في ذكرى الاستفتاء.. مصير باشور كردستان على المحكّ
بدل ما يكحلها عماها، قبل 6 سنوات أجرى الحزب الديمقراطي الكردستاني (PDK) استفتاء، وبدلاً من تحقيق المكتسبات للكرد والمحافظة على ما هو موجود، وضعها في مهب الريح بطرفة عين، هدم ما تم إنجازه بالدم خلال سنوات في غضون ساعات، فقد الكرد ما فوق الأرض وما في باطنها، وهذا ما وضع مكتسبات في باقي أجزاء كردستان حتى على المحك.

أصرت سلطات باشور التي يهيمن عليها الحزب الديمقراطي الكردستاني PDK على المضي في إجراء استفتاء على استقلال جنوب كردستان في 25 أيلول عام 2017، على الرغم من التحذيرات والتهديدات.
فماذا كان الهدف من إجراء الاستفتاء، على الرغم من أن نتائجه السلبية كانت واضحة للعيان حتى قبل الإقدام عليه.
أفرز الاستفتاء نتائج سياسية واقتصادية وعسكرية وخيمة ومخيبة لآمال وتطلعات الشعب الكردي، لا زال الكرد يدفعون ثمنها إلى الآن.
في مثل هذا اليوم قبل 6 سنوات، نظّم الحزب الديمقراطي الكردستاني PDK استفتاء على الاستقلال والانفصال عن العراق، في 25 أيلول 2017، وقالت بغداد حينها إن هذا الاستفتاء غير شرعي ولا يتوافق مع الدستور، كما أصدرت المحكمة الاتحادية المركزية قراراً بإبطال نتائج الاستفتاء، إلا أن PDK أصر على المضي قدماً فيه.
وكان PDK يتطلع إلى إجراء الاستفتاء عام 2014، مستغلاً خروج مدينة كركوك عن سيطرة الجيش العراقي بعد هجوم مرتزقة داعش، ووصول قواته إلى المنطقة بدعم كبير من قوات الدفاع الشعبي التي شاركت بفعالية كبيرة لمنع احتلال المدينة، لكن هجمات المرتزقة المستمرة على المنطقة حال دون إجراء الاستفتاء.
بحلول نيسان 2017 وبعد اقتراب القضاء على مرتزقة داعش في العراق، أعلن PDK بقيادة مسعود البرزاني، عزمه عقد الاستفتاء في 25 أيلول 2017، إلا أنه جوبه على الفور برفض قوي من الدول المحتلة لكردستان (تركيا، وإيران، والعراق).
وفي وجه التهديدات، ولحفاظ على ما حققه الكرد من مكتسبات في أجزاء كردستان وحمايتها، أكد الرئيس المشترك للمجلس التنفيذي لمنظومة المجتمع الكردستاني (KCK)، جميل بايك، حينها أن الاستفتاء حق مشروع، وإن ما سيجعل الاستفتاء ذا معنى وقيمة هو الوحدة الوطنية والمؤتمر القومي الكردستاني.
ولمواجهة الاستفتاء، في منتصف آب 2017، التقى نائب رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية محمد باقري، رئيس دولة الاحتلال التركي أردوغان في أنقرة، واتفقا على قرار حاسم مشترك ضده.
وقبيل التصويت على الاستفتاء بأسبوع واحد، التقى رئيسا أركان الجيشين التركي والعراقي ورفضا إجراء الاستفتاء، واتفقا على إجراء مناورات عسكرية مشتركة على الحدود الفاصلة بين باكور وباشور كردستان.
وسرعان ما تلاشت العلاقة الحميمة بين دولة الاحتلال التركي والحزب الديمقراطي الكردستاني، بعد يوم من الاستفتاء، أي في 26 أيلول، وقال أردوغان عن رئيس سلطات باشور كردستان مسعود البرزاني إنه خائن لمضيه في إجراء الاستفتاء، وحذره: "ستتضورن جوعاً عندما تمنع تركيا شاحناتها من عبور الحدود"، كما هدد باشور كردستان "كل الخيارات متاحة من الإجراءات الاقتصادية إلى الخطوات العسكرية والبرية والجوية".
