رياض درار يدعو لمصالحة سورية وإنشاء نظام تعدّدي بمشاركة جميع السوريين
أكد السياسي السوري، رياض درار أن المرحلة الأولى بعد سقوط النظام السوري حملت إشارات إيجابية، وأن المرحلة الراهنة تتطلب وضع رؤية جديدة للمرحلة الانتقالية تضمن مشاركة جميع الأطراف السورية على اختلاف أهدافها وتنوعها وإطلاق عملية مصالحة وطنية، وأن يعمل الجميع على مشروع وطني جامع يؤسس لنظام تعددي يرتكز على أساس المواطنة وحقوق الإنسان.

شهدت سوريا تطورات متسارعة أدت لسقوط نظام بشار الأسد وتسلم "هيئة تحرير الشام" بقيادة أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني) إدارة الأوضاع السياسية والعسكرية في تلك المناطق، وسط تساؤلات عن طبيعة المرحلة القادمة وخاصة فيما يتعلق بشكل نظام الحكم، في ظل مخاوف من إنشاء حكم شمولي ديني يؤثر على التنوع الثقافي والقومي والعرقي الذي يميز الوطن السوري.
إشارات إيجابية لا تزيل المخاوف
السياسي السوري والرئيس المشترك للمكتب الاستشاري في مجلس سوريا الديمقراطية رياض درار، تحدث عن ذلك بتقييم ما جرى قائلاً: "المراحل الأولى بعد سقوط نظام الأسد شهدت إشارات إيجابية من خلال تصريحات أحمد الشرع الذي هو القائد للإدارة العسكرية التي قادت الحراك بدءاً بتحرير حلب وخلال مسيرتهم من تحرير حلب إلى دمشق كانت الأمور إيجابية وتعطي انطباعاً بأن هناك مجموعة تريد تحرير البلاد فعلاً".
لكنه أردف قائلاً: "المشكلة ليست هنا، بل في آليات العمل الإداري المستقبلي؛ لأن سوريا بلد متنوع ومتعدد الأطياف والمكونات. لذا، يجب أن يكون هناك خطاب مستمر موجه للجميع، وأن تكون هناك مشاركة حقيقية، وأن يتم التنازل عن الأيديولوجيا التي لاحظنا تعبيراتها من خلال بعض العناصر الذين يوقفون الناس ويتعاملون معهم بأسئلة وأجوبة تحمل طابعاً مراً من أيام السيطرة الداعشية. من المهم جداً التخلص من هذه التعبيرات والانفتاح على حقيقة أن هذا المجتمع متنوع، ويجب أن يتم التعامل معه كما هو، دون أن يحاول أحد تغيير نمط تفكيره الاجتماعي، لأن ذلك قد يؤدي إلى خلافات قد لا تنتهي."
تحديات عديدة تواجه البلاد
درار تحدث عن التحديات التي تواجه سوريا، قائلاً: "التحديات بعد سقوط نظام الاسد الذي أصبح بائداً ويجب أن يبقى بائداً، هي في إعادة الاعتبار لمعنى المشاركة لكل أبناء الشعب السوري في إدارة نفسه بنفسه، عبر الأليات المقترحة من الكثير من القوى السياسية حول شكل نظام الحكم القادم، هناك مسألة مهمة وتحدي كبير وهي الخدمات، حيث تعدّ البلاد الآن مهدمة ومهشمة وفقيرة وتحتاج لمزيد من الدعم الدولي ومن الإنجاز والإنتاج الداخلي، ويتم ذلك بإشراك جميع فئات المجتمع من أجل البناء والتعمير ومن أجل التنمية التي تعيد البلاد بعد حرب طويلة إلى الاستقرار والأمل".
وأضاف: "هناك خطورة كبيرة أيضاً في عدم تفهم شكل نظام الحكم الذي يجب أن يكون كما نراه ديمقراطياً يعتمد النظام اللامركزي لتحكم المناطق نفسها بنفسها بطريقة حضارية، وأن يبقى بالمركز إدارته السيادية التي تتمثل بالجيش الواحد والخارجية والتعبيرات عنها بشكل يجمع شمل السوريين بخطاب وطني واحد، كذلك في المالية والاقتصاد حتى يتم توحيد البلاد على نموذج اقتصادي يمكن أن يتشارك فيه الجميع ويكون حراً قادراً على التنمية والابداع".
