رسالة مؤثرة من أفغانيات إلى إيرانيات: ما يربط بيننا ليس الألم فقط بل حلم الحرية ذاته
وجهت ناشطات من أفغانستان رسالة مؤثرة إلى نساء إيران، أكدن فيها أن الحرب الدائرة ليست سوى عرض مروّع لهيمنة الذكوريين المتعطشين للسلطة، الذين لا يأبهون لقطرة دم ولا حياة تزهق، مضيفات: "ما يربط بيننا ليس الألم فقط بل حلم الحرية ذاته".

أكدت ثلاث ناشطات أفغانيات، هن سائمه سلطاني، هلن فرمان، ومزدا مهركان، وقوفهن إلى جانب النساء الإيرانيات، معلنات دعمهن ومساندتهن لهن، في ظل الحرب الدائرة مع إسرائيل.
"ليس عبر التدخلات الإمبريالية بل عبر نضال النساء"
وقالت الناشطات الثلاث، في رسالة مفتوحة موجهة إلى نساء إيران، ونقلتها وكالة أنباء المرأة (NUJINHA): "بقلبٍ مليء بالحزن والغضب، نكتب لكم هذه الرسالة في لحظةٍ كان من المفترض أن تُطوى فيها صفحة الحكومة الملطخة بالعار، حكومة تقتل النساء وتستعبد العمال، وتزهق أرواح الأطفال، وتسحق الكُرد وحلم المهاجرين، على يد النساء، لم يكن من المفترض أن تتحوّل هذه الوحشية المتمثلة بالإعدام والتمييز إلى ورقة في لعبة السياسيين الذكوريين من الإمبرياليين؛ أولئك الذين كانوا هم أنفسهم منشأ ومموّلي العديد من الأنظمة الإسلامية المعادية للنساء في آسيا وأفريقيا ومن إيران إلى الأحزاب الجهادية في أفغانستان، ومن طالبان إلى داعش والقاعدة، كان يجب أن يُدفن جسد الجمهورية الإسلامية المتعفّن تحت خطواتكم الثابتة، لا بصواريخ أولئك الذين تلطّخت أيديهم بدماء آلاف النساء والأطفال في فلسطين وأفغانستان وسوريا واليمن والسودان ولبنان، والآن في إيران كان يجب أن يكون سقوط هذا النظام صفحة مشرقة في سجل نضالكم، لا صفحةً جديدة في سجل الجرائم العالمية للأنظمة الإمبريالية.
"ليس على يد القوى التي تلطخت بدماء النساء"
كان جديراً بالجمهورية الإسلامية أن تنهار على يد النساء الرائدات الصامدات، اللواتي لا يُقهَرن، اللواتي سُجنّ لعقودٍ لمجرد أنهن نساء تواقات للحرية، قبعن في غياهب السجون المظلمة لهذا النظام المتعفن، نساء لم يركعن أمام التعذيب أو الإهانة أو محاولات الطمس بل وقفن شامخات ورددن على ذُلّ هذا النظام بإباءٍ وعنفوان.
كان يجب أن يكون هذا الانهيار حقاً لزينب جلاليان التي أمضت قرابة عشرين عاماً في زنازين الموت البطيء، دون أن تتراجع لحظةً واحدة عن مبادئها، وكان شرف النصر أولى بأن يكون من نصيب سبيده قليان، ليلا حسين زاده، سبيده رشنو، شريفة محمدي، وريشه مرادي، بخشان عزيزي، گلرخ إيرايي، وآلاف النساء المجهولات الاسم المعروفات بالفعل والإيمان، اللواتي بثباتهن وقلوبهن المشتعلة أرعبن أسس هذا النظام الفاسد دون الحاجة إلى سلاح أو صاروخ أو درع، كان يجب أن تكون نهاية هذا النظام صدىً لصيحات النساء الخارجات من قلب الزنازين، من وسط العذاب ومن أعماق الطبقات المنهوبة وهنّ يرفعن راية المقاومة والكرامة.
"ليس على أيدي الدمار بل على أكتاف النساء"
نعم كان يجب أن تزول الجمهورية الإسلامية، ولكن ليس على يد أنظمة دموية جاءت إلى أفغانستان قبل أكثر من عشرين عاماً تحت شعارات زائفة عن الديمقراطية وتحرير المرأة، وحقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب، وعلى مدار عقدين لم تحصل النساء على أي حريّة، بل انتهى بهنّ المطاف إلى الخضوع من جديد لنظام طالبان، بتسليم كامل من تلك الأنظمة ذاتها التي ادّعت الدفاع عنهن لتُسحق جميع حقوقهن الإنسانية دون رحمة.