من جانبه، توعّد رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، باشور كردستان: "أن الحكومة ستفرض حكم العراق في كل مناطق الإقليم بقوة الدستور".
وأحد مفرزات هذا الاستفتاء، هاجم الجيش العراقي والحشد الشعبي في 16 تشرين الأول من العام نفسه، المدن التي كانت قد عاد إليها البيشمركة بعد هجمات داعش، وبذلك فقد الكرد الموصل وكركوك لصالح الحكومة المركزية.
بذل الكرد خلال سنوات حربهم ضد مرتزقة داعش تضحيات جسيمة قدّرت بآلاف الشهداء وعشرات الآلاف من الجرحى، إلا أنه وفي غضون ساعات هُدم ما تم إنجازه.
حيث انسحب بيشمركة الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني من كركوك والموصل دون أي مقاومة، وقدموهما على طبق من ذهب للحكومة المركزية.
وبعد فقدان المكتسبات، أصدرت سلطات باشور كردستان بياناً أواخر تشرين الأول 2017، عرضت فيه تجميد نتائج الاستفتاء والبدء بحوار مفتوح مع الحكومة المركزية.
وأظهرت هذه الانتكاسة مدى التفسخ الداخلي في باشور كردستان، حيث بدت الخلافات تنخر بالداخل المنهك وتضعفه، وشدد الحزب الديمقراطي الكردستاني قبضته على مفاصل الحكم بعقلية الخارج، والانفراد باتخاذ القرارات المصيرية.
وهذا ما مكّن دولة الاحتلال التركي من استغلال الثغرات الموجودة داخلياً، وتوسيع رقعة احتلالها في باشور كردستان بمساعدة ومشاركة من الحزب الديمقراطي الكردستاني، لتتحول القواعد العسكرية والاستخباراتية التركية التي لم يتجاوز عددها حينها 20 قاعدة، لما يفوق الـ 80 قاعدة.
بدا الاستفتاء بطاقة رابحة في يد بغداد التي ترغب في الاستيلاء على الإيرادات النفطية والجمركية، ووفّر ذريعة لتحقيق رغبات بغداد هذه، في إعادة التحكم بزمام تصدير الموارد والمشتقات النفطية إلى الخارج، حيث ترغب في التوصل إلى اتفاق مع الجانب التركي من أجل استئناف تصدير النفط المتوقف منذ 6 أشهر.
وحكمت غرفة التجارة الدولية لصالح بغداد، وعلى إثرها توقفت سلطات باشور عن تصدير النفط إلى تركيا الذي يجري ضخه عبر خط أنابيب إلى ميناء جيهان التركي على ساحل البحر المتوسط، منذ 25 آذار 2023.
وكانت سلطات باشور كردستان تصدر 450 ألف برميل يومياً إلى تركيا، منذ عام 2014، بعد اتفاق سري بين عائلة البرزاني والسلطات التركية، مدته 50 عاماً دون علم برلمان حكومة باشور والحكومة المركزية الأمر الذي أثار الجدل.
وتحكم تركيا قبضتها على موضوع تصدير النفط إليها كورقة للمساومة على دفع تعويضات النفط، وتحاول بغداد التوصل إلى اتفاق مع أنقرة لإعادة تصدير النفط، وفي حال عدم وصول الطرفين إلى حل، فإن الكوارث التي لا تحمد عقباها ستأتي لا محالة، حيث يعاني باشور تحت وطأة سياسات PDK الخاطئة.
وتستغل بغداد أزماتها مع باشور كردستان عبر تأخير إرسال الأموال المخصصة لدفع رواتب الموظفين.
وأمام هذا المشهد، يتأزم الوضع الداخلي، ويشهد نفوراً قد ينفجر في أي لحظة، في ظل إضراب المعلمين والأطباء وكوادر البلديات عن العمل نتيجة تأخير صرف رواتبهم.
