مفاوضات بين دول الشرق الأوسط... الدوافع والنتائج المتوقعة
شهدت منطقة الشرق الأوسط خلال الأسابيع الماضية تحركات دبلوماسية متعددة الأوجه؛ مفاوضات مصرية - تركية وأخرى سعودية – إيرانية، فهل انتهت سنوات الخلاف أم أن الحديث عن عودة العلاقات لا يزال مبكرًا؟

بعد سنوات عجاف من العلاقات المسمومة بين الدول التي تسعى إلى أن تكون قوى مهيمنة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (تركيا ومصر، وتركيا والسعودية، وإيران والسعودية) يبدو أنها قررت الجلوس إلى طاولة المفاوضات لكن الحديث عن عودة العلاقات بينها لا يزال مبكرًا.
'دوافع المباحثات السعودية – الإيرانية'
من الواضح أن هناك إصرار من جانب الرياض وطهران على معالجة بعض القضايا الخلافية بطريقة ثنائية، وخاصة بعد أن تم استبعاد السعودية من المفاوضات النووية بين إيران والقوى الدولية والتي سعت الرياض إلى المشاركة فيها كثيرًا.
وهناك دافع آخر للسعودية، وهو الوضع الأمني المتوتر على حدودها الجنوبية والشرقية والشمالية التي تتحكم فيها دول محسوبة على "الخصم الإيراني"، ولكن الأخير يعاني بدوره في اليمن ولبنان والعراق نتيجة الوضع الاقتصادي الكارثي في هذه الدول.
رغبة كلا البلدين في استمرار المشاركة، بعد أن استضاف العراق المحادثات الأولية - كما أكد الرئيس العراقي برهم صالح - تشير إلى أن تهدئة التوترات وإجراءات بناء الثقة يمكن أن تستمر إلى الأمام.
علامة أخرى على أن دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تحاول حل خلافاتها وصراعاتها هي التحسن التدريجي في العلاقات بين مصر وتركيا، وذلك عبر تذلل أنقرة لطلب المصالحة.
'غياب الثقة بالقوى الدولية'
بالطبع، من السابق لأوانه القول إذا ما كانت المنطقة ستبدأ فصلًا جديدًا في تاريخها. كما أنه من السذاجة أن نعتقد أن القوى العالمية ليست منخرطة في هذه التطورات. لكن ليس من الخطأ الإشارة إلى أن انخفاض الثقة لدى بعض هذه القوى وفيما بينها - لا سيما الولايات المتحدة والصين وروسيا - قد ساهم في سعي اللاعبين الإقليميين إلى التقارب مع بعضهم البعض.
يبدو أن المحادثات السعودية - الإيرانية، على وجه الخصوص، قد انطلقت نتيجة الاقتناع المشترك بأنه من الصعب الاعتماد على الولايات المتحدة.
بالنسبة للسعوديين، ثبت أن دعم إدارة ترامب السابقة غير كافٍ عندما تعرضت منشأة أرامكو لهجوم من الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن المجاور. بعد ذلك، فشلت إدارة بايدن الحالية في جذب أي من دول الخليج إلى محادثات نووية مستقبلية مع إيران، حيث أصرت واشنطن على فصل ملف إيران النووي عن برنامج الصواريخ الباليستية وسلوكها التوسعي داخل الدول العربية.
من وجهة النظر الإيرانية، تآكلت الثقة في الولايات المتحدة إلى حد كبير بعد أن سحب الرئيس السابق دونالد ترامب بلاده من الاتفاق النووي، الذي تم توقيعه في الأصل عام 2015، وأصبح التزام أميركا بأي صفقة توقعها في المستقبل موضع تساؤل وشك الآن.
ومع ذلك، لا يعني أي من هذا أن الخلافات بين المملكة وإيران ليست كبيرة.
ويمثل الوجود الأميركي في المنطقة قضية خلافية بالنسبة لطهران، وهذا يفسر سبب إجراء هذه المحادثات بشكل أساسي من خلال القنوات الأمنية.
'إنهاء مفاعيل الربيع العربي'
وحول أهداف هذه التحركات قالت الباحثة اللبنانية في الشأن التركي الدكتور هدى رزق: "هناك محاولة لإنهاء مفاعيل الربيع العربي في المنطقة وإعادة الاصطفافات كما كانت من قبل، لأنه في عهد ترامب تشظت علاقات واشنطن مع القوى الحليفة لها، والتي أدت إلى نشوب صراعات بين دول المنطقة".
