المؤامرة الدولية تتواصل عبر هجمات الإبادة الجماعية - 2

المؤامرة الدولية تتواصل عبر هجمات الإبادة الجماعية - 2
11 شباط 2023   20:32
مركز الأخبار- جيهان بيلكين

في الذكرى السنويّة الـ 24 للمؤامرة الدوليّة؛ لا تزال الممارسات اللاأخلاقيّة والمخالفة للقانون بحقّ القائد عبد الله أوجلان مستمرّة، فخلال 678 يوماً؛ بقي 244 طلباً قدّمه المحامون و83 طلباً قدّمه ذوو القائد بلا استجابةٍ أو رد. فيما اتُّخذت بحقه 4 "عقوبات انضباطيّة" استمرّ كلّ منها 3 أشهر، وأمام كلّ هذا؛ يشير صمت المنظمات الدوليّة من مثل لجنة مناهضة التعذيب الأوروبيّة والمحكمة الأوروبيّة لحقوق الإنسان إلى أنّ مسؤوليّة نظام إمرالي ليست مقتصرة على الدولة التركية وحدها.  

دخلت المؤامرة الدوليّة ضدّ القائد عبد الله أوجلان عامها الـ 25، وكلّما أُفشلت بالمقاومة والنضال، سعت الدولة التركيّة إلى مواصلتها بطرق وأساليب جديدة.

مع اختراق الاستخبارات التركية الحدود السوريّة في الـ 6 من أيار عام 1996 ومحاولتها اغتيال القائد عبد الله أوجلان بهجوم فاشل بسيّارة مفخّخة في دمشق، بدأ مخطّط متعدّد الأطراف بين القوى الدوليّة.

إذ نشرت الدولة التركية آنذاك قواتها على الحدود السوريّة وهدّدت باجتياح سوريا، ما دفع القائد عبد الله أوجلان إلى قول: "لا أرغب بوضع سوريا في مأزق وهي التي تستضيفني منذ 19 عاماً. سيكون هذا عاراً" ثم خرج بعدها من سوريا في الـ 9 من تشرين الأول عام 1998.

وفي سياق البحث عن حلّ ديمقراطيّ للقضيّة الكرديّة، أُغلقت جميع الأبواب في وجه القائد عبد الله أوجلان الذي كان في أوروبا.

واختُطف القائد أوجلان من كينيا ونُقل إلى السفارة اليونانية وسُلّم إلى تركيا في اليوم الـ 129 للمؤامرة الدوليّة على الرغم من تقدّمه بطلبٍ للحصول على اللجوء في اليونان. وكشف اليوم الذي اختاروه لتسليمه (15 شباط) أهداف المؤامرة والأطراف المتآمرة، ففي الـ 15 من شباط عام 1925، أطلقت القوى الدوليّة مخططاً ضدّ الشيخ سعيد، وأرادوا باختيارهم لليوم ذاته؛ توجيه رسالة للشعب الكردي مفادها أنّ "التاريخ يعيد نفسه".   

نظام التعذيب في إمرالي

وصف القائد عبد الله أوجلان جزيرة إمرالي بـ "التابوت" لأنّها غير صالحة للحياة وتمنعه من التواصل مع أي أحد، لكنّه بصموده ومقاومته دحر مخططات المتآمرين ما دفعهم إلى إنشاء نظام التعذيب هناك.

"مثلما تعاون زيوس، أثينا، هادس وآريس على ربط بروميثيوس وتقييده بصخور القوقاز بالسلاسل، قام أحفادهم البشر بسجني وتقييدي بصخور جزيرة إمرالي" بهذه الكلمات وصف القائد عبد الله أوجلان الذي يُعتقل في ظلّ ظروف عزلةٍ مشدّدة في سجن إمرالي ذي الحراسة المشدّدة وضعه هناك. هذا ولا ترد أي معلومات عن القائد أوجلان منذ أكثر من 23 شهراً، في حين لم تتوقّف انتهاكات الحقوق والجرائم في إمرالي منذ 24 عاماً. 

