"السليجة" طبق تراثي يحمل بين حباته روح المحبة والتكافل
في أجواء تمزج بين عبق التراث وحرارة التآخي، تواصل أسر مقاطعة دير الزور إحياء تقليد وجبة "السليجة" الشعبية، لتوزيعها على الأقارب والجيران في مبادرة تختزل قيم التكافل والكرم، وتعكس التعاضد ذي الامتداد العريق في ذاكرة الأجيال.
تُعد وجبة "السليجة" من الأكلات الشعبية التقليدية الموروثة في مقاطعة دير الزور، وغالباً ما يقوم الأهالي بتحضيرها بعد صيام ستة أيام من شهر شوال (صيام الستينية) ليتم توزيعها على الأقارب والجيران، تعبيراً عن قيم الكرم والترابط والمحبة بين مكونات المجتمع.
ويعود تقليد تحضير وجبة السليجة في مقاطعة دير الزور لأكثر من قرن، حيث كانت تُحضَّر في مواسم الحصاد وبعض مناسبات الأفراح، إلى جانب ارتباطها الوثيق بشهر شوال.
ويقول ماجد المحمد (28 عاماً)، أحد أهالي مدينة هجين: "السليجة ذكرى من أيام الطفولة، كنا ننتظرها كل عام كحدث جماعي، حيث تُطبخ في قدور كبيرة، ويجتمع حولها الجميع. اليوم، ورغم تغير الزمن، ما زلنا نحافظ على هذه العادة التي تعلمناها ونُعلمها لأولادنا."
السليجة موروث يربط الماضي بالحاضر
أما بالنسبة لأصولها، فهناك روايات متعددة تذكر أنها كانت طعام المزارعين أثناء مواسم الحصاد، فيما يرى آخرون أنها ارتبطت بالأعياد والمناسبات الاجتماعية، كرمز للفرح والبركة.
ولكن الجميع في مقاطعة دير الزور يتفقون على أنها أكثر من مجرد وجبة شعبية رغم بساطتها نظراً لما تحمله من تعبير عن الهوية والانتماء التراثي وفرصة لتعزيز الروابط بين العائلات.
من الريف إلى المدينة عادات لا تتبدل
تختلف طرق تحضير "السليجة" من منطقة إلى أخرى في مقاطعة دير الزور، لكنها تتفق في القيم التي تحملها، ففي الأرياف، تقدم مع الملح واللبن الرائب، بينما يضيف سكّان المدينة إليها السكر وبعض المكوّنات كالجوز أو العسل. ورغم اختلاف التفاصيل، تبقى الفكرة واحدة وطريقة التوزيع ذاتها".
وتقول صالحة الأحمد (55 عاماً) من نساء هجين: "تحضير وجبة السليجة ليس بفرض إسلامي مرتبط بصيام ستة من شوال، لكنها مبادرة شعبية نحرص عليها كل عام.
ونحن النساء نتبارى في إعدادها، وهي تتكون من سبع أنواع من البقوليات والحبوب، أبرزها القمح والذرة والبازلاء والفول المجفف والتمر، وكل عائلة تضيف لمستها الخاصة، ونحب توزيعها على الجيران والأحباء، ونشعر بنقصٍ كبير إذا مر شهر شوال دون أن نُعدّها".
وأضافت صالحة الأحمد: "في أصعب الظروف، لم نتخلَّ عن هذه العادة، حتى خلال سنوات الحرب، كنا نبحث عن المكونات البسيطة لنحافظ على أجواء تحضير هذه الوجبة التي تذكرنا بأيام السلام والجمعات العائلية.
تبقى السليجة في مقاطعة دير الزور أكثر من مجرد طبق تراثي، بل إرثاً إنسانياً يحمل ذاكرة المكان وقلب أهله، حيث يتناولها الأهالي ليس كوجبة فحسب، بل كرمز للهوية والانتماء، وعلى الرغم من أنها تُعد من الأكلات الشتوية بامتياز، إلا أن ارتباطها بشهر شوال جعل منها مناسبة سنوية تجسد قيم التكافل والتوارث الثقافي.
الجدير بالذكر أنه لا يقتصر حرص أهالي المنطقة على السليجة وحدها، بل يمتد ليشمل الحفاظ على العديد من الأطباق التقليدية التي تشكل جزءاً أصيلاً من موروثهم، مثل "الكشك والعصيد والسياييل" التي تحمل في مذاقها عبق الماضي ودفء الحاضر.
(أ)
ANHA