دعوة لاعتماد نموذج الإدارة الذاتية لبناء وطن ديمقراطي جامع
في الوقت الذي يبحث فيه السوريون عن نموذج بديل ينقذهم من المركزية الخانقة، أكدت شرائح مجتمعية من مدينة الرقة أن الإدارة الذاتية جاءت كإجابة عملية لحالة التنوع ووفرت مساحة للمكونات لممارسة حقوقها السياسية والاجتماعية بحرية، ما جعلها تجربة حية للنظام اللا مركزي الفعلي في البلاد.
في ظلّ التحولات الجذرية التي تمر بها سوريا عقب سقوط النظام البعثي في 8 كانون الأول 2024، تبرز تجربة الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا كنموذج سياسي وإداري يعيد طرح حلولاً جوهرية لأزمة الحكم المركزي التي أثقلت كاهل السوريين لعقود طويلة.
ويجمع مراقبون سوريون على أن نموذج الإدارة الذاتية، المتبع في إقليم شمال وشرق سوريا، حقق نتائج ملموسة على الأرض، عبر ترسيخ الاستقرار المجتمعي والإداري، ما يجعله خياراً مطروحاً بجدية لمستقبل سوريا.
عضو اللجنة المركزية في الحزب الديمقراطي الكردي السوري، آزاد برازي، أوضح لوكالتنا أن الإدارة الذاتية جاءت كإجابة عملية لحالة التنوع والتعدد التي كانت مغيبة في العهد السابق.
وأضاف: "سوريا دولة متعدّدة الإثنيات والمذاهب، ولا يمكن حكمها من خلال مركزية مفرطة. الإدارة الذاتية وفّرت مساحة لكل مكوّن ليعبّر عن خصوصيته، ويشارك في اتخاذ القرار، من خلال حق التعلم باللّغة الأم، والمشاركة في المؤسسات السياسية".
ويظهر من تجربة شمال وشرق سوريا أن تجاوز المركزية المفرطة لم يكن خياراً سياسياً فحسب، بل كان ضرورة اجتماعية لضمان تماسك المجتمع السوري، خاصة مع التصدعات الطائفية والقومية التي خلفتها سنوات الحرب.
وأشار برازي إلى أن سقوط النظام السابق كشف عن تحديات ومآسي كبيرة، خصوصاً في المناطق التي شهدت انفلاتاً أمنياً وفوضى إدارية، فيما أظهرت تجربة الإدارة الذاتية أنها الضامن الحقيقي لحقوق السوريين جميعاً، دون تمييز.
من جانبه، رأى الرئيس المشترك لاتحاد المحامين في شمال وشرق سوريا، أنور العسر، أن ما يميّز الإدارة الذاتية هو تطبيقها الفعلي لمفهوم اللا مركزية، حيث قال: "الإدارة الذاتية أقرب للمواطن، فهي تمنحه دوراً حقيقياً في اتخاذ القرار عبر الكومينات والمجالس الشعبية، على عكس النظام السابق الذي مارس المركزية تحت شعار كاذب من اللامركزية الشكلية".
وأضاف العسر: "خلال السنوات السبع الماضية، تم تأمين خدمات ومعيشة مستقرة للسكان، عبر مشاركة النّاس أنفسهم في صنع القرار، وهو ما يجعل هذه التّجربة نموذجاً يحتذى به على مستوى سوريا".
تحليل مسار تجربة الإدارة الذاتية يكشف أن تمكين المجتمعات من صنع القرار أدى إلى بناء منظومة خدمية وإدارية متماسكة، وهو ما افتقدته بقية المناطق السورية سواء تلك الخاضعة لسيطرة النظام أو تلك الخاضعة لسيطرة مرتزقة الاحتلال التركي التي غرقت في صراعات فصائلية وحروب نفوذ.
أما عضو كونفدرالية تنظيمات المجتمع الديمقراطي في مقاطعة الرقة، خالد بركل، فقد ركز في حديثه على البعد المجتمعي والتشاركي للإدارة الذاتية، مشيراً إلى التحول النوعي الذي طرأ على مشاركة المرأة والشبيبة.
وقال: "نحرص على إشراك جميع أطياف المجتمع، وإعلاء صوت الإرادة المجتمعيّة، على عكس الأنظمة السابقة التي همّشت وأقصت"، موضحاً أن ثقافة التشاركية هي حجر الأساس في نظام الإدارة الذاتية.
وأوضح بركل أن نموذج الإدارة الذاتية يجب ألا يُنظر إليه كحل محلي فقط، بل كنموذج وطني قابل للتطبيق على كامل الجغرافيا السورية، خاصة في ظل الحاجة لنظام سياسي ديمقراطي يحترم التنوع ويكسر مركزية الحكم التقليدية.
وقد تجلى الدور المركزي للمجتمع في بناء مؤسسات الإدارة الذاتية من خلال الكومينات ومجالس الشعب، حيث شاركت جميع الفئات المجتمعية في مناقشة العقد الاجتماعي وإبداء آرائها ومقترحاتها بحرية، بما يعكس حالة فريدة من الشفافية والمشاركة.
وتؤكد ديباجة العقد الاجتماعي بوضوح أن الشعب هو المرجعية الأساسية للحكم، وأن المجتمع هو صاحب القرار الحقيقي، وهو توجه يمثل قطيعة مع مرحلة الاستبداد الطويلة التي شهدتها سوريا.
ويؤكد المحللون على إمكانية توسيع القاعدة الشعبية لهذا النموذج لتشمل مختلف مناطق سوريا، ما يجعل من الإدارة الذاتية قاعدة لإعادة بناء الدولة السورية على أسس حديثة وعادلة.
(أ)
ANHA