أردوغان يكشف نواياه الحقيقية.. الاحتلال والتغيير الديموغرافي

عاد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مجدداً إلى التهديد باحتلال شمال وشرق سوريا، وذلك بعد ساعات معدودة من تسيير دوريات مشتركة بين كري سبي/تل أبيض وسري كانيه، ولكن كلمات أردوغان وكما كل مرة كشفت عن نيته الحقيقية باحتلال المنطقة وزيف الادعاءات التي يُطلقها بشأن شمال وشرق سوريا ومكوناتها ووصمهم بـ "الإرهاب".
فأردوغان ادّعى بأنه ينبغي جعل المنطقة بمدنها وريفها آمنة حتى يتسنى إسكان مليون شخص في هذه المنطقة. ولكن في الأساس هذه المنطقة هي من أكثر المناطق السورية أمناً وأماناً، باستثناء الفترات التي تعرضت فيها إلى هجمات مرتزقة داعش. واللافت للانتباه إلى أن أردوغان ذكر المدن والريف، فكلنا يعرف أن الولايات المتحدة توصلت مع تركيا في الـ 7 من آب/أغسطس إلى اتفاق حول آلية أمنية تراعي مخاوف أنقرة المزيفة، وفي نفس الوقت مخاوف سكان شمال وشرق سوريا من هجوم تركي محتمل.
أردوغان لا يرغب في أن تبقى هذه المنطقة آمنة، ويريد أن يحتلها كما فعل في عفرين مطلع عام 2018 عبر صفقة دنيئة كان طرفيها روسي وتركي وسط ضعف النظام الذي فقد الإرادة وباتت قراراته بيد طهران وموسكو. ولا يعجبه النظام الديمقراطي الذي أعلنته شعوب شمال وشرق سوريا، لأن كافة الطغاة يخشون من تطور الديمقراطية والإرادة الشعبية، فكل ما يهمهم هو كرسي السلطة، ولذلك فهو يسعى بشتى الوسائل لضرب الاتفاق الحاصل من أجل شن هجمات على المنطقة.
والسبب الكامن وراء نية أردوغان لاحتلال المنطقة هو كون غالبية سكانها من الكرد، والآلية الأمنية التي يتم العمل عليها مع واشنطن والمتفق عليها مع قوات سوريا الديمقراطية، تمنعه من دخول المدن وبذلك تفشل مخططاته الاحتلالية ونيته في تغيير ديموغرافية المنطقة، فأردوغان يردد دائماً ويكشف عن نيته توطين مليون سوري في منطقة ما زال شعبها يسكنها، فكيف بإمكان أردوغان إسكان مليون سوري إن لم يقم بإخراج سكان المنطقة من منازلهم وتوطين غيرهم والتجارب كثيرة عن المخطط التركي هذا، فعفرين حقيقة قائمة وماثلة أمام الجميع، فسكانها الكرد يعيشون في المخيمات نتيجة التهجير القسري، وأسكن أردوغان عوضاً عنهم وفي منازلهم عوائل من التركمان من جبال اللاذقية ونازحين من مناطق سورية أخرى لتحقيق غايته في التغيير الديموغرافي والقضاء على الوجود الكردي في أرضه التاريخية.
إن الإدارة الذاتية قالت وبشكل صريح إنها مستعدة لاستقبال السوريين من أبناء شمال وشرق سوريا ولكن بشرط أن لا تكون أيديهم قد تلطخت بدماء المدنيين، خصوصاً أن العديد من المنضمين إلى داعش من أبناء المنطقة هربوا إلى تركيا بعد أن تم تحرير المنطقة من قبل قوات سوريا الديمقراطية، وتخشى الإدارة الذاتية من أن يساعد قدوم هؤلاء إلى مساعدة داعش في الظهور مجدداً بعد القضاء عليه جغرافياً.
الأمر الآخر، تركيا تحتل شريطاً حدودياً من جرابلس وحتى إعزاز ويتضمن الباب، وعندما احتل أردوغان هذه المنطقة عام 2016 قال بأنه سيعيد السوريين إلى هناك، ولكن هل عاد السوريون؟ أبداً، من عادوا هم من أرادت تركيا عودتهم من عوائل المرتزقة، وبطبيعة الحال لا يرغب السوريون بالعودة إلى أي منطقة تحتلها تركيا بسبب الفلتان الأمني وعمليات الخطف والقتل التي تحدث يومياً.
