معاً لتكاتف نسوي في مواجهة سياسات النظام الذكوري ومنظومته السلطوية – هيفيدار خالد

معاً لتكاتف نسوي في مواجهة سياسات النظام الذكوري ومنظومته السلطوية – هيفيدار خالد
24 تموز 2023   23:52

في الوقت الذي يتحدّث فيه الجميع في شتّى أصقاع العالم عن الحقوق والحريات وحرية الرأي والتعبير والاعتراف بالآخر والتأكيد على أهمية وضرورة تلبية مطالب المسحوقين والمضطهدين والمظلومين، وخاصة الأطفال والنساء في ظل الأزمات والحروب والصراعات الدائرة في المنطقة، والتي تقف وراء تأجيجها قوىً مهيمنة تعيش على إراقة الدماء وتواصل استمراريتها وديمومتها، من خلال سحق الأبرياء وفرض سيطرتها وسطوتها عليهم بالقوة، تزداد الضغوطات والممارسات غير الأخلاقية وغير القانونية ضد المرأة في عالمنا الذي يجتاحه جهلٌ ربما أخطر من جهالة أبي جهل قبل مئات السنين من الآن.

ومع حالة الهرع والفوضى التي تخلقها هذه الحروب تبقى المرأة العنصر الأكثر تضرراً من سياسات الأنظمة الحاكمة في المنطقة، إذ تتعرض بشكلٍ شبه يومي لشتى الانتهاكات والممارسات اللا إنسانية وتطبق بحقها قوانين مجحفة وتشريعات لا صلة لها بواقعها أبداً، يوماً بعد آخر تتقلص المساحات الآمنة للنساء في العديد من الدول بالمنطقة وحتى المكتسبات التي حققنها أصبحت في مهب رياح مراكز صنع القرار الذكوري.

نعم، بشكل شبه يومي، نسمع عن الكثير من جرائم القتل بحق النساء والأطفال في المجتمع. في لبنان رأينا مؤخراً كيف تعرض أطفال في مركز للحضانة لحالات عنف، بالإضافة إلى جريمتي اغتصاب ارتكبتا بحق طفلتين خلال أقل من أسبوع، وغيرها الكثير من المضايقات التي تواجه المرأة، وسط تصاعد خطاب الكراهية ضدها والتنمر عليها في الفضاء العام، ذلك لأنه من الصعب على النظام الذكوري ومنظومته الأيديولوجية والسلطوية الاستمرار في فرض سطوته دون شن الهجمات على المرأة، التي يحاول جاهداً إبعادها عن حقيقتها بشتى الطرق والأساليب الرخيصة، وإقصاء دورها الفاعل في المجتمع من خلال تصعيد نهج العنف ضدها.

في مقالي هذا، سأتطرق إلى بعض القضايا التي لفتت انتباهي خلال الأسبوع الماضي، وتطرقت لها وسائل الإعلام الإقليمية والعالمية، منها قضية منع النساء الليبيات من السفر وحدهن خارج البلاد دون محرم، وقضية إغلاق طالبان صالونات التجميل في أفغانستان، والعديد من الإجراءات والقرارات التي اتُّخِذت مؤخراً ضد النساء في إيران، وآخرها عودة ما تسمى شرطة الأخلاق إلى الشوارع بعد 10 أشهر من الاحتجاجات الشعبية التي قادتها النساء في البلاد تحت شعار "المرأة، الحياة، الحرية" والتي تجمهر الجميع حولها من كافة بقاع العالم.

قرار منع النساء من السفر بمفردهن دوم محرم في ليبيا، والذي أصدرته حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس بالغرب الليبي، هو إجراء تمييزي أثار جدلاً حقوقياً وقانونياً واسعاً في البلاد، بالإضافة إلى ردود فعل إقليمية ودولية اعتبرته إجحافاً بحق المرأة وإهانة لها وانتهاكاً صارخاً بكل أبعاده ومقاييسه، خاصة في القرن الحادي والعشرين وأمام مرأى ومسمع العالم أجمع، حيث الحديث عن الحريات الشخصية والحقوق والواجبات وما وصلت إليه، بينما تمنع اليوم المرأة الليبية من السفر حتى وإن كانت لإتمام تعليمها.

