عفرين.. من مدينة تعددية مسالمة إلى بؤرة استيطانية عنصرية

تعتبر دولة الاحتلال التركي رائدة في مجال صناعة المستوطنات سواء في إسرائيل أو مدينة عفرين المحتلة، فمشاهد التغيير الديمغرافي لا يمكن التغافل عنها ولا حتى السكوت فأهداف الاحتلال مبنية على أساس اقتلاع جذور السكان الأصليين ولعل التاريخ خير مصدر، بما يخص أدوات تركيا وأجدادها العثمانيين في تحقيق المراد.

عفرين.. من مدينة تعددية مسالمة إلى بؤرة استيطانية عنصرية
عفرين.. من مدينة تعددية مسالمة إلى بؤرة استيطانية عنصرية
عفرين.. من مدينة تعددية مسالمة إلى بؤرة استيطانية عنصرية
عفرين.. من مدينة تعددية مسالمة إلى بؤرة استيطانية عنصرية
عفرين.. من مدينة تعددية مسالمة إلى بؤرة استيطانية عنصرية
عفرين.. من مدينة تعددية مسالمة إلى بؤرة استيطانية عنصرية
عفرين.. من مدينة تعددية مسالمة إلى بؤرة استيطانية عنصرية
الأحد 30 مايو, 2021   20:35
مركز الأخبار- محمد عبدو

التفنن بالظلم هو أبرز ما امتهنه العثمانيون أولاً، وأحفادهم في جيش الاحتلال التركي ثانياً، فما يجري في عفرين من استيطان وتغيير ديمغرافي تخطى عتبة جرائم الحرب ليخلف بصمة عار على إحدى صفحات تاريخ الإنسانية الحديث.

ونستعرض في هذا التقرير فكرة إنشاء المستوطنات ومتى تم البدء بتطبيقها وأمثلة عنها إلى جانب إبراز دور تركيا في بناء  المستوطنات سواء في إسرائيل وعفرين المحتلة بالإضافة إلى الهدف من بناء هذه المستوطنات.

الاستيطان.. نشأةً وتعريفاً

يعرف الاستيطان على أنه عملية إسكان واسعة في أرض محتلة، وذلك بذريعة الإعمار وإرساء سيطرة الدولة المهيمنة على الأرض التي ضمتها وباتت تعتبرها جزءاً منها. وقد تكون دوافعها أيديولوجية دينية وعنصرية.

ونشأ الاستيطان كرافد من روافد الحملات الاستعمارية منذ الاكتشافات الاستعمارية الأولى التي قام بها الإسبان والبرتغاليون والهولنديون، وبالتالي تناوله القانون الدولي ضمن هذه المنظومة. فقد عرّف القانون الدولي الاستعمار بأنه: سياسة توسعية تمارسها بعض الدول بحق شعوب أقل نماءً، سيكون عليها القبول بنوع من روابط التبعية إزاء هذه الدول.

أمثلة تاريخية عن الاستيطان والإبادة

ومثال على ذلك الاستيطان هو التواجد الإسرائيلي داخل الأراضي الفلسطينية الذي لم يكن مجرد صدفة وقعت بل كان مخططاً مدروساً منذ القدم شاركت فيه بريطانيا وسهلت الدولة العثمانية المريضة تنفيذه عبر السماح لليهود بشراء الأراضي على أنها أراض بور، إذ بدأ هذا المخطط منذ بداية أعوام 1800 حتى إعلان قيام إسرائيل عام 1948 بعد إعلان انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين نهاية عام 1947.

أوروبا ايضاً سيطرة على أمريكا بهذه الطريقة، فقد قتل مئات الآلاف من الهنود الحمر الذين هم من سكان أمريكا الأصليين على يدهم، وقام الاوربيين بتوطين مواطنيها في المناطق التي ارتكبت فيها المجازر.

العثمانيين ايضاً أقدموا على ارتكاب المجازر بحق مئات الآلاف من الأرمن والسريان، وأقدموا على تهجير الألاف منهم، ووطنوا مواطنيها في مناطقهم، كما واجه الروم البونتوس أيضاً السياسات ذاتها على يد العثمانيين.

وعبر التاريخ هناك آلاف الأمثلة التي يستطيع المرء تعريفها بأن السلطات والاحتلال فرضت هذه السياسات على الشعوب.