نظامٌ يستهدف الصحّة

لم يكن القائد عبد الله أوجلان يعاني قبل اعتقاله سوى من التهاب الجيوب الأنفيّة، لكن الظروف السيئة في السجن جعلته يعاني من مشاكل صحيّة كثيرة ناجمة عن الظروف الجويّة، العزلة، والتعذيب. وكشف القائد عبد الله أوجلان في اللقاءات القليلة التي كانت نادراً ما تحدث بسبب عرقلة الدولة التركية لها؛ إصابته بالعديد من الأمراض كالذبحة الصدريّة (مرض معدٍ تسبّبه البكتيريا والفيروسات من البيئة)، التهاب البلعوم، التهاب الأنف التحسّسي، الربو، حكّة وحرقة في الحلق، ضيق في التنفّس، صداع شديد والعديد من الأمراض الأخرى. ورغم إصابته بكلّ هذه الأمراض، لا يستطيع القائد أوجلان الاستفادة من حقوقه الصحيّة؛ وتبيّن أنّه تمّ في عام 2010 إيقاف المعاينات الطبيّة اليوميّة.

الهجمات الجسديّة

إلى جانب الممارسات التي تستهدف صحّة القائد أوجلان، فإنّهم يقومون بمهاجمته جسديّاً أيضاً؛ فقد تبيّن أنّه تعرّض عام 2007 لعمليّة تسميم وأُشير إلى أنّه تمّ طلاء الزنزانة التي يُعتقل فيها قبل عام من هذه الحادثة ويمكن أن يكون التسمّم ناجماً عن طلاء الجدران.

وفي آذار عام 2007 قام محامو القائد بتحليل عيّنة من شعر موكّلهم وكشفوا أنّه تعرّض للتسميم. وفي تموز عام 2008 تمّ حلاقة شعر القائد قسراً واعتدي عليه جسديّاً، بعد ذلك وبفرض عزلةٍ داخل عزلة؛ نُقل القائد إلى زنزانة أصغر، أي قاموا بتشديد نظام التعذيب الذي وصفه القائد بـ "التابوت" و "الموت البطيء".    

العزل التام

مُنع القائد أوجلان الذي يُعتقل في زنزانةٍ انفراديّة في إطار نظام التعذيب في إمرالي من الالتقاء بمحاميه وأسرته ووكيله؛ ولم يتمكّن من مقابلة محاميه منذ الـ 3 من آذار عام 2014؛ سوى خمس مرّات خلال شهري أيّار وآب عام 2019، فيما لم يسمح له بالاستفادة من حقّه في إجراء اتصالاتٍ هاتفيّة منذ اعتقاله عام 1999 وحتّى الآن؛ سوى مرّتين إحداهما في الـ 27 من نيسان عام 2020 والأخرى في الـ 25 من آذار عام 2021؛ إذ كانت المرّة الثانيّة؛ عندما سُمح له بإجراء اتصال هاتفيّ مع شقيقه محمد أوجلان بعد انتشار الإشاعات حول وضعه الصحّي على وسائل الإعلام، ولم يستمر الاتصال سوى 3 - 4 دقائق ثمّ قُطع بعد ذلك ولم ترد عنه أي معلومات منذ ذلك الحين.  

رفض 327 طلباً للالتقاء بالقائد بلا سبب

طوال الـ 24 عاماً التي تبدأ باعتقاله عام 1999؛ لم يتمكّن القائد عبد الله أوجلان من مقابلة محاميه سوى 442 مرّة وأسرته سوى 5 مرّات. وبحسب المعلومات التي تلقيناها من مكتب العصر الحقوقي؛ فقد قدّم المحامون 238 طلباً والأسرة 79 طلباً منذ آخر تواصل مع القائد والذي كان عبر الهاتف في الـ 25 من آذار عام 2021 وحتّى نهاية العام المنصرم 2022. فيما قدّم المحامون 6 طلبات والأسرة 4 طلبات خلال شهر كانون الثاني المنصرم بهدف مقابلة القائد، فيما تقدم وكيله بطلباتٍ أسبوعيّة، لكنّ جميع هذه الطلبات كان مصيرها الرفض بذريعة "العقوبات الانضباطيّة".