نعم، إنه إجراء تمييزي ضد المرأة وتقييد كامل لحقوقها وطموحاتها في الحياة، يهدف إلى تعزيز سطوة المنظومة الأبوية التي تفرض قوانينها على المرأة تحت اسم الدين والشريعة، وفي الوقت نفسه يعارض تشريعات ليبية أمّنت للمرأة حق التنقل والسفر بكامل حريتها، وهو ليس إلا انتهاكاً لكل المواثيق والاتفاقات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان والمرأة، رأت فيه الذهنية الذكورية المتمثلة بالسلطة في الغرب الليبي، خطوة في طريق تكريس سلطتها على المرأة وحرمانها من حقوقها وسد الطريق أمام نضالها ونشاطها وتقدمها بعد أن زعمت، تحت حجج واهية وذرائع لا تمت للواقعٍ بصلة، أنها من أجل حماية الفتيات الليبيات وضمان سلامتهن.

ومن قال إن القوانين تحمي النساء؟ القوانين لا تستطيع حماية النساء، وكيف لها ذلك؟ وهي من صنع الرجال ونتاج ذهنيتهم التي تطبِّق على المرأة فرضية العيب والحلال والحرام كلٌّ حسب هواه... المرأة عندهم مملوكة للخدمة وإعداد الطعام وتربية الأطفال لا أكثر، نعم تلك الفرضية المشؤومة عمل عليها النظام الذكوري دائماً وأبداً ليضع المرأة في هامش الإلغاء إلى الأبد، وبالتالي حرمانها من لعب أي دور فاعل في المجتمع.

كذلك الأمر في أفغانستان، حيث يعتمد المجتمع على الأسلوب العبودي الذي حوّل حياة النساء إلى جحيم، على الرغم من كل ما أبدين من مقاومة ورفض قاطع لقرارات طالبان المجحفة بحقهن، حيث إن العشرات من النساء الأفغانيات خرجن في تظاهرة قبل أيام في العاصمة الأفغانية كابول، تعبيراً عن رفضهن لقرار طالبان بإقفال محلات التجميل الخاصة بالنساء في غضون شهر، ذلك بعد أن استبعدت النساء من معظم المدارس الثانوية والجامعات والإدارات العامّة، ومنعتهن من دخول المتنزّهات والحدائق وقاعات الرياضة والحمامات العامّة، كما ألزمتهن بتغطية أنفسهن بشكل كامل لدى خروجهن من منازلهن.

 بالطبع، إغلاق هذه المحال سيؤدي إلى حرمان عشرات النساء، ممن هن في أمسّ الحاجة إلى مصدر دخل لهن ولأسرهن وبالتالي انتشار الفقر والعوز والبؤس بين صفوف النساء اللواتي يقاومن سياسات طالبان وقمعها الممارس بحقهن، كما أنه إنكار لحقوق المرأة وخطوة أخرى في تشديد القيود على حقوقها.

أما في إيران وبعد مرور 10 أشهر فقط على الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت شرارتها إثر مقتل الشابة الكردية جينا أميني ذات 22 ربيعاً ابنة مدينة سقز الكردية ذائعة الصيت في المقاومة، على يد ما تسمى شرطة الأخلاق في العاصمة الإيرانية طهران، بحجة عدم ارتدائها الحجاب بشكل صحيح، فقد أعلنت السلطات الأمنية، استئناف عمل هذه الشرطة لمراقبة النساء اللاتي لا يلتزمن بالحجاب الإجباري، ضاربة مطالب المحتجين في كافة أنحاء البلاد عرض الحائط، الأمر الذي أثار ضجة بين الأوساط الإيرانية وحالة من الغضب بين صفوف جميع النساء ومن مختلف المكونات من الكرد والفرس والعرب والأذر والبلوش الأمر الذي يبيّن حجم الهوة بين تلك الأنظمة السلطوية وشعوبها المطالبة بالحرية.

ومع ذلك، فإن الفتيات والنساء الإيرانيات والكرديات لا يلقين لتهديدات السلطات الإيرانية بالاً، فهن يواصلن نضالهن المدني من خلال الخروج إلى الشوارع والأماكن العامة دون الحجاب الإجباري، إلا أن النظام الإيراني ولصد مقاومة هؤلاء النساء اللاتي تحدين سياساته وقوانينه المجحفة، فرض عقوبات أكثر صرامة، حيث أجبر الشركات والمتاجر على الإغلاق في حال عدم الامتثال لقوانين الحجاب، في انتهاك صارخ للقوانين والأنظمة الدولية.