واعتقد أن "سوريا في المرحلة المقبلة متجهة نحو وضع آليات التفاهم العصري والحديث، وقد تعاني من ردود فعل ومن تحركات لما يمكن أن نسميه فلول، وهذه الفلول هي التي تختفي الآن لتظهر لاحقاً عبر وسائل تدميرية وتفجير مناطق واعتداء على مناطق أخرى وهذا ما يجب الانتباه إليه؛ لأنها سوف تثير الفتنة هناك، أيضا الأصوات المتصاعدة باتجاه أيديولوجية واحدة هذه يمكن أن نخشى منها لأنها مخيفة جداً والسوريون يشعرون بآلام المرحلة الأيديولوجية، وإن كانت باسم الإسلام أو البعث؛ لأنها حين تسيطر برؤية واحدة سوف تفتت بنية المجتمع وسوف تؤثر على المسيرة المنشودة لإعادة بناء سوريا".
رؤية جديدة للمرحلة الانتقالية
وحول المطلوب من الأطراف السورية، أشار درار إلى أنه "يجب أن تعمل الرؤية الجديدة للمرحلة الانتقالية على ترسيخ مفهوم الحكم بحيث يكون حكماً وطنياً ديمقراطياً، ربما يبدأ من مؤتمر وطني جامع تنشأ منه جمعية تشريعية ووضع دستور حديث، وهذا أمر مهم بالإضافة إلى حكومة انتقالية من هذا المؤتمر، أيضاً أن يفكر الجميع بنموذج سياسي لا يعتمد نموذج الحزب الواحد، هذا النموذج الديمقراطي ربما يكون برلماني أو بصيغة أخرى إلا أنه يجب أن يكون قائماً على مفهوم عصري يمكن أن يشارك فيه الجميع بعيداً عن العقل الشمولي الذي كان سائداً في المراحل السابقة".
وأكد بأنه "يجب على الجميع أيضاَ أن يعترفوا بحقوق المكونات والتنوع السوري وهذا أمر يجب أن يكون مثبتاً في الدستور ليعرف أن جميع هذه المكونات هي من أبناء الوطن السوري الواحد، وانتماءاتهم وهوياتهم هي بسبب التاريخ والسلالات والتي هي أمر طبيعي في حياة الناس وبسبب العقائد التي هي من حق الناس أن ينتموا إلى أي عقيدة يرغبون بها دون أن تفرض عليهم عقيدة أحد، ولا بد أن يفكر الجميع بسيادة القانون وان يكون هذا القانون وضعياً من قبل الهيئة التشريعية لخدمة الناس تستفيد من الفقه التشريعي بما فيه مصلحة معاصرة لحياة الناس دون أن يفرض عليهم نموذج واحد، لا بد أن يعتمد الجميع في الحياة السياسية القادمة مبدأ الفصل بين السطات، وأن تكون المساواة بين المواطنين هي أساس القانون والممارسة في السياسة والاجتماع".
وأضاف "علينا جميعاً أن نعمل على مشروع وطني جامع، وأن يمر هذا المشروع عبر عدالة انتقالية يسهم فيها القائمون على أمر الحياة السياسية، حتى ينصفوا المتضررين من أبناء الشعب السوري بعيداً عن الانتقام ومحاسبة كل أركان النظام المسؤولين عن الجرائم. يجب أن ننتهي بمصالحة وطنية تعتمد على أن الإنسان هو محور العملية الانتقالية.
وبذلك، نسعى جميعاً لحماية الأقليات وتجنب الأعمال الانتقامية، ولابد أن نتحرر من عنف الماضي وأن نعمل على جلب كل من ارتكب انتهاكات أمنية وعسكرية وتقديمهم لمحاكم العدالة. نحن جميعاً نعمل من أجل نظام تعددي يرتكز على أساس المواطنة وحقوق الإنسان."
(أم)
ANHA