الخرق التركي للعقوبات على إيران سبب التوتر مع أمريكا

رغم التوتر الشديد الذي يحيط بالعلاقة بين واشنطن وأنقرة على مختلف الصعد وأبرزها الاقتصادي, تبدو قضية خرق تركيا للعقوبات على إيران واحدة من أهم المشاكل العالقة بين الطرفين .

الخرق التركي للعقوبات على إيران سبب التوتر مع أمريكا
21 آب 2018   02:06

يحيى الحبيب/مركز الأخبار

لم يستطع الخلاف بين أنقرة وطهران بشأن ملفات عديدة في المنطقة وأهمها الملف السوري أن يبعد الطرفين عن بعضهما البعض وخصوصاً من الناحية الاقتصادية, وعلى الرغم من كل مراحل الفتور بين الدولتين إلا أنه وعلى ما يبدو بأن الاقتصاد يتفوق على السياسة غالباً أو من المتحمل أن يكون الاقتصاد كان كخط مناورة بين الطرفين من أجل الاستدارات السياسية والاصطفافات المتغيرة في المنطقة.

وجددت تركيا مراراً وتكراراً مواقفها بشأن مواصلة استيراد النفط الإيراني وعدم التزامها بالعقوبات الأمريكية المفروضة على طهران, مما وتّر علاقتها مع واشنطن.

ولم يكن الرفض التركي للامتثال للعقوبات الأمريكية على إيران بموجب الانسحاب من الاتفاق النووي وإعادة الحظر الذى كان مفروضاً على قطاعاتها، غريباً على أنقرة تلك العاصمة التي تحكم ببوصلة المنفعة والمصلحة المادية بغض النظر عن اعتبارات الأمن والسلم والاستقرار في المحيط الإقليمي.

استغلال تركي للحصار على إيران

ولا يعد موقف تركيا من العقوبات على إيران جديداً، حيث ترتبط أنقرة بعلاقات تجارية موسعة مع إيران، ففي كانون الثاني/يناير من العام 2012 رفضت تركيا الالتزام بالعقوبات الأمريكية على إيران.

وبسبب العلاقات السرية والعلنية التركية ـ الإيرانية فيما يتعلق بالالتفاف على العقوبات، وقعت واشنطن عقوبات على إيران وتركيا، بعد أن فرضت عقوبات على الخطوط الجوية الإيرانية، وكذلك على إيرانيين اثنين ومواطن تركي بسبب تعامله مع إيران.

وبعد يومين من قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب انسحاب بلاده من خطة العمل الشاملة المشتركة مع إيران "الاتفاق النووى" وذلك في أيار/مايو الماضي، أصدر وزير الاقتصاد التركي نهاد زيبقجى، تصريحاً بهذا الصدد رأى فيه أن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران يمثل فرصة لتركيا، وهو ما يستدعي فهم هذا الجانب من المنظور التركي للعقوبات على إيران ويعني هذا ببساطة استغلال تركيا لموقف إيران الضعيف سوقياً وحاجتها إلى تصدير نفطها بأي طريقة وبتسهيلات إئتمانية ومالية وبأسعار أدنى من السعر الدولي لبرميل النفط الواحد.

وتعتبر تركيا جاراً متاخماً للدولة المارقة بنظر واشنطن إيران بحدود تتجاوز الخمسمائة كيلو متر، حيث سبق وتحايلت تركيا على العقوبات الإيرانية بحجة تلبية متطلبات حياتية ملحة لشرائح عريضة من شعبه.

قضية رضا ضراب تعيد الأضواء لملف خرق العقوبات على إيران

وتفاعلت قضية اتهام تركيا بخرق العقوبات الأمريكية والأوروبية المفروضة على إيران عام 2012، بعد اعتقال رجل الأعمال التركي الإيراني الأصل، رضا ضراب، في مطار ميامي بالولايات المتحدة الأمريكية، وتوقيف نائب المدير العام لبنك "خلق" الحكومي التركي، محمد هاكان أتيلا، بالتهمة ذاتها.

وتراجع سعر صرف الليرة التركية إلى نحو 3.926 ليرات للدولار، إثر اتهام "ضراب" لوزراء أتراك بعلمهم بخرق العقوبات، بل وإشارته إلى تقديم رشى مالية لبعضهم، ليصل الاتهام بعلم رئيس الدولة التركية رجب طيب أردوغان، بخرق العقوبات، بحسب ما أشار إليه رجل الأعمال خلال جلسة محاكمة في نيويورك.

إذ كشف رجل الأعمال التركي الإيراني رضا ضراب الذي أدلى بشهادته أمام محكمة فدرالية أمريكية، تورط الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في التحايل على العقوبات الأمريكية ضد إيران عندما كان رئيساً للوزراء.

واعتقل رضا ضراب في شهر آذار/مارس 2016 أثناء زيارته إلى الولايات المتحدة الأمريكية، حيث يعتبر رضا ضراب رأس جهاز إيراني هائل للتحايل على العقوبات الغربية عن طريق تركيا. وكشفت الجندرمة التركية (المعارضة لأردوغان آنذاك) عن إهدائه عدة ثلاجات ديب فريزر لأبناء أردوغان مليئة بسبائك الذهب.

وقال رضا ضراب أثناء إدلائه بشهادته أمام المحكمة الفدرالية الأمريكية، أن الرئيس التركي (كان رئيساً للوزراء حينها) كان يعلم بعلاقاته مع “خلق بانك” الحكومي التركي، لمساعدة إيران على الالتفاف على العقوبات الأمريكية بواسطة خطط معقدة لتبييض عائدات مبيعات النفط والغاز الإيرانية.

