أرقام وإحصائيات مرعبة.. كيف تقود الرأسمالية الإنسانية نحو الفناء؟

تسبّبت الأهوال الكارثية المميتة الناجمة عن التغيّر المناخي في الـ 15 عاماً الأخيرة، بتهجير 315 مليون شخص، إذ يهاجر 21 مليون شخص سنوياً، فيما فارق نحو مليوني شخص الحياة، وكبّدت العالم خسائر اقتصادية بلغت نحو 120 مليار دولار في النصف الأول فقط من عام 2023.

أرقام وإحصائيات مرعبة.. كيف تقود الرأسمالية الإنسانية نحو الفناء؟
13 يلول 2023   01:56
مركز الأخبار ـ أحمد سمير

يعلو صوت الرصاص وتفوح رائحة البارود في معركة المناخ المتطرف الذي يقود الكوكب على نحو متسارع إلى لهيب سعير لن يستطيع أحد إيقافه، وبينما ينقاد العالم نحو مصير مجهول، دق الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش مجدداً ناقوس الخطر، وقال إن الأرض تشهد "انهياراً مناخياً".

تسعى الرأسمالية التي حرّفت التاريخ إلى القضاء على كل ما هو حي على وجه الكرة الأرضية في راهننا ومستقبلنا بغية تحقيق أكبر نسبة من الربح، فما نراه من أعاصير وعواصف وفيضانات وحرائق ليس إلا دليلاً واضحاً على ما أنتجته هذه الذهنية التي تحكمت بالماضي وتتحكم بالحاضر وتسعى إلى التحكم بالمستقبل.

ولدوام سيرورتها وتحقيق ربحها الأعظمي، تحاول الرأسمالية، ليس فقط ترسيخ ونشر الحروب بين البشر، بل تخطت ذلك إلى محاولة إخضاع الطبيعة المحيطة بنا، وما لهيب مأساة المناخ والأزمات الاقتصادية والطاقة والغذاء، والمعارك حامية الوطيس الدائرة في الشرق الأوسط وأفريقيا وأوروبا، إلا أكبر دليل على ما اقترفته هذه الذهنية.

ويقول القائد عبد الله أوجلان في المجلد الخامس إن "الظاهرة الأساسية التي تلاحظ أثناء تصاعد مجتمع المدنية، هي ابتلاعه طردياً للمجتمع الذي تنامى بين طواياه، وصهره إياه داخل أجهزة العنف والاستغلال، وقيامه تأسيساً على هذه الظاهرة بتفكيك وتدمير العلاقة الأيكولوجية التكافلية القائمة مع الطبيعة الأولى محولاً المجتمع إلى مصدر للموارد واستثماره تدريجياً حتى النهاية".

وعلى الرغم من ذلك، يرمي قادة العالم الرأسمالي ملف المناخي جانباً ويهرولون نحو هيمنتهم، بهذه الذهنية يجرّون كوكب الأرض نحو مصير مرعب، فالتغيير المناخي والاحتباس الحراري سيوّلد أزمات تنهك جميع الكائنات الحية، في الحاضر والمستقبل.

يرجّح العلماء تصاعد درجات الحرارة في العالم لتتجاوز عتبة 1.5 درجة مئوية، وهي الحد المقرر لارتفاع حرارة الأرض، فيما قال باحثون إن هناك احتمالاً بنسبة 66% بأننا سوف نجتاز عتبة 1.5 في وقت ما بين الآن وعام 2027، وفق تقرير جهات مناخية عدة مختصة.

ويلهث النظام الرأسمالي العالمي وراء المنافع الاقتصادية القائمة على الفائدة والربح، ففي عام 1972 استضافت ستوكهولم السويدية أول مؤتمر معني بالبيئة، ومنذ ذلك الحين توالى عقد المؤتمرات الدولية، تحت مسميات ومصطلحات مختلفة للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة، لم تلتزم الدول وتفِ بوعودها التي هي محض زيف ورياء، هذا قد يقود البشرية نحو الفناء.

وقال مرصد كوبرنيكوس ما كان متوقعاً: "إذ شهد موسم (حزيران، وتموز، وآب) 2023، الأكثر سخونة على الإطلاق في العالم، حيث بلغ متوسط درجة الحرارة العالمية 16,77".

وهذا يزيد بمقدار 0,66 درجة مئوية عن متوسط الفترة 1991-2020 والتي شهدت ارتفاع متوسط درجات الحرارة العالمية، بسبب ظاهرة الاحترار المناخي. كما أنه أعلى بنحو 0,2 من المستوى القياسي السابق المسجل عام 2019.

إثر ذلك، تعالت الصرخات على وقع تصاعد حرائق الغابات، وجفاف الأنهار والبحيرات والتصحر، وانحسار المساحات الخضراء والذوبان المتسارع لجليد القطبين الجنوبي والشمالي، وارتفاع مناسيب المحيطات، والفيضانات للتصدي الفوري لتبعات المتغيرات المناخية.

ويحتاج العالم إلى خفض الانبعاثات بنسبة 7.6 كل عام، وكل يوم يتم تأخير خفض الانبعاثات، تصبح التخفيضات أكثر حدة وصعوبة، وبحلول عام 2050 سيكون التخفيض المطلوب كل عام 15.5، ما يجعل الهدف السامي لتحقيق هدف 1.5 درجة مئوية شبه مستحيلة وفق تقرير فجوة الانبعاثات لعام 2019.