وتثير الضائقة المالية الناتجة عن الخلافات مع بغداد مخاوف جدية لدى سلطات باشور كردستان، وما يوضح زوال مكتسبات الشعب الكردي في باشور كردستان، ما اعترف به رئيس باشور كردستان، في رسالة إلى الإدارة الأميركية التي حذر فيها من خطر انهيار النموذج الفيدرالي.
وضع PDK المكتسبات التي بناها الكرد في مهب الريح، وعادوا من حيث بدأوا، لقد ولّد هذا الاستفتاء نتائج سلبية قللت من هيبة الشعب الكردي.
ومن جهة أخرى، أثّر الاستفتاء على مكتسبات الشعب الكردستاني في شمال وشرق سوريا، إذ بات ينظر إلى كل مشروع أو مكتسب يطرحه ويحققه الشعب الكردستاني بريادة الكرد، على أنه مشروع انفصالي.
وبدلاً من تذليل العقبات وتقوية الجبهة الداخلية، دعا عضو اللجنة المركزية للحزب الديمقراطي الكردستاني علي عوني دولة الاحتلال التركي للدخول إلى أراضي باشور كردستان، وطالبها بمهاجمة آلاف السياح في منطقة أحمداوا جواً بالطائرات المسيّرة والعديد من الطرق والأساليب الأخرى تحت مسمى مهاجمة كوادر حزب العمال الكردستاني.
ومؤخراً افتعل PDK أزمة من أجل العودة إلى كركوك وفتح مكتبه هناك، إذ نقلت وسائل الإعلام أن هناك اقتتالاً كردياً عربياً في كركوك، استغل البرزاني هذه الثغرة لإبراز نفسه أنه حامي ومدافع عن الكرد. لكن المراقبين يقولون إنها كانت فرصة للبرزاني لكسب أصوات الكرد قبيل انتخابات المجالس المحلية المقررة في 18 كانون الأول المقبل، لكن مخططه هذا فشل.
يؤيد البرزاني مشاريع إيران التي وصفت الاستفتاء بـ "الخيانة والمؤامرة الصهيونية"، بعدما أبرمت إيران والعراق اتفاقية من شأنها إبعاد المقاتلين الكرد عن الحدود الإيرانية، بعد تهديد ووعيد بشن هجوم عسكري بحلول 19 أيلول إذا لم يتم تنفيذ ما تم الاتفاق عليه.
وأكد رئيس باشور كردستان نيجرفان البرزاني، التزامه بالاتفاق بين طهران وبغداد بنزع سلاح القوات.
وبموجب الاتفاقية، نُقل المقاتلون الكرد من الحدود المتاخمة لإيران إلى عمق باشور كردستان ونُزع سلاحهم، استغل PDK هذا الفراغ، ونقل 200 مدرعة إلى مناطق قوات الدفاع الشعبي في برادوست في 13 أيلول الجاري، وهاجم مواقعهم في اليوم الذي تلاه 14 أيلول، في مشاركة بهجمات جيش الاحتلال التركي على مناطق الدفاع مديا.
ويشن الحزب الديمقراطي الكردستاني هذه الهجمات تحت العلم العراقي وبزي حرس الحدود بمساعدة من جيش الاحتلال التركي وفق المعلومات التي أكدتها وكالة "روج نيوز"، حيث أفادت بأن هناك مخططاً خطيراً يستهدف منطقة سيدكان في برادوست، وسيُشنّ هجوم مشترك على المناطق الممتدة من جبل بول إلى تل الحياة، وغورويا سنكي وبربزين، وتل شماسه إلى سنين.
كان بمقدور PDK أن يتحد مع الكرد بدلاً من محاربتهم، وكان باستطاعتهم أن يحولوا الانكسار والانهيار إلى انتصار، وكسر شوكة تركيا التي تشتد للانقضاض على الكرد، إلا أنهم باتوا في ذكرى الاستفتاء بين مطرقة الجيش التركي وسندان الحكومة المركزية في العراق، وهو ما يعرض منجزات الكرد ومكتسباتهم للتهديد والزوال.
(أ م)
ANHA