​​​​​​​روسيا وإيران.. خلاف استراتيجي أم تكتيكي - يحيى الحبيب

​​​​​​​روسيا وإيران.. خلاف استراتيجي أم تكتيكي - يحيى الحبيب
الجمعة 21 تموز, 2023   02:45

شهدت العلاقات الروسية – الإيرانية خلال الأسبوعين الماضيين حالة من التوتر، إذ دخلت العلاقة مرحلة الاختبار وذلك على خلفية موقف روسيا المؤيد للإمارات في خلافها مع إيران بشأن 3 جزر متنازع عليها بين طهران وأبو ظبي، ما يطرح أسئلة عديدة عن مسار العلاقات بين موسكو وطهران وارتباط هذا الخلاف بتباينات حول ملفات عديدة.

خيّم شبح التوتر على العلاقات بين روسيا وإيران خلال الأيام الماضية، وذلك على خلفية إصدار دول مجلس التعاون الخليجي وموسكو بياناً الأسبوع الماضي، عبّر عن دعمه لمبادرة إماراتية ومساعيها للتوصل إلى حل سلمي لقضية الجزر الثلاث المحتلة؛ طنب الكبرى، وطنب الصغرى، وأبو موسى، من خلال المفاوضات الثنائية أو «محكمة العدل الدولية».

وفي هذا الإطار، استدعت إيران ألكسي ديدوف سفير روسيا لديها وعبّرت له عن "اعتراض الجمهورية الإسلامية على مضمون البيان"، مطالبة بتصحيح موقف روسيا من هذه المسألة.

وندد المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني بالبيان، معتبراً إياه متناقضاً مع العلاقات الودية بين إيران وجيرانها، ومضيفاً أن "الجزر الثلاث تابعة لإيران إلى الأبد".

صحيفة "أرمان ملي" الإصلاحية الإيرانية دعت إلى موقف أكثر صلابة تجاه موسكو بعد هذا القرار، وقالت في عنوانها الرئيس: "على إيران اتخاذ موقف هجومي"، فيما اعتبرت صحيفة "خراسان"، وهي صحيفة أصولية مقربة من الحكومة، هذا الموقف من جانب روسيا بأنه "جفاء" تجاه إيران.

طبيعة وأهمية هذه الجزر

تبلع مساحة جزيرة طنب الكبرى ما يقارب 9 كم2، وتقع شرقي الخليج العربي قرب مضيق هرمز، وتبعد نحو 30 كيلومتراً عن إمارة رأس الخيمة التي كانت الجزيرة تتبع لها قبل تأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة، ووضعت إيران يدها عليها في 30 تشرين الثاني 1971، بعد أيام من انسحاب القوات البريطانية منها، وقبل يومين من استقلال الإمارات عن بريطانيا.

أما جزيرة طنب الصغرى فهي ذات أرض رملية وصخرية ولا تتوفر فيها مياه صالحة للشرب ولهذا السبب لم تكن مأهولة بالسكان وكانت وقتها تتبع لإمارة رأس الخيمة.

الجزيرة الثالثة هي جزيرة أبو موسى وهي كبرى الجزر الثلاث، إذ تبلغ مساحتها 20 كيلومتراً مربعاً، تبعد عن طنب الكبرى 20 كيلومتراً، وتقع على بُعد نحو 43 كم من شاطئ الإمارات، و67 كم عن الشاطئ الإيراني.

على الرغم من صغر هذه الجزر، إلا أنها تعتبر بالغة الأهمية؛ لأنها موجودة بالقرب من الممرات الآمنة للملاحة البحرية فيه وتشرف الجزر على مضيق هرمز الذي يمرّ عبره يومياً نحو 40 % من الإنتاج العالمي من النفط، ويربط بين خليج عُمان والخليج العربي، المعبر الرئيس إلى المحيط الهندي ومن يتحكم في هذه الجزر يسيطر على حركة المرور المائية في الخليج العربي.