إنّ تاريخ نساء أفغانستان المليء بالجراح شاهد حيّ على حقيقة تحرّر النساء، ولا من صواريخ الذكوريين الرأسماليين والمستعمرين، على العكس لطالما كانت هذه الأسلحة أدواتٍ لشرعنة الاستعمار والإبادة والسلب وتدمير البيوت وتجويع الطبقات الفقيرة، وإخضاع النساء في دوّامة الفقر والحرب، والاحتلال، والتشريد، وإعادة إنتاج العنف والقهر والسيطرة.
"ليس عبر الحروب بل عبر العدالة"
إن طبيعة هذه المجازر الجماعية الجنونية لا تمت بصلة للدفاع عن أرض إسرائيل أو الولايات المتحدة، ولا تسعى إلى تحرير النساء في إيران، ولا حتى تمثل دفاعاً حقيقياً عن الشعب الإيراني من قِبل النظام الإيراني نفسه ما نشهده هو عرض مرعب مكتمل الأركان لهيمنة الذكوريين المتعطشين للسلطة، الذين يتعاملون مع الحرب كصناعة واستثمار، لا يأبهون لقطرة دم ولا لحياة تُزهق.
هذه المجازر ليست حروباً عشوائية، بل جزء من خطة ممنهجة ومدروسة لنظام الرأسمالية، الذي يحرّك عجلة الربح وتراكم الثروات من خلال تجارة السلاح ونشر الحروب، لصالح طبقة ضئيلة لكنها حاكمة على العالم خطة لا تكتفي بجني الأرباح والسيطرة على الجغرافيا والسياسات، بل تسعى إلى سحق الحركات الجماهيرية النسوية، واحتجاجات الطبقة العاملة، وجميع الانتفاضات التي تقودها الفئات المهمّشة، لتعميق هيمنتها، وفرض سيطرتها بقوة أشدّ، ولفترة أطول.
"ليس عبر الدم بل عبر التضامن"
نحن نعلم أنكم تمرّون بأيامٍ وليالٍ قاسية، نعلم أن قلوبكم مليئة بالغضب والحزن، والصراخ، والألم، ونعلم جيداً كم هو موجع أن يسقط مستبد على يد مستبدٍ آخر، بعد أكثر من أربعين عاماً من التضحيات، حيث قدمتم أرواحكم، وأموالكم، ومنازلكم، وراحتكم في سبيل النضال نحن نساء أفغانستان ندرك هذا الألم جيّداً.
لكن في خضم هذه القسوة، لا تنسوا أن أكتاف أخواتكم الأفغانيات الجريحة الصامدة تقف إلى جانبكم، نحن نعرف معنى الألم عشناه في المنافي وفي التشرد وفي كل انتفاضةٍ منكم ينبض قلوبنا بقوة أكبر.
لا تنسَوا في خضمّ هذه الاستعراضات القمعيّة لثلاثة من رموز السلطة الذكورية خامنئي، نتنياهو، وترامب، أنكم لستم وحدكم قلوبنا وأيادينا معكم، نحن النساء اللواتي نشعر مرّةً أخرى أن الأرض التي لا وطن لنا فيها تُسلب منا، تُقصف من جديد نُدفع أكثر إلى الهجرة نُهدم مرّة أخرى ويُعاد وضعنا في نقطة الصفر لكننا لن نستسلم ولن نقبل بذلك، سنواصل الطريق معاً أكثر اتحاداً وتماسكاً وأشدّ أخوة من أي وقت مضى، لأن ما يربط بيننا ليس الألم فقط بل حلم الحرية ذاته، سنستمر حتى لا تُجبر أجيال الغد من النساء والفئات المهمشة، على ضفّتَي الحدود، على الاختيار بين البقاء والموت، أو أن تتخلّين عن الحياة وتبدأن من الصفر كل مرة، نعم سنواصل حتى لو بقي لنا يوم واحد فقط من النضال والبقاء في النهاية نحن المنتصرات في هذه المعركة، حتى ولو انتُزِعت أرواحنا".
(ي م)