مراقبون: صانع الملوك في العراق عاد ليكون الملك
أشار مراقبون بأن تحالف "سائرون" نجح في استثمار ما يملكه من تأثير على شرائح معينة من أجل أن تعلو كفة الصدر في الميزان بعد أن تنامت شعبيته خلال الانتخابات.

مركز الاخبار
قالت صحيفة العرب في مقال نشرته اليوم "نجح تحالف سائرون، الذي يتكون من مجموعة سياسية متناقضة أيديولوجيا، من الإسلامي إلى العلماني، في أن يحرز مرتبة متقدمة في الانتخابات البرلمانية التي شهدها العراق السبت 12 مايو 2018 واعتبر كاتب سياسي عراقي أن مفاجأة هذه الانتخابات تتعلق بالفوز الساحق الذي حققته قائمة سائرون التي يتزعمها رجل الدين الإشكالي مقتدى الصدر وقد تحالف مع تيارات مدنية أبرزها الحزب الشيوعي العراقي".
وأوضحت الصحيفة "أظهرت حصيلة أولية غير رسمية لنتائج الانتخابات البرلمانية العراقية تصدّر تحالف سائرون بزعامة مقتدى الصدر، في نتيجة تكشف، رغم نسبة المقاطعة الكبيرة للانتخابات، تبدلاً في المزاج الشعبي العراقي وسيراً نحو وضع حد للمشروع الإيراني وللتدخلات الأميركية في العراق، حيث يعتبر خبراء أن في تنفيذ التحالف لوعوده التي أطلقها خلال الحملة الانتخابية كما للمطالب التي نادى بها في ساحة التحرير، ببغداد، ودعواته إلى محاربة الفساد التأثير العميق على مستقبل البلاد".
وكما يبدو فإن تلك التيارات قد استثمرت ما تملكه من تأثير على شرائح معينة من أجل أن تعلو كفة الصدر في الميزان. وإذا ما استقرت النتائج النهائية على هذا المستوى فإن تحالف الفائزين يمكن أن يؤدي إلى ظهور حكومة أغلبية ذات مزاج وطني.
وأكملت الصحيفة "اعتبر كثيرون داخل العراق وخارجه أن مجال التقاء المصالح بين أصحاب العمامة السوداء (التيار الذي يقوده مقتدى الصدر) مع أصحاب الأعلام الحمراء (الحزب الشيوعي العراقي)، لن ينجح. لكن، كانت للشارع العراقي حسبة أخرى، تشكلت معالمها في ساحة التحرير وسط العاصمة العراقية بغداد في صيف 2015، عندما أطلق الحزب الشيوعي والقوى السياسية المدنية في البلاد احتجاجات شعبية تطالب بإصلاح العملية السياسية وإنهاء الطائفية والفساد.
وازدادت هذه الاحتجاجات زخماً وقوة حين انضم إليها مقتدى الصدر في 2016، مغيراً المعادلة لصالح الاحتجاجات التي كادت تخبو، عبر خطابه الذي ألقاه من المنطقة الخضراء، في حدث تاريخي استحضره الكثير من العراقيين يوم التصويت".
وقال مصدر من داخل مفوضية الانتخابات إن النتائج الأولية غير الرسمية، أظهرت تقدم تحالف سائرون بواقع 54-56 مقعداً في البرلمان العراقي من أصل 329 مقعدا. ويبدو أنه مثلما أنقذ الصدر، الذي يوصف بصانع الملوك في العراق، الاحتجاجات الشعبية التي قادتها في البداية التيارات المدنية والحزب الشيوعي، نجح في أن يدفع بها نحو البرلمان من خلال التحالف معها وبدا أنه كسب ثقة الشارع العراقي ونجح في أن يقدم صورة مختلفة عن تلك التي قدمها بقية الناخبين، وما تصويت عدد هام من العراقيين لتحالف سائرون، بقيادة مقتدى الصدر، إلا رسالة شعبية عراقية ضد الطائفية والفساد وإيران.
وكتبت فيفيان والت في صحيفة تايم الأميركية، مشيرة إلى أنه “في المقابلات التي أُجريت سابقاً (مع التايم)، لم يتوقع أي دبلوماسي أو مسؤول أن الصدر قد يصبح زعيماً محتملاً للعراق، وهو أمر من الممكن أن يثير قلق العديد من الأميركيين، الذين يتذكرون الهجمات المميتة التي شنها أتباع الصدر ضد الجنود الأميركيين خلال العقد الأول من القرن الحالي”.