شهدت إمرالي فرض "عقوبات انضباطيّة" غير مسبوقة؛ إذ دخلت "عقوبات الحجر والتحقيقات الانضباطيّة" قيد التنفيذ مع أوّل لقاء بالمحامين في الـ 25 من شباط عام 1999. واتّخذ خلال العام المنصرم، 3 قرارات حظر بحقّ القائد (يمنع كلّ منها اللقاء بالأسرة لثلاثة أشهر وذلك في الـ 3 من شباط، الـ 31 من أيار والـ 9 من أيلول، بالإضافة إلى اتّخاذ قرار حظرٍ آخر يمنعه من الالتقاء بمحاميه لستّة أشهر في الـ 13 من نيسان المنصرم. هذا ويُردّ على طلبات الاعتراض التي يقدّمها المحامون على "العقوبات الانضباطيّة" التي لا يتمّ كشف أسبابها للمحامين إلا بعد انتهاء مدّة سريان هذه العقوبات. وتسارع محاكم الدولة إلى رفض طلبات الطعن التي يقدّمها المحامون وإخراج القضيّة من مراحل التحقيق والمحاكمة والبت بالقرار، مخالفةً بذلك المادة 59 من قانون السجون الأوروبي (يحقّ للمتّهم الدفاع عن نفسه عبر مساعدٍ قانوني إذا اقتضت مصلحة العدالة ذلك).

لجنة مناهضة التعذيب تلتزم الصمت

حتّى المنظمات الدوليّة المسؤولة عن منع التعذيب ومراقبة السجون تتجاهل الانتهاكات التي تشهدها إمرالي. فلجنة مناهضة التعذيب الأوروبيّة التي تأسّست عام 1989 لمناهضة التعذيب، والممارسات اللاإنسانيّة، والإذلال والمعاملة السيّئة أيضاً تلتزم الصمت حيال هذه الممارسات. وبحسب تقارير اللجنة وتحذيراتها يتعيّن على الدول الأعضاء تغيير وضع السجون وظروف الاعتقال. وبحسب اتفاقيّة لجنة مناهضة التعذيب يتعيّن عليها زيارة جزيرة إمرالي بانتظام، وقد أجرت أول زيارة لها بعد أسبوعين من اعتقال القائد (2 آذار عام 1999). وورد في التقرير الذي نُشر حول الزيارة في الخامس من أيار عام 1999 أنّ القائد أوجلان لن يُعتقل في السجن بمفرده.

وبلغ عدد التحقيقات التي أجرتها لجنة مناهضة التعذيب الأوروبيّة في إمرالي منذ عام 1999 ثمانية تحقيقات (في 27 شباط و3 آذار عام 1999، 2 أيلول 2001، 16-17 شباط 2003، 19-22 أيار 2007، 6-7 أيار 2019) ،إذ أجرت عدداً منها بسبب القلق والمخاوف المتعلّقة بالوضع الصحّي للقائد عبد الله أوجلان وحياته. لكنّها لم تمنع العزلة المشدّدة والعزل التام، وقد أعدّت عدداً من التقارير عن انتهاكات الحقوق والجرائم لكنّ هذا لم يحدث فرقاً ولم تُفرض أي عقوبات على الدولة التركيّة.

