اشتباكات تتحول إلى مظاهرات تهدد بانفجار الأزمة الليبية
شهدت ليبيا خلال الأيام الماضية تجدد الاشتباكات العنيفة بين الأطراف المتصارعة في العاصمة طرابلس، حيث امتدت المواجهات من مساء الثلاثاء 13 أيار مخلفة حالة من التوتر في عدة أحياء سكنية لتتحول هذه التوترات إلى مظاهرات تطالب بإسقاط حكومة الدبيبة، وسط دعوات دولية وأممية لوقف إطلاق النار.

وفقاً لما نشرت عدة وسائل إعلامية منها إذاعة دويتشه فيله بتاريخ 14 أيار، اندلعت المواجهات بين "جهاز الردع لمكافحة الإرهاب" التابع للمجلس الرئاسي، و"اللواء 444" التابع لوزارة الدفاع التابعة لحكومة الدبيبة، واتسعت رقعتها لتشمل أحياء حيوية مثل طريق السكة، حيث يقع مقر رئاسة الحكومة، والميناء البحري.
عاد التصعيد إلى طرابلس الليبية نتيجة لرغبة رئيس الحكومة المنتهية ولايتها عبد الحميد الدبيبة فرض نفوذه وتفكيك المجموعات والفصائل والكيانات الخارجة عن سلطته وانطلقت المعارك بعد أن قرر الدبيبة حل "جهاز الردع لمكافحة الإرهاب" والجريمة المنظمة" التابع للمجلس الرئاسي، وهو القرار الذي رفضه الجهاز كما رفض رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي التصديق عليه.
وبدأ التصعيد العسكري في طرابلس الاثنين 12 أيار، بتحشيد جهاز دعم الاستقرار عرباته المسلحة ومقاتليه في منطقة أبو سليم، معقله الرئيسي، قابله تحشيد آخر من جانب قوات وزارتي الدفاع والداخلية التابعتين للدبيبة. وفي تلك الأثناء، انعقد اجتماع بين قادة المجموعات المسلحة بغرض التهدئة ووقف التصعيد. وخلال الاجتماع، قُتل قائد جهاز دعم الاستقرار عبد الغني الككلي إثر اشتباكات اندلعت بين حراسات القادة المجتمعين، وأعقب مقتله تنفيذ قوات وزارتي الدفاع والداخلية عملية عسكرية خاطفة سيطرت خلالها على كامل مقرات الجهاز في منطقة أبو سليم.
تأتي حساسية هذه الاشتباكات إلى أنها تشعل الخلاف والتوتر بين قوتين رئيستين في البلاد وهما حكومة الدبيبة والمجلس الرئاسي بقيادة محمد المنفي وهذا ما يمكن أن يؤدي لمزيد من الاقتتال بين الطرفين.
وعقب هذا التوتر أصدر رئيس المجلس الرئاسي الليبي، محمد المنفي، قرارًا يقضي بتجميد كل القرارات الصادرة عن رئيس "حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة"، عبدالحميد الدبيبة، ذات الطابع العسكري أو الأمني، وخاصة ما يتعلق بإعادة هيكلة المؤسسات الأمنية أو تكليف أشخاص بمهام عسكرية أو أمنية.
كما أنه وعلى الرغم من القوة التي تتمتع بها حكومة الدبيبة إلا أن "جهاز الردع" يمتلك قوة عقائدية نتيجة لخلفيته السلفية بالإضافة إلى أنه يتمتع بشعبية واسعة في العاصمة طرابلس والمناطق المحيطة بها بسبب عدم تورطه في ملفات الفساد والجريمة المنظمة كما أنه لم يتدخل في الشأن السياسي والحكومي وهذا ما يمنحه نوع من المصداقية وبالتالي سيكون قادر على مواجهة أي هجمات تستهدف إنهاء دوره بشكل كامل.
ووفقاً لصحيفة العرب ما أن تم الهجوم على مقار جهاز الردع حتى انضم إلى مقاتليه عدد كبير من مجموعات "سوق الجمعة وتاجوراء"، ومن عناصر "جهاز دعم الاستقرار" الذي تم قتل قائدهم “غنيوة”، كما قررت مجموعات من "الزاوية وصرمان وورشفانة والجبل الغربي" الالتحاق بمحاور القتال لدعم مقاتلي الدرع نتيجة للقلق من إمكانية تعرضهم لهجوم مشابه من قبل حكومة الدبيبة وهذا سيدفعهم للتحالف.