وساعد رجل الأعمال الإيراني التركي في تحويل مليارات من اليورو من مداخيل المحروقات الإيرانية التي وضعت في “خلق بنك” إلى ذهب، ونقلها بعد ذلك في حقائب إلى دبي، حيث تم بيعها مقابل عملات لا يمكن تتبعها، وبالتالي يمكن استخدامها في عمليات دفع دولية رغم العقوبات الأمريكية والدولية التي تمنع من حيث المبدأ التجارة مع إيران.

ويواجه تاجر الذهب ضراب اتهامات بإدارة مخطط معقد لتلافي العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران على خلفية برنامجها النووي. وهو متهم ببيع الذهب للجمهورية الإسلامية مقابل النفط. وهناك مشتبه به آخر على رأس القائمة وهو محمد حقان أتيلا المدير المصرفي المتهم بالمساعدة في غسل الإيرادات من خلال خلق بنك المملوك للدولة. وهناك أيضاً سبعة مشتبه بهم آخرون ليسوا محتجزين في الولايات المتحدة متهمون بالتورط في المخطط ومن بينهم وزير الاقتصاد التركي السابق ظافر شاغلايان.

علاقة إمبراطور الذهب بأردوغان

وجه المدعي العام الأمريكي اتهامات إلى إمبراطور الذهب رجل الأعمال الإيراني، رضا ظراب، بتحايله على العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران، من خلال محادثة تمت بينه وبين الرئيس التركي الحالي رجب طيب أردوغان، عندما كان رئيس الوزراء آنذاك، أثناء حضورهما حفل زفاف عام 2013، ثم قدم تبرعات إلى مؤسسة خيرية يديرها ابن رئيس الوزراء. 

وهذه كانت المرة الأولى التي يقوم فيها الادعاء الأمريكي بالربط المباشر بين ضراب والرئيس التركي، لدرجة أن هذه القضية أضرت كثيراً بالعلاقات بين تركيا والولايات المتحدة.  

التقارب مع إيران.. استراتيجية تركية قديمة لتحقيق طموحها

بدّلت الحرب في العراق وسورية من خطط وتوجهات تركيا نحو المشرق، بعد قطع الطرق البرية التي توصل بضائعها إلى منطقة الخليج العربي ومنها إلى دول آسيا.

وأثرت الحرب المندلعة في سورية والعراق، على الحلم التركي، بإيجاد تحالف في المنطقة "شامغن" يربطها مع إيران والعراق وسورية والأردن ولبنان، ليكون تكتلاً كما الأوروبي "شينغن"، تُلغى خلاله الرسوم الجمركية، وترفع الحدود والرسوم أمام البضائع وتنقل المسافرين، ولكن هذا المشروع ما زال على طاولة رجب طيب أردوغان.

إن الأحداث السياسية والعسكرية، من قطع طريق سورية باتجاه الخليج وإلغاء مصر اتفاق الملاحة، دفعت تركيا إلى البحث عن بدائل، تضمن وصول بضائعها إلى أسواق الخليج وبتكاليف تضمن لها المنافسة، فكان الحل بالتفكير في نقل البضائع بحراً للأردن وبراً إلى إيران، ومن ثم نقلها إلى الأسواق المستهدفة. ولا بد من الإشارة إلى زيارة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي لأنقرة مؤخراً كان في هذا المجال وسيعيد فتح الطرق البرية مع العراق للوصول إلى منطقة الخليج العربي.

وتعول تركيا بشكل كبير على الصادرات التي من المتوقع أن تزيد عن 157 مليار دولار، لتحقيق تطلعاتها بالنمو، والتي يمكن أن تتعدى 9%.

وترى تركيا في المنطقة العربية وإيران، نظراً لقرب الأسواق وزيادة الطلب على المنتج التركي، أملاً في زيادة الصادرات، حيث زادت الصادرات التركية إلى قطر بنحو 90%، خلال الفترة الماضية، بعد الحصار المفروض على الدوحة. وسجلت الصادرات التركية إلى قطر، ارتفاعا بنسبة 29%، بين يناير/كانون الثاني وسبتمبر/أيلول من العام الماضي، لتبلغ 382 مليونا و183 ألف دولار، في حين كان إجمالي قيمة الصادرات التركية إلى قطر، في نفس الفترة من العام الذي يسبقه نحو 296 مليوناً و912 ألف دولار.

كما أظهرت آخر الإحصاءات الصادرة عن منظمة النقل الإيرانية، أن صادرات البضائع التركية تحتل نصيب الأسد في الصادرات الأجنبية عبر الطرق البرية في الأشهر الأخيرة.

وذكرت منظمة إيران لصيانة الطرق والنقل أن صادرات البضائع من تركيا شكلت 64% من البضائع المصدرة إلى إيران بواسطة الشاحنات.

ويرى مراقبون بأن الخرق التركي للعقوبات على إيران هو أحد أهم أسباب التوتر مع واشنطن رغم اتخاذ احتجاز أنقرة للقس الأمريكي كواجهة. ولهذا فرضت أمريكا رسوماً جمركية على بعض السلع التركية الأمر الذي تسبب بانهيار الليرة التركية.

وفقدت الليرة التركية حوالي 40 % من قيمتها أمام الدولار منذ بداية العام الجاري بسبب سياسات أردوغان الخاطئة في المنطقة.

(ح)

ANHA