النظام الإيراني لم يترك طريقة ولا وسيلة إلا واستخدمها ضد المحتجات الإيرانيات، فقبل عودة ما تسمى شرطة الأخلاق إلى الشوارع فرض الرقابة الإلكترونية عبر كاميرات للحد من خروج النساء دون ارتداء الحجاب. إلا أنه وفي كل مرة تزداد النساء إصراراً على الاستمرار في ما خرجن من أجله. آخر أساليب ذلك النظام معاقبة امرأة سقط حجابها في السيارة "بتغسيل الموتى لمدة شهر"، والحكم على الممثلة السينمائية آزادة صمدي بمراجعة مركز حكومي "للعلاج النفسي".

نعم في وقتنا الحالي تتعرض النساء لكافة أنواع القمع والانتهاكات على يد السلطة الذكورية في شتى أصقاع العالم، كما يفرض عليهنّ خيارات وأنماط ثقافية لا تتوافق مع طبيعة حياتهن التي يعشنها، ففي قاموس رؤوس السلطة المبنية والمؤسَّسة على التعصب الجنسي والعنصري، والذي يختلفون فيه بكل شيء، يجمعهم استهداف النساء وحرمانهن من حقوقهن ومطالبهن في الحرية والحياة. وللنساء والفتيات حصة الأسد من هذه الانتهاكات والممارسات في ظل سياسة السلطة الذكورية القائمة على أساس إنكار المرأة، الأمر الذي يدفعنا لجملة من التساؤلات؟  

ـ ما الذي يزعج السلطة في الغرب الليبي من سفر النساء وحدهن إلى خارج البلاد وما الخطر في ذلك؟

ـ وكيف لحجاب جينا أميني أن يكون مصدر خطر على السلطات الأمنية في إيران لدرجة أن تقتل؟

ـ وما الضرر الذي ألحقته صالونات التجميل الخاصة بالنساء بسلطة الموت والإرهاب في أفغانستان؟

ـ ولماذا يتم قتل النساء في لبنان ومصر والأردن وتركيا وإقليم كردستان دون أن يكون هناك رادع حقيقي لكل ذلك؟

ربما كل ذلك من أجل إشباع الأنا الذكورية أو لحماية سلطة الرجل والحفاظ عليها. بالطبع حرمان المرأة من هويتها وشخصيتها وحقوقها الأساسية في الحياة وجعلها أسيرة للرجل عبر التاريخ، رسخ مفاهيم لدى الجميع بأن المرأة يجب ألا تخرج من حدود الدائرة والقوقعة التي رسمت لها في المجتمع بحزمة من الأعراف والتقاليد البالية التي يطغى عليها الطابع الرجعي العنصري، مفاهيم مغلوطة أدت إلى نتائج سلبية كانت مقياساً للعبودية العامة والانحطاط؛ ومقياساً للكذب والإكراه والسرقة التي انتشرت في المجتمع؛ ومقياساً لكل أنواع القذارة والتبعية.

لذا يتطلب من النساء والحركات الاجتماعية الجديدة والتنظيمات النسوية الحقوقية المنظمة، تصعيد النضال الأيديولوجي لإضفاء لون المرأة على كافة مجالات الحياة من الآن فصاعداً، والتأكيد على أن المرأة المحررة وحدها من تستطيع إجراء تغيير حقيقي في المجتمع، من يستطيع فتح الطريق أمام التحول الديمقراطي في حقوق المجتمع وحريته، نعم هي وحدها القادرة على إتاحة الفرصة للارتقاء بالذات ونيل كامل حقوقها في امتلاك المساحات العامة، وعدم إقصائها عن أي مجال ترى فيه ضرورة المشاركة، تحت أي ذريعة كانت والتخلص من قيود التعصب ونشاز الأبوية وفساد السلطوية، أي أن مقاومة مثل هذا الإرث المقيت والعنف الممنهج تبدأ من التعاضد النسوي في مواجهة النظام الذكوري ومنظومته الأيديولوجية والسلطوية، وإلا فإن المرأة وحقوقها ستبقى معرضة للخطر والتهديدات من قبل سلطة الرجل الذي يتربص بها الدوائر.