إن هذه التوترات والاشتباكات يمكن أن تشجع رئيس الجيش الوطني الليبي في شرق البلاد خليفة حفتر على استغلال الانشغال، وفي هذا السياق تحدثت تقارير عديدة بأن كتائب من قوات حفتر تحركت إلى غرب سرت.
ونتيجة لذلك احتشد ليبيون في عدة مدن بغرب ليبيا، للمطالبة بإسقاط "حكومة الوحدة الوطنية" المؤقتة، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، وذلك على خلفية اقتتال عنيف شهدته العاصمة طرابلس، وأوقع عشرات القتلى والجرحى.
كما أعلن وزراء في حكومة الدبيبة استقالتهم، في الوقت الذي احتشد فيه آلاف المتظاهرين في ميدان الشهداء وسط العاصمة طرابلس للدعوة لإسقاط الحكومة وإجراء الانتخابات.
هناك عدة تداعيات محتملة لهذه الاشتباكات، ومنها:
-انفجار جديد للأزمة الليبية، حيث إن اندلاع هذه المواجهات والقيام بعمليات قتل للقادة يشير إلى أنه حتى الآن لم يتم إنشاء مؤسسات أمنية وعسكرية وطنية في ليبيا ويمكن النظر إلى الأجهزة الأمنية المشكلة حالياً كواجهة لمجموعات وفصائل تتحالف وتختلف بناء على التطورات وتلاقي المصالح وتعارضها وبالتالي فإن البلاد لا تزال معرضة لاندلاع الأزمات والمواجهات وخاصة في ظل وجود حكومات ومؤسسات متصارعة فيما بينها.
-انهيار التوازن بين الفصائل المسلحة ونفوذ القوى في طرابلس، حيث أن جهاز الردع وعبد الغني الككلي كان يقوم بدور مهم في تثبيت التحالفات داخل طرابلس وكان يواجه أي محاولات للتمرد على ما تسمى حكومة الوحدة ونتيجة لمقتل هذه الشخصية القوية والبارزة، ويمكن أن تنهار هذه التحالفات بين الفصائل والمجموعات وتدخل في صراع داخلي تتنافس من خلاله على ملء الفراغ، كما أن هذه التحالفات السابقة القائمة على تبادل المصالح أسهمت إلى حد ما بإبقاء حالة الهدوء وعدم الصدام بين معسكر الدبيبة ومعسكر حفتر الذي يطمح لاستغلال مثل هذه التطورات لمد نفوذه إلى طرابلس.
-عودة داعش، إذ أن جهاز الردع يقوم بحماية العديد من السجون التي يوجد فيها المئات من داعش والقاعدة، وبالتالي فإن الهجوم على هذه السجون يمكن أن يتسبب بهروب هؤلاء الذين سيخرجون إلى مناطق متوترة تسودها الفوضى والاقتتال، وهذا ما يمكنهم من استغلال ذلك ومحاولة تنظيم أنفسهم.
إن اختلال التوازن في العاصمة طرابلس وانهيار النظام والتحالفات بين الأطراف يهدد سلطة حكومة الدبيبة ويربك حساباتها ويجعلها في موقف ضعيف أمام الليبيين، كما أن خصوم الدبيبة سيحاولون استغلال هذه التطورات للحديث مجدداً عن انتهاء ولاية الحكومة وعدم شرعيتها والدعوة لإجراء انتخابات مبكرة، وبالتالي طرح بدائل جديدة عن الدبيبة وحكومته.
وعلى الرغم من أن الاشتباكات التي وقعت أدت حتى الآن إلى تعزيز سلطة عبد الحميد الدبيبة، رئيس وزراء حكومة الوحدة الوطنية في البلاد المنقسمة وحليف تركيا، ومع ذلك، فإن أي قتال مطول داخل طرابلس قد يؤدي إلى جذب فصائل من خارج العاصمة، مما قد يؤدي إلى تصعيد أوسع بين العديد من اللاعبين المسلحين في ليبيا بعد سنوات من الهدوء النسبي.
(أم)