة قاطنيه معاناة مستمرة تتفاقم يوماً بعد آخر.
وخلال جولة ميدانية أجرتها وكالتنا داخل المخيم، استمعنا إلى أصوات أنهكها الانتظار، وشهادات تنضح بالألم والحسرة، لكنها ما زالت متمسكة بحق العودة، كأنها جذور لا تموت مهما طال الغياب.
أريد فقط أرضي
بصوت مليء بالحزن، ونبرة يغمرها الغضب، تقول فاطمة الخالد، وهي خمسينية مهجّرة من ريف سري كانيه: "إنهم لا يفتحون الطريق، وإذا ذهبنا نُحبس في الزنازين... نريد فقط بيوتنا وأراضينا. تعبنا، ولم أعد أستطيع العيش في هذا المخيم. لا ماء، لا كهرباء، والمساعدات الغذائية سيئة".
ثم تضيف بإصرار: "أمّنوا لنا الطريق، لدينا بيوت حتى لو كانت مهدمة، سنبنيها من جديد. ما يمنعنا من العودة هم المرتزقة الذين يعتقلون كل مَن يحاول العودة ويعذبونه دون سبب. مطلبنا الوحيد اليوم هو العودة الآمنة".
من الرفاهية إلى خيمة تضم 13 فرداً
أما حسين الظاهر، وهو رجل خمسيني أيضاً، فتغلب على صوته نبرة تعب غائرة، وهو يستعيد ذكريات حياته الماضية قائلاً: "كنت أعيش بعزّ وكرامة، كانت لدي مشاريع وأراض أعمل بها وأعيش باحترام، لم أكن أحسد أحداً. أما اليوم، فنحن 13 فرداً نعيش تحت خيمة واحدة، ولا أستطيع أن أصف حجم المعاناة التي نمر بها".
ويتابع: "بقينا هنا ست سنوات، لا نفهم شيئاً مما يدور حولنا، نريد فقط العودة الآمنة، وإن لم يستقر الوضع، فلن نعود. نطالب المنظمات الدولية والجهات المعنية بتأمين مسكن لنا وإزالة كل التهديدات، كالألغام، قبل أن نفكر في العودة. لا يمكننا العودة بشكل عشوائي دون ضمانات حقيقية".
أريد أن أدفن في تراب بيتي
ومن بين الخيام المتلاصقة، يطلّ وجه منصور شيخموس، الشيخ الطاعن في السن، بنظرات مبللة بالشوق، ويقول: "أريد أن أقضي ما تبقى من حياتي في بيتي، بين أراضيّ، براحة وأمان. أريد أن أدفن في ترابها، لا على هذه الأرض الغريبة. كنا نملك كل شيء: الأشجار، والمياه، والمشاريع، وكنا نعيش بكرامة".
ويضيف متسائلاً بحزن: "ما ذنبنا؟ لماذا قصفونا بالطائرات؟ لماذا هجرونا من أراضينا؟ كل دول العالم تتعاون، فما هذه العداوة التي يحملونها لنا؟ لقد قتلوا أبناءنا، وهجّرونا قسراً، فأين إنسانيتهم؟ أين إيمانهم؟ أين ضمائرهم؟".
نداء يجب ألا يُنسى
وفي ظل هذا الواقع القاسي، تتعالى أصوات المهجّرين في مخيم واشوكاني للعودة إلى أرضهم، بعد سنوات طويلة من الانتظار تحت خيام مزقتها الرياح، وأجساد أنهكها الحر، والبرد، والجوع. لم تعد المطالب محصورة بتحسينات خدمية مؤقتة، بل بخطوة مصيرية: العودة الآمنة والكريمة.
صرخات المهجّرين ليست مجرد نداءات سياسية، بل مناشدات إنسانية يجب أن تجد صداها لدى الجهات الدولية والمنظمات الحقوقية. إنها دعوة لإنهاء التهجير، واستعادة الكرامة.
(ح)
ANHA