كاتب سوري يحذر من مخططات تركية خطيرة

أكد كاتب ومحلل سوري أن هناك احتكاراً جديداً للسلطة في سوريا، خلق وضعاً شائكاً للغاية، مشيراً إلى أن تركيا تعرقل المسار السياسي وتحاول استغلال ذلك لتكريس وجودها واحتلال مناطق جديدة، ونوّه إلى أن أي حل حقيقي يتطلب الاستفادة من تجربة الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا.

كاتب سوري يحذر من مخططات تركية خطيرة
الأحد 26 كانون الثاني, 2025   06:10
مركز الأخبارب
يحيى الحبي

لا يزال المشهد السوري ضبابياً بعد سقوط نظام بشار الأسد، حيث يشهد المسار السياسي حالة من الجمود، وسط انتشار الحالة الفصائلية.

وبالتزامن مع ذلك، تسعى دولة الاحتلال التركي لتكريس نفوذها في سوريا، من خلال التمدد نحو الساحل السوري وإثارة مواضيع تمسّ السيادة، ومنها قضية ترسيم الحدود البحرية بين الدولتين.

وعلى الرغم من الحديث عن السعي للتهدئة وإطلاق حوار وطني وتشكيل جيش سوري موحد، لا تزال بعض المجموعات المرتزقة التابعة لدولة الاحتلال التركي تشن هجمات على مناطق شمال وشرق سوريا وهذا ما يعرقل أي مساعي للحل التهدئة.

تغيير خلق وضع شائك

الكاتب والمحلل السياسي السوري، محمد عيسى، تحدث عن ذلك بالقول: "إن التغيير الذي حصل في شكل وبنية الدولة السورية مع سقوط نظام الأسد قد خلق وضعاً شائكاً للغاية، فمن جهة ابتهج السوريون بخروج نظام شمولي مستبد قوموي العقيدة مافيوي الأداء وحاضن للفساد والفوضى، أنتجت سياساته ارتدادات اجتماعية عميقة وقد جوبه بحراك ثوري واحتجاجات واسعة نجح بحرفها عن مسارها وتحويلها إلى ما يشبه حرباً أهلية فصّلها على مقاسه واختار خصومه فيها".

وتابع "تحالف (النظام) في مواجهتها مع قوى دولية وإقليمية ضمن رؤية خاصة ومعادلة أحرجت المجتمع الدولي وضمنت إطالة عمره في السلطة بوصفه الخيار الأقل سوءاً بالمقارنة مع احتمال تولي فصائل الإسلام السياسي الإرهابية الحكم بديلاً عنه".

وأضاف: "من جهة أخرى حصل المحظور وحلت الفصائل الجهادية المصنفة على قوائم الإرهاب العالمية محله في موقع السلطة في دمشق، في عملية ملتبسة تعدّ أقرب إلى عملية استلام وتسليم وفي سياق تفاهمات دولية لم تُفك ألغازها حتى الآن".

احتكار جديد

عيسى تحدث عن إدارة هيئة تحرير الشام، قائلاً: "لقد عمدت السلطة الجديدة إلى احتكار حق تعيين حكومة مؤقتة تحت مسمى الشرعية الثورية، وبدأت بتمرير نموذجها الإسلاموي المتطرف في جميع مفاصل الدولة، وفي المقام الأول تحديد نواياها حول دستور إسلامي سوف تحتاج لإقراره ثلاثة سنوات".

وتابع قائلاً: "في خطوة متسرعة، تكوين جيش إسلامي مكوّن من الفصائل الجهادية نفسها، ضمن تصور بأنها باقية إلى الأبد وصاحبة تفويض برسم شكل الدولة وتحالفاتها وضمن الأوهام نفسها بالشرعية، دعت قوات سوريا الديمقراطية إلى الانخراط في مشروع جيشها الذي تتحدث عنه. وتناقضت التصريحات حول ذلك في الوقت الذي قدّمت فيه قوات سوريا الديمقراطية كل عوامل التعامل الإيجابي ورفعت علم الثورة على مؤسسات مناطق الإدارة الذاتية، وأعلنت استعدادها للانخراط في الجيش الجديد المزمع تشكيله على قاعدة التفاهمات التي سيحددها دستور البلاد الذي يجب التوافق عليه".

وأكد عيسى: "بما أن قوات سوريا الديمقراطية منشغلة الآن بالدفاع عن مناطقها في مواجهة هجوم فصائل مدعومة من تركيا ومشاركة في هذا الجيش الذي يجري الحديث عنه، فإن هذه الدعوة، في هذا الوقت وهذه الظروف، إلى الانخراط في الجيش دواعي مشبوهة الغاية، منها تحقيق أجندات تركية واضحة".