تركيا ودورها في بناء المستوطنات الإسرائيلية

استثمرت تركيا الصراع الإسرائيلي الفلسطيني لزيادة أرباحها، من خلال بناء مستوطنات على أراضي الفلسطينيين متجاهلة الأعراف والمواثيق الدولية، بما يخص دعم النمو الاستيطاني الذي تلا حرب عام 1967.

ووصلت أولى شركات المقاولة التركية في التسعينيات إلى إسرائيل بموجب اتفاق ملكية متبادلة بين الطرفين عام 1996، جرّاء الحاجة الإسرائيلية إلى زيادة المباني السكنية بشكل كبير حتى تستطيع استيعاب الهجرات اليهودية القادمة من دول الاتحاد السوفيتي سابقًا.

ومن بين تلك الشركات شركة يلمازلار التركية والتي وصفتها صحيفة هارتس الإسرائيلية بأنجح شركات المقاولة العاملة في بناء المستوطنات.

وتطوّر العمل الذي بدأ كنشاط صغير أواسط التسعينيات، بدعم من الحكومة الإسرائيلية والاتفاقيات الأمنية للشراء المتبادل عام 2002،منها اتفاقية اوفست والتي تنص على مقابل تحسين الصناعة العسكرية الإسرائيلية للدبابات التركية، تعمل  تركيا على تأمين 800 عامل للعمل في فرع البناء الإسرائيلي.

وفي أحد التصريحات الرسمية لأحد ممثلي الشركة تحت اسم جيوس لوسائل الإعلام نوه الأخير أن الأزمات الدبلوماسية  الواقعة بين تركيا وإسرائيل لا تؤثر سوى في عناوين الصحف والتصريحات السياسية، ولكن حجم التجارة بين البلدين يصل إلى مليارات الشواكل.

https://www.hawarnews.com/ar/uploads/files/2021/05/30/192606_mray-alshbly.jpg

بهذا الصدد عضو المجلس الرئاسي لمجلس سوريا الديمقراطية مرعي الشبلي قال في تصريح لـ ANHA بأن تاريخ العثمانيين مليء بالخيانات والغدر لمنطقة الشرق الأوسط ونشر التخلف، وكل ما شهدته المنطقة من حروب ومجازر ودمار هو نتيجة الاحتلال العثماني للمنطقة قبل نحو قرن ونيف.

ويشير بأن حضور طائرات المسيرة التركية في المعارك الأخيرة لقصف غزة لا يشير إلا للدعم اللامحدود الذي تقدمه تركيا عسكرياً لإسرائيل، وذلك وفق مقايضات جيوسياسية ترضي الطرفين.

عفرين ومسلسل الاستيطان

كانت وكالتنا نشرت في الـ 17 من شهر أيار/ مايو المنصرم تقريراً حمل عنوان "عفرين...المدينة التي تقبع تحت نير الاحتلال والإبادة مستمرةٌ في المقاومة" حمل في طياته أبرز المشاريع الاستيطانية الموثقة والتي تعمل عليها تركيا لتغيير ديمغرافية المنطقة عموماً.

رابط التقرير: https://hawarnews.com/ar/haber/afrynalmdynh-alty-tqba-tht-nyr-alahtlal-walibadh-mstmrhon-fy-almqawmh-h50291.html

ولعل أبرز ما يتم تناقله في وسائل الإعلام عامة هو تضييق الخناق على أبناء المجتمع الإيزيدي عبر بناء تجمع استيطاني على سفح جبل قرية بافلونة ذات الغالبية الإيزيدية، ومنع عوائل السكان الأصليين من العودة إلى قريتهم، رابط الخبر الذي نشرته هاوار سابقاً في هذا الصدد: https://hawarnews.com/ar/haber/alahtlal-altrky-wfy-itar-syasat-alibadh-waltghyyr-aldymghrafy-ymna-iyzydyy-qryh-baflywn-mn-alawdh-h50180.html

https://www.hawarnews.com/ar/uploads/files/2021/05/30/192433_syd-mstfa.jpeg

وفي هذا السياق نوه الصحفي المصري المتخصص في الشؤون الخارجية سيد مصطفى خلال تصريح خاص لـ ANHA  إلى أن عمليات التغيير الديمغرافي بدأت في عفرين عن طريق السلب والنهب "مع اجتياح تركيا للمدينة، وقد رأينا المشاهد المصورة التي توثق السرقات وتكسير واجهات المحلات ".