وعند ارتفاع درجات الحرارة بنسبة 1.5، ستموت أكثر من 70% من الشعاب المرجانية، وبارتفاع الحرارة درجتين ستباد 99% من الشعاب المرجانية، ويرتفع مستوى سطح البحر أكثر من 10 سم، وهذا ما سيؤدي إلى تواتر شدة الجفاف والعواصف والظواهر المناخية المتطرفة.

وكان هذا الصيف أشبه بجحيم على بعض الدول التي شهدت غاباتها حرائق (هاواي، وكندا، والجزائر، وتونس، وإيطاليا، واليونان، وتركيا، وسوريا)، وأغرقت الأمطار الغزيرة مدناً في دول مثل (الصين، وأمريكا، وروسيا، والسعودية، واليابان، والهند، وباكستان)، وأخفت الفيضانات مدناً بأكملها كما حصل قبل أيام في ليبيا، وفي هذه الكوارث لقي مئات الأشخاص مصرعهم.

أكثر المشاهد المؤلمة التي تفاعل معها رواد التواصل الافتراضي، هو تحوّل جزيرة رودس اليونانية الجزيرة السياحية إلى أطلال مهجورة، بينما تحوّلت جزيرة هاواي (جنة السياحة) إلى كومة من الرماد.

تعتبر الصين وأميركا من أضخم الدول الصادرة لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري في العالم، وتليهما دول صناعية أخرى مثل (الهند، والاتحاد الأوروبي، وأندونيسيا، وروسيا، واليابان، والبرازيل، وإيران، والسعودية).

فالصين أصدرت 14.1 مليار طن متري من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، فيما أصدرت الولايات المتحدة 5.7 مليار طن متري، وفق لتحليل من مجموعة "Rhodium Group".

طغت الأهوال البيئية المميتة على الأجندة، وشاهد العالم بذهول كيف الكائنات الحية تموت جوعاً، وعطشاً، وحرقاً، وغرقاً، نتيجة كوارث التغيّر المناخي التي أفرزت حرائق مهولة في الغابات، وفيضانات غمرت معها المدن، وجفاف للأنهار والبحيرات وزلازل مدمرة ضربت أصقاع العالم.

وكان أكبر كارثة حلّت هذا العام، زلزال مرعش المدمر الذي ضرب باكور كردستان، وتركيا وسوريا في الـ 6 من شباط العام الجاري، بقوة 7.7، و7.6 درجات، إذ حصد الزلزال أرواح 52 آلف و18 شخص، وفق بيانات السلطات.

ووقع في أيلول الجاري، زلزال مدمر آخر ومركزها مدينة مراكش المغربية، إذ بلغت قوتها 7 درجات على مقياس ريختر، حيث أفادت الداخلية المغربية بوصول عدد ضحايا الزلزال إلى أكثر من 4 آلاف قتيل ومصاب في حصيلة غير نهائية.

في قلب تأثيرات هذه العاصفة العنيفة للتطرف المناخي وندرة المياه، تئن بنية العراق وسوريا من ضعف وهشاشة بيئية، ترجع التقارير أن العقدين المقبلين قد يجعل بيئتهما غير قابلة للحياة، نتيجة الزيادة المفرطة لدرجات الحرارة وقلة الأمطار ونقص المياه السطحية والجوفية واشتداد العواصف الغبارية والجفاف والتصحر.

وهذا الأمر لا يأتي من فراغ، تلعب دولة الاحتلال التركي دوراً سلبياً في تحريك مناخ المنطقتين، عبر تجفيف المنابع لتشييدها سدود ضخمة وتحويل روافد مغذية لنهري دجلة والفرات صوب مشاريع تؤثر على تدفق وخفض المياه إلى البلدين، مما يهدد بكارثة مائية وبيئية.

ووفقاً للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، فإن الأخطار المرتبطة بالطقس والمناخ والمياه تسبّبت بوقوع ما يقارب 12 ألف كارثة بين عامي 1970 و2021، وكانت البلدان النامية الأكثر ضرراً، حيث تكبّدت 90% من الوفيات أي نحو حوالي مليونَي شخص، و60% من الخسائر الاقتصادية.

وبلغ حجم الخسائر الاقتصادية الناجمة عن الكوارث الطبيعية في العالم نحو 120 مليار دولار في النصف الأول من العام الجاري، حسب تقديرات شركة "سويس ري" لإعادة التأمين.

نزوح 21.5 مليون شخص سنوياً بسبب الكوارث الطبيعية

وناهيكم عن الوفيات الذي خلّفها التغيير المناخي، فالأخير كان له دور كارثي في تهجير البشر، حيث قالت مفوضية شؤون اللاجئين في تقرير جديد رصد نزوح سنوي لما يفوق 21 مليون شخص سنوياً، خلال السنوات الخمس عشرة الماضية بسبب التغير المناخي، كما أشارت في تقريرها إلى أنه سيكون هناك نحو 1.2 مليار نازح بحلول 2050.

ما الحل؟

كل ما ذكر آنفاً ليس إلا غيض من فيض، ولذلك فإن النجاة من سعير الحرائق التي خلفتها الرأسمالية الساعية إلى الربح عبر استغلال كل شي، لا بد من تبنّي اقتصاد همه الأول والأخير هو تلبية حاجة المجتمع عبر تحقيق أكبر قدر من المردود لا الربح، على ألا يكون لهذا المردود الكبير أي ضرر للبيئة المحيطة بنا، وهو ما أسماه القائد عبد الله أوجلان بالاقتصاد الأيكولوجي في مجلده الرابع.

(أ م)

ANHA