هذا وزارت لجنة مناهضة التعذيب الأوروبيّة تركيا بين الحادي عشر والخامس والعشرين من كانون الثاني عام 2021 لكنّها لم تقم بزيارة إمرالي رغم زيارتها للعديد من السجون، كما أجرت اللجنة مؤخراً وبالتحديد بين العشرين والتاسع والعشرين من أيلول المنصرم؛ زيارةً أخرى إلى تركيا وأعلنت زيارتها لسجن إمرالي رسميّاً، لكنّها لم تقدّم أي معلومات عمّا إذا كان وفدها قد التقى بالقائد أم لا. في حين كشف محامو القائد أنّ اللجنة لم تقابل موكّلهم أثناء زيارتها. وتقدّم مكتب العصر الحقوقي بطلب إلى لجنة مناهضة التعذيب الأوروبيّة مطالباً إياها بالعمل على منع كافة أشكال التعذيب والممارسات السيئة واللاأخلاقيّة والحصول على معلومات وتنفيذ الإجراءات المحدّدة وفقاً للمادة 10/2 لاتفاقية اللجنة، لكنّهم لم يحقّقوا أي نتائج.

قرارات المحكمة الأوروبيّة لحقوق الإنسان

بقيت قرارات المحكمة الأوروبيّة لحقوق الإنسان التي تمكّن الأشخاص والمجتمعات من الاعتراض على انتهاكات حقوقهم الأساسيّة مجرّد حبرٍ على ورق.

قضت المحكمة الأوروبيّة لحقوق الإنسان في الثامن عشر من آذار عام 2014 بالدعوى التي رفعها محامو القائد أوجلان وأشارت إلى أنّ الحكم على القائد أوجلان بعقوبة السجن المؤبّد المشدّد بدون حقّ إطلاق السراح، يخالف المادة 3 لاتفاقيّة حقوق الإنسان الأوروبيّة (لا يجوز إخضاع أحدٍ للتعذيب والمعاملة اللاإنسانيّة أو الإذلال) وقرّرت أنّ على تركيا إجراء تعديلات قانونيّة.

ولم تتّخذ تركيا أي خطوة رغم القرار المعروف بـ "أوجلان 2"، لكنّ لجنة وزراء مجلس أوروبا منحت تركيا مهلةً حتّى أيلول المنصرم لتحديد "خارطة طريق" تتماشى مع قرار المحكمة الأوروبيّة لحقوق الإنسان وحلّ مسألة "حقّ الأمل" (لا يمكن للشخص البقاء في السجن حتّى آخر حياته مهما جرى)، لكنّ تركيا وهي إحدى أطراف الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان تتجاهل هذا القرار بعدم تغييرها لقوانينها وممارساتها.

وعلى الرغم من ذلك، لم تضع لجنة وزراء مجلس أوروبا التي اجتمعت في ستراسبورغ في الثاني والعشرين والثالث والعشرين من أيلول هذا الموضوع على جدول أعمالها.

عدم الاستجابة لمئات الطلبات

هذا ولم تحقّق الطلبات التي قدّمها المئات من الحقوقيين، السياسيين، المنظمات القانونيّة والمثقفين من كردستان وتركيا والشرق الأوسط وأوروبا بهدف رفع العزلة عن القائد أوجلان والسماح بمقابلته، أي نتائج.

وتقدّم 350 محامياً من 22 دولة مختلفة و775 محامياً من أعضاء جمعية حقوقيون من أجل الحريّة، وعدد من المحامين من 29 مكتباً للمحاماة في تركيا وباكور كردستان والرؤساء المشتركين لحزب الشعوب الديمقراطي وحزب الأقاليم الديمقراطية بالإضافة إلى نوّاب برلمانيّين، بطلبٍ إلى وزارة العدل التركيّة، واتّحاد النقابات الأوروبية، اتحاد النقابات التركيّة ومنظمات حقوق الإنسان الدوليّة. وكتب الرئيس المشترك السابق لحزب الشعوب الديمقراطي، صلاح الدين دميرتاش الذي يُعتقل في سجن أدرنة ذي النموذج F  طلباً للوزارة كما تقدّم بطلبٍ لمقابلة القائد أوجلان عبر الانترنت. كما سعى 756 محامياً من المغرب، فلسطين، باشور كردستان، شمال وشرق سوريا، العراق، لبنان، مصر، سوريا والأردن إلى مقابلة القائد أوجلان لكن لم يتم الاستجابة لأيّ من هذه الطلبات.

(ر)

ANHA