أين تكمن أهمية منبج؟
كانت ولاتزال منبج التي تم تحريرها في الـ 15 من آب عام 2016 منطقة تتصارع عليها قوى محلية وإقليمية ودولية بغية السيطرة عليها، وعادت مؤخراً إلى الواجهة مع دعوة نصر الحريري، لرئيس دولة الاحتلال التركي رجب طيب أردوغان إلى احتلالها، فما هي أهمية هذه المنطقة بالنسبة لكل قوة من القوى المتصارعة؟

تقع مدينة منبج في الشمال الشرقي من مدينة حلب السورية، على بعد 80 كم، بالقرب من نهر الفرات، وتقوم على أرض فسيحة ترتفع نحو 398م عن سطح البحر، وتنحدر نحو الفرات في الشرق، وتبعد عن ضفته الغربية 15 كم، وتمتد نحو نهر الساجور في الشمال ونهر أبو قلقل في الجنوب، وهما من روافد الفرات، وأُطلق عليها قديماً عاصمة سورية الفراتية.
إدارياً، كانت تتبع لمحافظة حلب، يبلغ تعداد سكانها 408,143 نسمة، حسب التعداد السكاني لعام 2004، وهي مركز اقتصادي محلي، على الطريق السريع إم فور M4، وهو طريق تجاري رئيس يربط مدينة اللاذقية الساحلية الغربية بحلب والرقة ودير الزور ومناطق إقليم الجزيرة.
تحولت مدينة منبج إلى هدف لمعظم اللاعبين في الصراع السوري، بسبب طرق الإمداد التي تمر عبرها، ووقوعها وسط الحزام الشمالي لسوريا؛ وقد سيطر عليها ما كان يعرف بالجيش الحر في 19 تموز 2012، وفي عام 2014 احتلها مرتزقة داعش، وحوّلوها إلى مدينة تتشح بالسواد، وكانت المركز الرئيس للمرتزقة الأجانب وطريقاً للإمدادات اللوجستية والمادية والبشرية للمرتزقة القادمين من تركيا.
تُعد مدينة منبج من المناطق الجيواستراتيجية في سوريا حالياً، إذ تحتل موقعاً حساساً على خريطة الصراع السوري لوقوعها قرب نقطة التقاء ثلاث مناطق منفصلة. مناطق تحتلها تركيا وأخرى تابعة لحكومة دمشق، والثالثة تحت حماية قوات مجلس منبج العسكري. كما تربط مدينة الباب بمدينة الرقة، وتبعد 30 كم عن النقطة الحدودية التي تربط سوريا بتركيا.
ونظراً لموقعها الاستراتيجي، أصحبت عقدة تجسّد تناقض وتضارب مصالح إقليمية ودولية، وعلى رأسها دولة الاحتلال التركي وروسيا وحكومة دمشق، وحاولت دولة الاحتلال التركي عقب احتلال مدينة الباب عبر مسرحية هزلية في 24 آب 2016، التوجّه إلى مدينة منبج، لكن مجلس منبج العسكري تصدى لهذه المحاولات التي ما تزال مستمرة حتى اليوم.
'أهمية منبج بالنسبة للقوى المتصارعة'
تسعى حكومة دمشق إلى السيطرة على مدينة منبج، من أجل توسيع رقعة سيطرتها من جهة، والسيطرة على الطريق السريع الذي يمكن أن يساعده في إعادة بناء اقتصاد سوريا المتدهور والممزق نتيجة الأزمة المتفاقمة منذ أكثر من عشرة سنوات من جهة أخرى. وسعت حكومة دمشق مؤخراً إلى زرع الفتنة والشقاق بين أبناء مدينة منبج التي تعد منطقة عشائرية في سوريا، لذلك باشرت دعم بعض العشائر، لإثارة الفوضى في المدينة عبرهم وعبر الخلايا النائمة التابعة لها.
أما تركيا فتحاول توسيع احتلالها للمناطق السورية من جهة ضرب الإدارة المدنية الديمقراطية من جهة أخرى، والتمركز في خاصرة حلب من الجهة الشمالية الشرقية، كما ترى أن مدينة منبج هي أراضٍ تركيا بموجب الميثاق الملّي، ناهيك عن محاولتها اكتساب موطئ قدم لها في المنطقة، وعزل مناطق إقليم الجزيرة عن مناطق الشهباء ومدينة حلب واللاذقية.
وتستخدم دولة الاحتلال التركي مرتزقة الائتلاف السوري لتنفيذ مخططاتها ضمن المنطقة، وتصريحات رئيس ائتلاف المرتزقة نصر الحريري، التي دعا من خلالها دولة الاحتلال التركي إلى احتلال مدينة منبج ومناطق الشهباء، دليل دامغ على ذلك.
أما بالنسبة لروسيا، فإنها تحاول إبعاد تركيا عن حلف الناتو، لذلك فإن معظم سياساتها في المناطق الشمالية متناغمة مع تركيا، بالإضافة إلى توسيع رقعة سيطرة قوات حكومة دمشق للحفاظ على الاستثمار الروسي الاستراتيجي في حقول الغاز في المياه السورية، التي أصبحت تحت سيطرة روسيا لمدة نصف قرن بعد توقيع اتفاق بين الروس وحكومة دمشق لاستخراج الغاز من الأراضي والمياه السورية، وإنشاء قواعد عسكرية على المياه الدافئة كقاعدة حميميم.
وتتمركز حالياً قوات مجلس منبج العسكري في خطوط التّماس الممتدة من شمال منبج حتى مدينة الباب غربها، كما توجد قاعدة عسكرية روسية جنوب مدينة منبج وبالتحديد في بلدة العريمة، وهذه القاعدة أتاحت الفرصة لقوات حكومة دمشق الانتشار في مناطق قريبة، تمثل خطاً فاصلاً في الغرب والشمال بين قوات مجلس منبج العسكري ومرتزقة دولة الاحتلال التركي. هذا وجاء التمركز الروسي جنوب منبج عقب الهجمات التركية على مناطق شمال وشرق سوريا في 9 تشرين الأول 2019، وتنظم روسيا بين الحين والآخر دوريات مشتركة مع قوات حكومة دمشق في الخطوط الأمامية، بينها وبين مرتزقة دولة الاحتلال التركي.
(م)
ANHA