الكرد غير مرحب بهم في جنوب كردستان
تشير شهادات مواطنين كرد من روج آفا؛ في جنوب كردستان إلى تعرضهم لمعاملة غير لائقة واستغلال واسع، ما أدى إلى خلق توترات كبيرة مع السلطات هناك. كما يواجهون ملاحقات أمنية مكثفة لا تستثني أحداً.
وكالتنا حصلت على شهادات مواطنة ومواطن ممنن قصدوا جنوب كردستان للعمل هناك، واطلعت على تجربتهما المريرة ومستوى اليأس الذي وصلا إليه في ظل التعامل غير اللائق من قبل سلطات جنوب كردستان هناك معهم.
رحلة بين الدول وجنوب كردستان أسوأ محطة
(ف. س) هي مواطنة متزوجة ولها ابنٌ واحد، وتنحدر من مدينة كوباني ورفضت الإفصاح عن اسمها خشية الاعتقال في جنوب كردستان، غادرت منزلها في العاصمة السورية دمشق عام 2012، عقب المعارك المحتدمة في أطراف العاصمة، واستقرت في كوباني لأعوام عديدة لتغادرها أيضاً خلال هجوم داعش على المقاطعة عام 2014، وتسكن لبضعة أشهر في مدينة رها في شمال كردستان.
انتقلت (ف. س) إلى السودان برفقة زوجها في العام 2016، واستقرت هناك في العاصمة خرطوم، وعمل زوجها في مجال حفر الآبار لسنوات في العديد من الولايات السودانية، وكان المخطط له أن تستقر هذه الأسرة الصغيرة هناك في ظل ما تشهده السودان من ازدهارٍ خجول في مجالاتٍ عديدة أهمها مشاريع التنمية.
في الخامس عشر من نيسان من العام الفائت 2023، اندلعت معارك بين القوات الحكومية و "الدعم السريع"، وسرعان ما امتدت إلى عشرات المدن والبلدات بما فيها العاصمة خرطوم، حيث استخدمت الأسلحة الثقيلة والطائرات الحربية في المعارك التي لا تزال مستمرة حتى اليوم.
فرّ عشرات الآلاف من السوريين خارج السودان، بما فيها (ف. س) وابنها، وقصدا مدينة كوباني للعيش فيها، لكن الظروف أجبرت الزوج على البقاء في السودان ومن ثم العبور إلى مصر في رحلة تراجيدية، لم تخلُ من المخاطر في الصحراء الممتدة بين مصر والسودان.
قرر الزوج السفر إلى جنوب كردستان للعمل، وبعد وصوله، دعا زوجته، التي كانت تعيش في كوباني، للانضمام إليه. ومع صعوبة الإجراءات الرسمية وتكاليف السفر الباهظة، اضطرت (ف. س) إلى اتخاذ طريق غير شرعي للوصول إلى جنوب كردستان. بدأت رحلتها من كوباني إلى دمشق، ثم توجهت جواً إلى العاصمة الإيرانية طهران، حيث تم تهريبها عبر شبكة من المهربين إلى الحدود العراقية، برفقة 12 شخصاً آخرين.
وبعد رحلةٍ مضنية استمرت 9 أيام، وصلت (ف. س) إلى جنوب كردستان وبالتحديد مدينة السليمانية، حيث شكلت الرحلة واحداً من مآسيها المتوالية خلال عقدٍ من التنقلات بين الدول والمناطق في سبيل الاستقرار، في ختام الرحلة اصطدم الأمل بالواقع ونتج عنه حالةً من الانهيار التام.
تقول (ف. س): "كانت رحلة شاقة، تنقلت خلالها بين هولير والسليمانية. كنت آمل أن أجد الاحترام في جزء من وطني الذي طالما حلمت بزيارته.
حاولت التوجه إلى العديد من المؤسسات الحكومية طلباً للمساعدة من أجل الاستقرار هناك، لكنني وجدت معاملة قاسية تجاه الكرد في كل مكان.
