هل ينفرط العِقد التركي في إدلب.. أم أنّ تقسيم سوريا بات أمراً واقعاً؟

في ظلّ احتدام الأوضاع والتطوّرات التي تشهدها عموم سوريّا، وشمالها على وجه الخصوص، وتداعيات صفقة منظومة الدّفاع (إس ٤٠٠ - روسيّة الصنع) التي تنوي تركيا الحصول عليها، قد تكون المنطقة مقبلة على مفاجآت عسكريّة من العيار الثقيل، خصوصاً بعد توارد أنباء متضاربة عن احتمال إلغاء تركيا لهذه الصفقة إرضاءً لحليفتها الأبرز ضمن حلف شمال الأطلسيّ(ناتو) أمريكا، أو على الأقل لإيجاد تسويةٍ مُرْضية للطرفين، الأمر الذي ترفضه الإدارة الأمريكيّة جملةً وتفصيلاً، بل وتُصرّ على وجوب أن تقرّر تركيا فيما إذا كانت تريد البقاء حليفاً استراتيجيّاً ضمن هيكليّة الـ(ناتو) أو الانحياز الكامل للطرف الروسيّ، تلك النقطة التي طفت على السطح حينما وجدت تركيا نفسها ملزمة بوجوب اختيار إحدى صفقتي(إس ٤٠٠) الروسيّة أو مقاتلات (إف ٣٥) الأمريكيّة الصنع.
خياران أحلاهما مرُّ، لا سيّما أنّها-أي تركيا- دأبت خلال سنوات الصراع السّوريّ الإبقاء على التوازن الحرج فيما يخصّ علاقاتها مع قطبي الصراع العالميّين (الولايات المتّحدة وروسيا) بخصوص المسألة السّوريّة عموماً. فهي إنْ اختارت المضي قُدماً في صفقة منظومة الدّفاع الجوّيّ الرّوسيّة فسيعني ذلك بداية نهاية علاقتها المتأزمة أصلاً مع الطرف الأمريكيّ نحو القطيعة الدائمة، الأمر الذي قد ينعكس إيجاباً في زيادة الدعم العسكريّ واللوجستيّ المقدّم لقوّات سوريّا الديمقراطيّة، التي تشكّل وحدات حماية الشعب عِمادها في مناطق شمال شرق سوريّا، ما قد يتطوّر مستقبلاً إلى شكلٍ من الاعتراف الأمريكيّ ولاحقاً الدّوليّ بمناطق التي حررتها وتحميها قوات سوريا الديمقراطية كمناطق حكمٍ ذاتيّ على غرار ما حصل في مناطق شمال العراق (إقليم كردستان العراق حاليّاً) في تسعينيّات القرن الماضي؛ وهو ما تخشاه تركيا وتعتبره تهديداً لأمنها القوميّ.
تركيا إنْ ألغت صفقة الصواريخ الروسيّة (إس ٤٠٠) فقد ينذر ذلك بانهيار كافة اتفاقيّاتها مع روسيا وإيران وهدم الأُطُر المتعلّقة باتفاقات (آستانا) ولقاءات (سوتشي)، وبشكلٍ خاصّ الجوانب المتعلّقة منها بمصير محافظة إدلب، شمال غرب سوريّا وأوّلها المنطقة "منزوعة السلاح" التي كانت أولى نتائج لقاءات(سوتشي) بين الرّئيسين الرّوسيّ فلاديمير بوتين والتركيّ رجب طيّب أردوغان للفصل بين قوّات النظام السّوريّ والمجاميع المسلّحة التابعة لتركيا.
البراغماتية التركيّة هذه لن تدوم طويلاً في خضمّ الإلحاح الأمريكي، وسينهار هذا التوازن الحرج عاجلاً أم آجلاً، الأمر الذي يشرع الأبواب أمام انفجارٍ عسكريّ بين كافّة أطراف الصراع السّوريّ المحليّين والإقليميّين والدوليّين في إدلب السّوريّة.
أيّ تطوّرٍ من هذا القبيل سيجعل من المحافظة التي يعيش فيها حوالي(3.5) مليون شخص، وتتقاسمها عشرات المجاميع المسلّحة والفصائل الراديكاليّة المصنّفة على لوائح الإرهاب العالميّة كهيئة تحرير الشام(جبهة النصرة سابقاً) ومؤخراً ظهور مجموعات "داعش" في بعض مناطقها، أشبه ببركانٍ قابلٍ للانفجار في أيّ لحظة.
تعقيدات المشهد تضعنا أمام خياراتٍ محدودة، معظمها يصبّ في خانة أنْ إدلب ستكون ساحة لصراعٍ عسكريّ عالميّ "مصغّر" ما بين الروس والإيرانيّين الداعمين الأبرز للنظام السّوريّ منذ بداية الصراع السّوريّ المستعر منذ ٢٠١١ من جهة والتحالف الدّوليّ ضدّ "داعش" الذي تقوده الولايات المتّحدة الأمريكيّة، وبشكلٍ خاصّ بعد ظهور مؤشّراتٍ عديدة وتوارد معلوماتٍ استخباراتيّة تفيد وصول عددٍ من قيادات الصفّ الأوّل من "داعش" التي أعلنت قوات قسد مؤخراً القضاء عليه باتّجاه إدلب وربّما باتّجاه المناطق التي تحلتها تركيا.
تركيا التي لها(14) نقطة مراقبة عسكريّة على امتداد إدلب، ستكون الخاسر الأكبر من أي عملٍ عسكريّ قد تُقدم عليه روسيا وحلفاؤها على الأرض السّوريّة، وعلى إدلب التي تمثل آخر أبرز بُؤر الجماعات التابعة لتركيا والمجاميع الإرهابيّة التابعة لـ "القاعدة" و"داعش"، وخصوصاً أنّ تركيا تعد الداعم الأكبر لهذه المجاميع والفصائل التي ستنقلب عليها في حال بدأ هذا الهجوم، ومعه سينفرط العِقد التركيّ في سوريّا لتتساقط حبّاته تباعاً بدءاً من إدلب ومروراً بـ (عفرين) التي تحتلها تركيا وانتهاءً بمناطق (اعزاز والباب وجرابلس).
إذاً، وفي ضوء هذا المشهد القاتم، تبدو المنطقة مقبلة على حربٍ جديدة؛ قد تكون الأكبر على امتداد السنوات الثماني للصراع السّوريّ، تكون إدلب بيضة القبّان فيها، وتكون محدّداً لشكل سوريّا المستقبل. فإمّا الحفاظ على كيانٍ جغرافيّ موحّد واستعادة كافّة المناطق التي تحتلّها تركيّا ومن ضمنها(عفرين، ٦٠ كم شمال غرب محافظة حلب)، أو ترسيخ التقسيمات الحاليّة ونهاية سوريا بشكلها القديم.
(ن ح)
ANHA