مصطفى تابع حديثه بالإشارة إلى رفع تركيا من الإجراءات القمعية من أجل زيادة وتيرة تهجير الكرد من المنطقة وخاصة أبناء المجتمع الإيزيدي، عبر الخطف وعمليات القتل المتعمد إلى جانب فرض الدين الإسلامي عليهم عبر تدمير دور العبادة الإيزيدية وبناء المساجد في قراهم كقرية باصوفان، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن الديانة المسيحية لاقت الجرائم نفسها في المدينة.

وتنص المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة على أن سلطة الاحتلال "لا يجوز لها ترحيل أو نقل جزء من السكان المدنيين إلى الأراضي التي تحتلها".

أما عضو المجلس الرئاسي لمسد مرعي الشبلي فيعلق على الموضوع قائلاً: "يحاول أردوغان بقيادة حزب العدالة والتنمية إعادة ميراث نشر التخلف والتفرقة الذي امتهنه العثمانيون، منوهاً بأن أردوغان يرى محاربة الإدارة الذاتية تحت اسم الأمن القومي بأنها ضمن حماية الحقبة العثمانية في القضاء على أي فكر تحرري في المنطقة، من زمن الثورات التحررية إلى يومنا هذا".

قطر والكويت.. أبرز الداعمين لمخططات الاستيطان في عفرين

يقول مرعي الشبلي بأن الأمر الخطير اليوم هو العمل على بناء مستوطنات في عفرين المحتلة بدعم قطري كويتي،" الذي أخشاه أن يكون هنالك تغيير ديمغرافي أكثر مما نتوقع ، بأن يأتوا بمن يصفوهم بعرب الـ 48 المجنسين إسرائيلياً ليهجروهم من فلسطين إلى عفرين هذا ليس تغييراً ديمغرافياً فحسب بل تغيير كلي للبنية السكانية والذي يشكل بالتالي خطراً على تاريخ مكونات المنطقة".

وقال مركز التوثيق المدني للاجئين الفلسطينيين في الشمال السوري في 15/2/2020، إن أعداد المستوطنين الفلسطينيين في شمال سوريا يبلغ نحو 7500 مستوطن، تم استقدامهم من مخيمات درعا وحمص وحلب واليرموك.

ولم يستبعد الشبلي وجود تفاهمات إسرائيلية_ تركية بمشاركة حلفائها بما يخص هكذا مشاريع استيطانية خطيرة في مدينة عفرين السورية وذلك على حساب السكان الأصليين.

وكانت الكويت قد دعمت بشكل علني وصريح إعمار قرية “كويت الرحمة” السكنية، التي تساهم في تغيير ديمغرافية منطقة عفرين بريف حلب والمشروع جارٍ إنشاؤه في حي المحمودية بهدف توطين نازحين من عدة مناطق ومدن سورية من عائلات المرتزقة الموالية لتركيا.

من جانبه يقول سيد مصطفى إن الهدف الأساسي من بناء المستوطنات هو إمرار سياسة التتريك عبر التعليم وغيره لطمس الهوية الكردية وجذور الشعب الكردي في هذه المنطقة.

كما وتوقع الصحفي المصري المختص في الشؤون الخارجية سيد مصطفى في نهاية حديثه زيادة في عدد المستوطنات داخل عفرين في الفترة القادمة، فتركيا تريد استخدام عفرين كإسكان للمهجرين بدلاً من أراضيها خاصة بعد الضربات التي تعرض لها حزب العدالة والتنمية في الانتخابات الأخيرة، وتنامي تيار ضد المهاجرين في تركيا والغرب عامةً وذلك على حساب سكان عفرين الأصليين.

وبالرغم من كل هذه البيانات والتقارير والتوثيقات إلا أنه يطغى على المجتمع الدولي في هذه الفترة طابع عصبة الأمم كمنظمة شكلية لم تقدم المطلوب منها، وهو السبب الرئيس لزوالها في نهاية عام 1945.

وأما عن المرتزقة السوريين التابعين لتركيا المنفذين لأجنداتها في المنطقة، فتنطبق عليهم مقولة عبد الرحمن بن خلدون عندما قال:" المغلوب مولع أبداً بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيه ونحلته وسائر أحواله وعوائده"، فأجدادهم تحرروا من العثمانيين إلا أن الأحفاد باتوا عاشقين لجلاديهم.

ANHA