أطماع تركية مستمرة

وعن الحوار بين إدارة هيئة تحرير الشام وقوات سوريا الديمقراطية، أشار عيسى إلى أنه "لا شك بأن التسرع في استباق نتائج الحوار يدخل في إطار التدخلات التركية في توجهات حكومة الشرع المؤقتة، حيث لم تخفِ أنقرة نواياها بتوظيف المقدرات السورية ضد قوات سوريا الديمقراطية، وفي جرّ قوات هيئة تحرير الشام بقيادة الشرع، للقتال إلى جانب فصائل ما يسمى بالجيش الوطني في معارك سد تشرين ومنبج وباقي نقاط المواجهة".

وأوضح: "هذه السياسة التركية التي تعكس أطماعها التاريخية بالأراضي العربية والسورية على وجه الخصوص، والتي تجلت باحتلال لواء اسكندرون، وتالياً في عفرين ورأس العين، واليوم في التمدد على حساب أراضي الساحل السوري. هذا التمدد الذي سبقته جولات المخابرات التركية متمثلة بعملائها من علويي اللواء الذين قدموا إلى الساحل عبر العزف على مخاوف العلويين التي نشأت على خلفية الارتكابات والمجازر التي ارتكبتها العصابات الجهادية الإسلامية بحقهم وتحت غطاء محاولة مد يد العون إليهم وجرهم إلى طلب الوحدة مع سكان اللواء، وتحت السيادة التركية، وبالتالي استغلال الظروف الناشئة لترسيخ الحدود البحرية، بغية الوصول إلى موارد النفط والغاز في الحصة السورية من مياه البحر المتوسط".

هجمات مرتزقة تركيا تعرقل المسار السياسي

وعن الهجمات من قبل مرتزقة الاحتلال التركي على شمال وشرق سوريا، قال عيسى: "إن استمرار التجييش التركي ضد قوات سوريا الديمقراطية، عبر الدفع بفصائل الجيش الوطني إلى تسعير وتيرة المعارك، يهدف في أحد أغراضه إلى تعميق الصراع ما بين المكون العربي السوري وما بين قوات سوريا الديمقراطية، وبما يؤدي إلى تعقيد فرص الحل الوطني في المشكلة السورية وإلى تأخير وإجهاض مهام المؤتمر الوطني المزمع عقده في شباط القادم، الأمر الذي من شأنه أن يوسع من فرص أنقرة من تمكين أذرعها وتجذيرها في مفاصل السلطة السورية".

الكاتب السوري تطرق إلى الحملة الإعلامية التحريضية على مواقع التواصل الافتراضي، وقال: "لا شك في أن من أهم وظائف الحملة ضد الكرد والتي تشنها المواقع الإلكترونية ووسائل الإعلام المحسوبة على الحكومة التركية، أو التي تدور في فلكها، هو خلق القطيعة بين مشروع قوات سوريا الديمقراطية، وبين حاضنتها الشعبية، وذلك من خلال شيطنة المشروع النهضوي الذي تنهض به الطبقة السياسية ممثلة بتحالف مسد، والتي توجه عمل هذه القوات. وذلك ضمن رزمة من الأكاذيب والافتراءات من مثل الترويج إلى نزعة الانفصال، وسرقة الموارد والتعامل مع أمريكا".

وأشار إلى أن: "هذه الخطط والادعاءات غير المسؤولة تعد في هذه اللحظة الحرجة مدخلاً لتداعيات خطيرة على الوحدة الوطنية وعلى سلامة النسيج الوطني السوري، وباباً وحروباً أهلية أقل نتائجها السلبية هو تقسيم الدولة السورية".

مسار الحل يجب أن يأخذ تجربة الإدارة الذاتية كنموذج ناجح

وأضاف محمد عيسى: "إن أي مقاربة موضوعية لطرق الخلاص الآمن في الأزمة السورية تستدعي البحث عن نموذج لدولة تستوعب التناقضات بين ثقافة المكونات وتسمح بالتوفيق بين مصالح هذه المكونات، لا بد ستقودنا إلى الدروس والعبر التي يستفاد منها، من تجربة الإدارة الذاتية القائمة الآن في شمال شرق سوريا وعلى مساحة ما يقرب من ثلث مساحة البلاد".

وتابع "هذه التجربة التي نجحت بخلق تلاحم وطني كبير بين مكونات عرقية ودينية مختلفة كان من أهم نتائجه دحر داعش الإرهابي في بيئته نفسها، كما نجحت في توفير درجة معقولة جداً من الاستقرار الاقتصادي والأمن الاجتماعي بالقياس مع باقي المناطق الواقعة خارج نفوذها. كما في توفير مشاركة ندية للمرأة، الأمر الذي يرشح نموذجها في ذهن أي عاقل إلى أن يكون معهما على كل أراضي البلاد ومكرساً في دستور البلاد الذي يعتزم السوريون الاتفاق عليه في الفترة القادمة".

واختتم عيسى حديثه بالقول: "الباحث عن مناخ مناسب لدولة واحدة تليق بحلم مكوناتها في العدالة والكرامة الوطنية وتتصف بمزايا العصر، لا بد أن يسير بالبلاد إلى حتمية استلهام مزايا مشروع الإدارة الذاتية كطريق نحو مشروع الأمة الديمقراطية ومناخ المجتمعات الديمقراطية".

(آ)