وتشير فيفيان والت إلى أن شعبية الصدر تنامت بشكل متزايد خلال هذا الموسم الانتخابي كنتيجة لانتقاداته الحادة التي وجهها للحكومات المتعاقبة بسبب الفساد وأيضاً لفشلها في تأمين البلاد ضد تنظيم داعش الذي اجتاح العراق في عام 2014، واستولى على ما يقرب من ثلث أراضيه، بما في ذلك مدينة الموصل.
كما أن هناك عاملاً آخر عمل أيضاً على تزايد شعبية الصدر، الذي ضغط من أجل خلق حكومة تكنوقراط لا تقوم على أساس ديني، وهو غضب وسخط العراقيين على السياسيين المخضرمين الذين حكموا لسنوات.
ويرجع المراقبون الفوز الذي حققه التحالف إلى مقتدى الصدر، نظراً لسياساته خلال الفترة الماضية، التي لم تقتصر على النزول إلى الشارع وحشد التأييد للاحتجاجات وانتقاد الفساد المتفشي في العراق، لكن أيضاً هناك زيارة مقتدى الصدر العام الماضي إلى المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، وهما من القوى المؤثرة في المنطقة العربية، ولطالما انتقدتا الدور الإيراني في العراق، التي تدعم تصريحاته حول إيران، خصوصاً بعد التوتر الذي تسببت فيه ميليشيات الحشد الشعبي، التي ينتمي بعضها للتيار الصدري في حين تحارب أخرى تحت راية إيران.
وكان لزيارة الصدر إلى السعودية والإمارات (أغسطس 2017) أثر صدى لافت، حيث كتب الباحثان فراس مصدق وكينيث بولاك، في تحليل نشرته المجلة الأميركية الصادرة عن مجلس العلاقات الخارجية الأميركي، وتصدرته صورة للأمير محمد سلمان مع الزعيم الشيعي العراقي مقتدى الصدر خلال الاجتماع الذي تم بينهما في الرياض، أن انفتاح السعودية على العراقيين مهم، ليس فقط للعلاقات الثنائية، بل لإعادة إدماج العراق في بيئته العربية الأوسع.
وعلق الكاتب العراقي فاروق يوسف حينها على الزيارة بقوله إن هوية الصدر العربية في العراق هي أهم ما فيه في مرحلة صارت تلك الهوية فيها في وضع رث ومزر وسط جدل كردي وشيعي لا يخفي انحيازه لإيران.
ويضيف أن الصدر العربي هو الذي جمعته صورة تاريخية مع الأمير السعودي. وهي رسالة موجهة إلى جهات عديدة، في مقدمتها إيران.
ويوضح يوسف أن الصدر لم يفعل ذلك على سبيل إظهار تحديه لإيران، ولكنه تحد موجه إلى أتباع إيران من سياسيي العراق الفاشلين. ما أدركه الصدر في وقت مبكر من انخراطه في العمل السياسي أن إيران ترغب في أن يُحكم العراق من قبل مواليها من أجل ألا تقوم له قائمة، وهو ما حدث منذ وصول حزب الدعوة إلى الحكم.
وأضاقت الصحيفة "لكن، اليوم تبدو هذه المعادلة على وشك التغيير وأن العراق سائر نحو بداية تغيير للمشهد عبر تصويت عقابي اختار تحالفا “فوضويا” متناقضاً في مبادئه إلا أنه بدا الأقرب للمشروع الوطني الذي يقطع مع المشروع الإيراني في العراق.
ويستغرق الأمر وقتاً لتشكيل ائتلاف حاكم. وفي ظل العملية الانتخابية المرهقة، يحتاج الرئيس العراقي الحالي، فؤاد معصوم، وهو كردي دوره شرفي إلى حد كبير، إلى عقد البرلمان خلال 15 يوما، والذي سينتخب الرئيس الجديد في غضون شهر. ومن ثم، فمازال أمام الكتلة السياسية الفائزة في الانتخابات 30 يوماً لتشكيل حكومة واختيار رئيسها.
(ي ح)