وبحسب الباحثة اللبنانية "بدأت الولايات المتحدة بجمع حلفائها، حيث كان بايدن واضحًا بقوله لحلفائه إن عليكم أن تعيدوا تنظيم صفوفكم لأن المنطقة قادمة على تطورات كبيرة، وبأن الصراع الرئيس للولايات هو مع روسيا والصين، ولذلك قام بفتح قنوات الحوار مع إيران".
لماذا تلهث تركيا للمصالحة مع مصر والسعودية؟
أما بخصوص المساعي التركية لإقامة علاقات مع مصر والسعودية، فقالت الدكتور هدى رزق: "تركيا بدأت منذ تولي بايدن الحكم بنسج علاقات مع الدول العربية التي كانت على صراع معها نتيجة دعم أنقرة للإخوان المسلمين، وخاصة أن الدولة العميقة في الولايات المتحدة وضعت الإخوان المسلمين على لائحة الإرهاب".
وترى الباحثة في الشأن التركي أن "هذا مؤشر مهم جدًّا، ويدق جرس انتهاء مفاعيل الربيع العربي، ولذلك كانت تركيا سباقة لمراقبة السياسة الأميركية ولا سيما مع بداية عهد بايدن، وبدأت بفتح ونسج علاقات مع مصر والسعودية".
'واشنطن تريد تشكيل حلف استراتيجي'
وتوضح الباحثة أن "واشنطن تريد تشكيل حلف استراتيجي في المنطقة يضم دول الخليج بالإضافة إلى مصر وتركيا. نحن اليوم أمام متغيرات، واشنطن حددت مواقع الصراع مع روسيا والصين ومع حلفاء هؤلاء، والصراع الحقيقي هو ما سينتج عن المفاوضات الأميركية مع إيران، والذي سينتج عنه رسم خريطة جديدة في المنطقة".
وعن المفاوضات الإيرانية - السعودية قال الباحث الأميركي في معهد أمريكان أنتربرايز (AEI) مايكل روبن في تصريح خاص لوكالتنا: "تريد الولايات المتحدة الهدوء وتسعى للتوصل إلى تفاهم جديد من شأنه أن يجعل إيران تمتنع عن مهاجمة البنية التحتية السعودية وربما تتوصل إلى تفاهم بشأن وكلاء البلدين في لبنان واليمن".
وفي معرض إجابته عن سؤال حول ارتباط هذه المفاوضات بتجاهل إدارة بايدن للمنطقة، قال روبن: "لا علاقة للمفاوضات بإهمال بايدن للمنطقة بل له علاقة أكبر بسذاجته".
أما كبير الباحثين في مركز نيولاينز الأميركي نيكولاس هيراس فقال في نفس السياق: "تحقق المملكة العربية السعودية بحذر في المدى الذي يمكنها من خلاله إبرام صفقة مع إيران، يقود هذه العملية محمد بن سلمان، الذي يريد تقليل تكلفة تنافسه مع إيران حتى يتمكن من التركيز على التنمية الاقتصادية في المملكة العربية السعودية".
ورأى هيراس أنه "في هذا الوقت، لن تغير أي من هذه التحركات الدبلوماسية اللعبة في المنطقة".
ويرى مجتمع الخبراء أن واشنطن تعمل دوليًّا وإقليميًّا لحل القضايا العالقة وتقسيم الكعكة في المنطقة.
وعن صحة وجهة النظر هذه يقول نيكولاس هيراس: "تحاول تركيا إبرام صفقات مع مصر بشأن ليبيا، حتى تتمكن تركيا من تقليص استثماراتها في ليبيا وتحويل اهتمامها إلى سوريا وشرق البحر المتوسط. تنظر تركيا أيضًا إلى المملكة العربية السعودية على أنها شريك محتمل مهم للتجارة والأمن، إذا كان محمد بن سلمان على استعداد لعقد صفقة مع أردوغان".
وفي النهاية، فإن هذه الدول الساعية وراء الهيمنة في المنطقة تبحث عن مصالحها، وفي حال عدم حصولها على ما تريد وخصوصًا تلك التي تسعى تركيا إلى عقد الاتفاقات معها فإنها لن تخطو الخطوات الأمام، لأن ما فعلته تركيا بالدول العربية ما زال يذكر الجميع بخطورتها ومشروعها الساعي إلى إعادة أمجاد دولة بائدة احتلت العرب 400 عام وكانت السبب في تخلفهم عن ركب الحضارة.
(ي ح)
ANHA