كنتُ أؤكد لهم أني كردية من كوباني، كان ذلك يستفزهم أكثر، بقينا على الطرقات أنا وزوجي وضاقت بنا الدنيا، كنتُ تائهة ومكتئبة للغاية، وأتساءل لماذا يعاملون الكرد بهذه الطريقة أليست هذه جزء من كردستان، حتى قلت في قرارة نفسي إنهم يفتحون الطريق أمام تركيا للتوغل مسافة 60 كيلو متراً في عمق جنوب كردستان، لكنهم لا يسمحون لمواطنٍ كردي بالإقامة هنا في وطنه، إنه أمرٌ صعب".
وتضيف: "يتهمون كل شخص منحدر من روج آفا باتهامات لا أساس لها، ويتم استغلالهم بأبشع الطرق، وحتى إن سمحوا لك بالاستقرار هناك فإن ذلك يأتي عقب توزيعك للرشاوي بشكلٍ كبير للكفيل وقيادة الأمن والمؤسسات الأخرى، إنه واقعٌ مؤلم أن تعامل بهذه الطريقة في المدن الكردية، في الوقت الذي تنتشر فيه المظاهر والأعلام التركية في المرافق العامة وفي المدن، لقد زرت عدداً من الدول، لكن أؤكد أن جنوب كردستان هي أسوأ محطة من حيث المعاملة وخاصة مع الكرد".
استقرت (ف. س) وزوجها وابنها في منازل أحد أبناء روج آفا لعدد من الأيام ولا يزال هناك رفضٌ من قبل سلطات جنوب كردستان في القبول بإقامتهم هناك، وهي حال الكثير من المواطنين الذين يعاملون بتلك الطريقة.
سرقة للمستحقات وأوضاع معيشية صعبة
(م .ح) هو شابٌ تسكن أسرته في حي ركن الدين بدمشق منذ ما يقارب من 3 عقود، وقرر السفر إلى جنوب كردستان للعمل هناك في ظل الأوضاع المادية الصعبة للأسرة، وهو خريج كلية الحقوق في جامعة دمشق.
قصد (م. ح) مدينة هولير في جنوب كردستان منذ صيف العام الفائت، وهو يبحث عن أي عمل لإعالة الأسرة، لقد تم تسليمه من قبل أحد سائقي سيارات الأجرة للأمن هناك، وسجن لمدة أسبوع دون أي سبب، وتعرض للضرب لأنه ذكر بأنه ينحدر من مدينة كوباني، وتم اتهامه بأنه يعمل لصالح "حزب العمال الكردستاني والإدارة الذاتية"، علماً أن الشخص المذكور لم يزر روج آفا منذ 12 عاماً.
بعد خروجه قصد (م. ح) منزل أحد اقربائه، وبحث عن العمل لمدة 3 أشهر دون جدوى، حيث من الصعب أن تجد العمل هناك، وخاصة في ظل المضايقات الأمنية ضد الكرد، لكنه عمل لأيام محددة من كل شهر خلال العام الجاري في أشغالٍ مختلفة من نقل أكياس الإسمنت أو نقل البلاط والسيراميك أو حارساً للبنايات، لكنها كانت أشغالاً مؤقتة وتؤمن مصروفه الشخصي بشق الأنفس.
عمل (م. ح) لمدة شهرين لدى أحد المقاولين الأتراك في منطقة كسنزان بالقرب من هولير في نقل مواد البناء، وعند مطالبته بمستحقاته المقدرة بـ "1400 دولار" قالوا له أن المقاول قد ذهب إلى تركيا ولم يعد، وعقب أسابيع من سعيه للحصول على أي شيء من المقاول، لم تنجح محاولاته، حيث باتت عملية اللحاق بالمسألة وتقديم شكوى أصعب من عملية الحصول على المال في ظل التعقيدات الأمنية، وخاصة أن هؤلاء غير مسموح لهم أساساً بتقديم الشكاوى.
يقول (م.ح): "لقد وصلت لحالة الانهيار، أيعقل أن يكون شابٌ مثلي دون عمل، إن الأسرة في حالةٍ يرثى لها، إن هذا الواقع يدفعني للجنون، لقد طرقت كل الأبواب لكني لم أحصل على العمل، وعند حصولي على العمل سرقوا مستحقاتنا، النظرة العنصرية السائدة هنا هي السبب في ذلك إننا نعاني بشكل كبير ولا حقوق لنا في جنوب كردستان".
(ز س/د)
ANHA