وهنا لا بد من التذكير أن أردوغان يهدد الدول الأوروبية دائماً وأبداً بفتح الأبواب أمام المهاجرين إن لم يتلق الدعم منهم، وقالها بصراحة "إن لم تساعدوني في إنشاء منطقة آمنة شمال وشرق سوريا سأفتح الأبواب أمام المهاجرين مجدداً إلى أوروبا". فأردوغان بات يهدد الجميع من حوله للوصول إلى ما يريد.
ومن جهة أخرى لا يمكن النظر إلى تهديدات أردوغان بمعزل عن ما يجري في إدلب، إذ أن أردوغان اتفق مع بوتين في 17 أيلول/سبتمبر 2017 بإنشاء منطقة منزوعة السلاح بعمق 15 – 20 كم وتشمل أجزاء من إدلب وحماة وحلب واللاذقية، وإخراج المرتزقة منها وفتح الطريقين الدوليين الرابطين بين حلب وحماة وحلب واللاذقية وكان من المفترض أن تطبق تركيا الاتفاق ولكنها فشلت، وهذا ما دفع النظام السوري وروسيا لبدء عملية عسكرية منذ 30 نيسان/أبريل من العام الجاري وسيطرته على الريف الشمالي لحماة وأجزاء من الريف الجنوبي لإدلب.
ومع خسارة المجموعات المرتزقة التي تدعمها تركيا وتستخدمهم كواجهة لتحقيق مآربها، توجه أردوغان إلى موسكو في أواخر آب/أغسطس الماضي وعقد صفقة مع بوتين تتضمن حل جبهة النصرة وحكومة الإنقاذ التابعة لها، إلا أن الرياح هناك تجري بما لا يشتهيها أردوغان، فروسيا ستشن عاجلاً أم آجلاً هجمات على تلك المنطقة إن لم ينفذ أردوغان التزاماته. لذلك يسعى أردوغان من خلال تهديد شمال وشرق سوريا لضمان موطئ قدم له في هذه المنطقة، خصوصاً أن الوجود التركي في منطقة خفض التصعيد الرابعة والأخيرة (إدلب) سيتم الحديث عنها بشكل مُطوّل في الاجتماع الذي يجمع أردوغان بكل من بوتين وروحاني في الـ 16 من أيلول/سبتمبر الجاري بأنقرة.
كما يمكن تفسير تهديدات أردوغان أيضاً من جانب ثالث يتمثل فيما يعانيه أردوغان وحزب العدالة والتنمية داخلياً خارجياً من ضغوط. داخلياً، بدأ رفاق أردوغان القدامى والذين كانوا سبباً في وصوله إلى السلطة بالانشقاق عن حزبه، ويعتزم عدد منهم تشكيل أحزاب جديدة، وهذا ما يهدد أردوغان وحزبه في البقاء بالسلطة خلال الانتخابات التي ستجرى عام 2023، بالإضافة إلى تعمق الأزمة الاقتصادية داخل البلاد وارتفاع معدل البطالة والتضخم. وخارجياً، تعاني أنقرة من توتر العلاقات مع حلفائها في الناتو، نتيجة تأثير السياسات التركية السلبية في المنطقة على مصالح الولايات المتحدة والحلفاء الأوروبيين، وكذلك توتر علاقاتها مع كبرى الدول العربية ممثلة بالسعودية ومصر والإمارات، بسبب الدعم التركي لجماعة الإخوان المسلمين التي باتت أغلبية الدول العربية تنظر إليها على أنها جماعة "إرهابية".
إن تركيا أردوغان غارقة في مستنقع الأزمة السورية ولم تعد سياسة السير على التناقضات بين روسيا وأمريكا قادرةً على تحقيق ما يُرضي طموح أردوغان في استعادة أحلام العثمانية القديمة المتجددة لديه، فالرئيس الروسي بوتين حصر أردوغان في زاوية إدلب وبات يُضيّق الخناق عليه أكثر فأكثر، ولم يعد أردوغان يملك الكثير من الأوراق في يديه، ليطرحها في اجتماعات أستانا والقمم الثلاثية التي تجمعه بنظيريه الروسي والإيراني. ولا الولايات المتحدة الأمريكية مستعدة لضرب مصالحها في عموم الشرق الأوسط من أجل إرضاء أردوغان بعد أن خرج من عباءتها وكان المُكلّف من قبلها على تطبيق الإسلام المعتدل في المنطقة العربية.