الأسباب وراء هذا الخلاف الأخير

خلال الشهرين الماضيين، انطلق مسار للتصالح بين إيران من جهة ودول الخليج وتحديداً السعودية والإمارات بوساطة صينية، لكن أجواء المصالحة هذه لم تدم طويلاً، حيث عادت الرسائل السلبية المتبادلة بين الطرفين وذلك بشأن حقل الدرة المتنازع عليه بين الكويت والسعودية من جهة وإيران من جهة أخرى، وتلت ذلك رسائل متبادلة سلبية بشأن الجزر الثلاث المتنازع عليها بين الإمارات وإيران، لكن اللافت أن الرسائل بشأن الملف الأخير كانت بين الحلفاء المقربين كثيراً (روسيا وإيران).

وتعود أسباب الموقف الروسي المؤيد للإمارات على حساب حليفتها إيران إلى رغبة روسية في إرضاء دول الخليج وإرسال رسائل إيجابية إليها، بعد ظهور بوادر على عودة التقارب بين دول الخليج والولايات المتحدة الأميركية والغرب، حيث قام مسؤولو دول غربية بالتردد إلى السعودية والإمارات وسط تقارير تشير إلى أن الولايات المتحدة غيّرت من سياستها خلال الفترة الماضية. وتقوم السياسة الجديدة على إعادة الاهتمام بدول الخليج والشرق الأوسط؛ لمواجهة تمدُّد نفوذ كل من روسيا والصين وإيران الذي تزايد خلال الفترة الماضية، وترغب روسيا بإبداء التضامن مع الإمارات لتشجيع دول الخليج على عدم التجاوب مع المساعي الغربية والأميركية لإعادة التقارب بين الطرفين.

روسيا لم تستخدم هذه السياسة للمرة الأولى، بل استخدمتها سابقاً في سوريا، حيث وعلى الرغم من التعاون الروسي – الإيراني في سوريا، إلا أن موسكو أبرمت اتفاقيات مع إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية بهدف تقليص النفوذ الإيراني في سوريا وتغاضت عن توجيه إسرائيل ضربات جوية على القوات الإيرانية في سوريا، على الرغم من وجود أنظمة دفاع جوي روسية متطورة هناك، حيث سعت موسكو عبر ذلك لإرضاء كل من تل أبيب وواشنطن والغرب؛ بهدف عدم التصعيد بشكل كبير في سوريا ومحاولة أن تعترف الدول الغربية بالدور الروسي هناك.

خلاصة تحليلية:

من خلال ما سبق؛ يتبيّن أن الخلاف الروسي – الإيراني الأخير بشأن الجزر الإماراتية وما سبقه حول سوريا هو خلاف تكتيكي لن يؤثر على العلاقات الاستراتيجية بين الطرفين، وعلى الرغم من إظهار إيران الانزعاج والقلق من التحركات الروسية، إلا أنه قد يكون هناك تنسيق ضمني وتبادل أدوار متفق عليه بين موسكو وطهران كون الأخيرة تعلم بأن مصالحها في المنطقة لن تتأثر بشكل كبير من التحركات الروسية التي لن تتعدى الخطوط الحمراء.

وتبيّن ذلك في سوريا حيث وفي وقت سعت الغارات الإسرائيلية والأميركية للضغط على إيران، فإن الأخيرة تمكنت من التمدد في مناطق سورية عديدة، وخاصة بعد أن أخذت ضوءاً أخضر من روسيا بعد ازدياد حدة التوتر بين موسكو والغرب بعد التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا.

وفي منطقة الخليج أيضاً فمن المتوقع أن تعمل روسيا على إرسال الرسائل التضامنية مع الخليج من بوابة الضغط الوهمي على إيران، إلا أنه وفي حال تزايد التقارب الخليجي – الغربي مرة أخرى، فإن روسيا ستعود لإظهار الدعم الفعلي والعلني لإيران.